2025 أغسطس/أوت 19 - تم تعديله في [التاريخ]

20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب

رياضة الدراجات المغربية.. تجسيد للإرث المجيد لكل المغاربة


محطات وطنية ومسارات مجيدة

محمد بن الماحي، رئيس الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات
العلم - بقلم محمد بلماحي

إن تاريخ رياضة الدراجات في المغرب ليس مجرد تسلسل زمني رياضي، بل هو أيضًا قصة مقاومة مطبوعة بالوطنية و التضحية .

إدخال رياضة سباق الدراجات إلى المغرب  تم في بداية القرن الماضي، مع بناء مضمار الدراجات بمدينة الدار البيضاء سنة 1922، الذي شهد مرور أساطير رياضية على أرضيته الإسمنتية، من بينهم بطل العالم في الملاكمة مارسيل سيردان وآخرين.

أُطلقت أولى السباقات في مدن الدار البيضاء، الرباط، مكناس، وادي زم، تادلة… وكان أول طواف للمغرب، المنظم في دجنبر 1916، محطة بارزة في نشر ثقافة الدراجة، سواء كوسيلة نقل أو كنشاط رياضي.

ورغم أن هذه المبادرة انطلقت على يد عناصر من الجيش الفرنسي، إلا أن المغاربة سرعان ما أبدوا اهتمامًا بها، ووجدوا فيها مجالًا للشغل وفرصًا للتألق .

ومن المعلوم ان من اجل تهيئة الحماية، استخدم المارشال "بيتان "كل الوسائل، بما فيها الرياضة وخاصة سباق الدراجات، التي شدت انتباه المغاربة. كما كانت فرصة للجنود الفرنسيين لفرض تفوقهم من خلال هذه “الرياضة الفرنسية”، بينما بدأ المغاربة بذكاء في  اكتشاف والتملك التدريجي لهذا المجال. وهكذا وُلدت مهنة الميكانيكي-الدراج في المغرب.

رياضة الدراجات.. رياضة مقاومة
 
لم تكن الدراجة مجرد نشاط رياضي فقط بل تحولت إلى وسيلة صامتة للمقاومةفقد كان الدراجون المغاربة يستعملونها لنقل رسائل المقاومة بل وحتى الأسلحة الخفيفة.

ومن بين الأمثلة، البطل الراحل محمد بهلول، الفائز بطواف المغرب سنة 1950، والذي تميز بشجاعته ووطنيته على إعتبار انه كان يجاور اعضاء المقاومة بفريق الوداد البيضاوي الذي كان يضم فرعا لسباق الدراجات.
 
كانت لانتصاراته نكهة خاصة: نكهة اثبات الذات ممزوجة بالشعور بالوطنية.

فعشية الاستقلال، كان كل فوز لدراج مغربي على دراج فرنسي يرمز إلى انتصار الشعب المغربي على المستعمر.

وكانت الجماهير الغفيرة، تصل أحيانًا إلى عشرات الآلاف، تحتشد على جنبات الطرق أو تتابع عبر المذياع لتعيش لحظة الفخر بانتصارات هؤلاء الأبطال.

دور جلالة الملك الحسن الثاني.. ولي العهد آنذاك

لم يتأخر دعم الأسرة الملكية لهؤلاء “المناضلين السلميين”.

فقد أدرك جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، وكان حينها وليًا للعهد، الأهمية الاستراتيجية والرمزية لسباق الدراجات في بناء وطن موحد.
 
وفي سنة 1950، ترأس  احتفالات فوز البطل محمد بهلول بطواف المغرب، ليصبح هذا السباق من بين أرقى الملتقيات الرياضية والشعبية في العالم العربي والإفريقي.
 
وكان هذا الحدث تجسيدًا لرؤية واضحة: جعل الرياضة، وخاصة سباق الدراجات، وسيلة لتقوية الوحدة الوطنية، وللحداثة، وللإشعاع الدولي. وبفضل هذا الدعم الملكي ، فرض طواف المغرب نفسه بسرعة كواحد من أعظم السباقات العالمية بعد طواف فرنسا، "جيرو إيطاليا" "وفويلتا إسبانيا."

ميلاد جيل جديد من الأبطال
 
بعد محمد بهلول، جاءت أجيال جديدة من الدراجين: محمد الكورش، غندورة لشهب ، عبد الله قدور، نخلي كرييم العربي، بوشعيب بلبوج، محمد آيت اوفقير ، حبيب بلقاضي، محمد غيات، النجاري مصطفى ، كاتيم ، أفندي، الرحايلي،  بنبوبيلا ،  العدلاوي ، لطرش ، جابر …الذين حملوا عالياً ألوان المغرب في السباقات الإفريقية والأوروبية.

كما أن المرأة المغربية التحقت سريعًا بالركب، ونذكر من بينهن السيدة كريمة الرحايلي وعددًا من البطلات الأخريات.
 
إن نجاح الدراجين المغاربة كان يجسد روح الاعتزاز الوطني والتشبث بالهوية المغربية.

رياضة توحد وتشع
 
اليوم، يواصل سباق الدراجات المغربي أداء هذه الرسالة التاريخية.

فالبطولات الكبرى مثل طواف المغرب، التحديات الدولية لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، دورة المدن الفوسفاطية وتحدي المسيرة الخضراء، كلها تكرس الدور المزدوج لسباق الدراجات كأداة للدبلوماسية الرياضية، وكوسيلة للتماسك الاجتماعي وتعزيز الهوية الوطنية.
 
وعلاوة على المنافسة، أصبحت الدراجة  المغربية رمزًا للصحة، وللإيكولوجيا، وللحداثة، يتبناها عدد متزايد من المغاربة كوسيلة نقل وأسلوب حياة.

إن رياضة الدراجات في المغرب ليست مجرد رياضة، بل هي مسيرة طويلة غنية  بمفاهيم الوطنية فضلا على كونها رياضة شعبية .
بالأمس، كانت أداة للمقاومة؛ واليوم، مصدرًا للفخر والوحدة؛ وغدًا، وعدًا بمستقبل مشرق.
 
من بطولة الراحل محمد بهلول ورفاقه، إلى الرؤية المستنيرة لجلالة الملك الحسن الثاني، مرورًا بإنجازات الكورش والأجيال الجديدة، وصولًا إلى الدعم والرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، تَجذَّرت رياضة الدراجات بعمق في قلوب وتاريخ المغاربة.
 
إن تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب مناسبة لأسرة الدراجات المغربية الكبيرة للاحتفال بمسارها المجيد، بانتصاراتها الممهورة بالفخر والكرامة والتشبث الأبدي بالوطن: المملكة المغربية.



في نفس الركن