الافـتتاحية
* العلم
تعود الأسباب الرئيسَة للأزمات المركبة والمتتالية التي تعاني منها القارة الأفريقية، إلى التدخلات الأجنبية التي تعصف بالأمن والاستقرار في جل بلدانها، وتعرقل، عن قصد وسابق إصرار، جهودَ التنمية الشاملة المستدامة، وتُبقي غالبيةَ الشعوب الأفريقية غارقةً في دوامة التخلف والهشاشة، فتضيع كل فرص التغيير نحو الأحسن والأفضل، لتبقى القارة تتخبط في مشاكل بنيوية، بعضها ميؤوس من حلها ومعالجتها، ما بقيت القوى الأجنبية تنفخ فيها، لضمان استمرارها في سياسة الاستنزاف للثروات الأفريقية التي تمارسها منذ عقود من السنين.
وعلى الرغم من أن بعضاً من الدول القادرة، ومنها دول كبرى، تمارس سياسة الاقتراب من عدد من البلدان الأفريقية، بشتى وسائل الإغراء والجذب والتأثير، إلا أن الأزمات العنيفة التي تكاد تكون شاملة وعامة في بعض الأقطار الأفريقية، لاتزداد إلا تفاقماً وحدَّةً وعنفواناً، بينما المنطق السياسي وطبائع الأشياء، تقضي بتمهيد الطريق أمام تلك البلدان للخروج من الأنفاق الضيقة وللدخول في فضاءات النمو المتوازن والمتكامل والقائم على أسس سليمة، لدرجة أن العالم أخذ يصنف القارة الأفريقية، أو بعبارةٍ أدق وأكثر تعبيراً عن واقع الحال، أقطاراً معينة من أفريقيا، ضمن المناطق المرشحة لمزيد من التوترات والقلاقل، نتيجةً لعوامل عديدة، منها تفاحشُ الهيمنة الأجنبية من جهة، واستعصاء المشاكل المتفشية على التسوية، في ظل الأوضاع القائمة.
وهو الأمر الذي دعا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، إلى التصريح في حوار لها مع قناة "سي.إن.إن الأمريكية"، بأن أفريقيا ستكون إحدى نقط التركيز الرئيسَة إلى جانب إنعاش الاقتصاد العالمي، في اجتماعات صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي المقرر عقدها في مدينة مراكش في بداية الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر المقبل.
وهذا ما يعني، وبالوضوح الكامل، أن العالم بدأ يعي مسؤوليته الكاملة إزاء تزايد سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القارة السمراء، مما يتراكم مع التقلبات غير الدستورية والتوترات السياسية الناتجة عنها، التي تشهدها دول أفريقية بات يجمع بينها اليوم، الفقر والجوع والأوبئة، إلى جانب اضطراب الأوضاع وانحلال عناصر الدولة وفقدان مقومات الاستقرار الاجتماعي والوئام الأهلي.
لقد شهدت القارة الأفريقية خلال العقدين الماضيين، مبادرات قامت بها أربع دول نافذة لفتح الطريق أمامها من أجل الولوج إلى الفضاء الأفريقي، فعقدت مؤتمرات القمة للقادة الأفارقة في عواصم تلك الدول ذات النفوذ الواسع، اتخذت فيها قرارات تصب في تقوية نفوذها الاقتصادي والأمني والسياسي، بطبيعة الحال.
ولكن لم يتغير شيء في البلدان الأفريقية جراء هذه المبادرات التي قامت بها الدول الأربع التي يعرفها العالم كله. بل تدهورت الأوضاع في بلدان عديدة، ووصل الحال ببعض الشعوب الأفريقية للخروج إلى الشوارع حاملة راية دولة أجنبية لها مطامع في القارة تدعوها إلى التدخل لتحل محل دولة استعمارية قديمة. وهذه حالة نادرة تؤكد مستوى الاندحار الذي وصلت إليه أقطار أفريقية صارت عنواناً للبؤس السياسي الذي يخيم على مناطق من القارة السمراء.
إن مكمن الخلل الذي تعاني منه أوضاع القارة الأفريقية، في أن مستقبل أفريقيا يُصنع في الخارج ولا يبنى في الداخل. وهو خلل بنيوي ومركب، أدركت الأمم المتحدة خطورته على الأمن والسلم الدوليين، فقرر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي أن يبحثا الأزمات الأفريقية في اجتماعاتهما القادمة بمراكش، وأن تكون أفريقيا إحدى نقط التركيز الرئيسة إلى جانب إنعاش الاقتصاد العالمي، في اجتماعات مراكش.
ومن أجل إنقاذ القارة السمراء من الانزلاق في طريقها نحو الأمام ،شددت المملكة المغربية دائماً وعلى مدى عقود، على ضرورة أن تحل البلدان الأفريقية مشاكلها في إطار التعاون الأفريقي-الأفريقي، وتصنع حاضرها ومستقبلها انطلاقاً من مقدراتها وإمكاناتها ومقوماتها والسياسات الوطنية التي تتبعها كل دولة، لقطع الطريق على القوى الأجنبية الزاحفة إلى بسط نفوذها وفرض هيمنتها.
هذا هو النهج القويم الذي ينقذ القارة الأفريقية من الانهيار والاندحار، ويضيء معالم الطريق أمام التنمية والأمن والسلم والاستقرار .وهو النهج الذي تلتزم به المملكة المغربية وتتبعه، وتنصح الأشقاء الأفارقة بانتهاجه والاقتداء به، وتبشر به وتدعو إليه وتشدد عليه.