2022 يناير 10 - تم تعديله في [التاريخ]

أزمة المقاولات الصحافية تُدخِل خبراء إلى طاولة النقاش

في لقاء لدراسة التصورات الكفيلة بتجاوز الأعطاب


العلم الإلكترونية - الرباط 

انكب ثلة من الفاعلين في مجال الإعلام والصحافة، الأربعاء الأخير بالرباط، على مدراسة التصورات الكفيلة بتجاوز الإشكالات البنيوية التي تعيشها المقاولة الصحافية المغربية، سيما بعد تفاقم أزمة هذا القطاع الحيوي بفعل تفشي جائحة كورونا.
 
وأكد المشاركون في لقاء تشاوري حول موضوع " الصحافة الوطنية .. أي خيارات لمواجهة التحديات الجديدة وكسب رهان التأهيل"، نظمته وزارة الشباب والثقافة والتواصل - قطاع التواصل، أن اضطلاع الصحافة بأدوارها على أتم وجه يقتضي بالضرورة اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية.
 
كما توقف الفاعلون الإعلاميون عند ثقل المهام الملقاة على كاهل الصحافة بفعل تسارع التغيرات الجذرية التي يعرفها المجتمع المغربي، مشيرين إلى أن توفر المغرب على أدوات صحافية متقدمة من شأنه أن يشكل رافعة أساسية للديموقراطية وخيار التعددية.

وفي هذا الصدد، دعا وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، خلال الجلسة الافتتاحية للقاء، إلى إعمال تفكير جماعي في سياسات بنيوية جديدة تعيد للصحافة قيمتها السامية ودورها المجتمعي.
 
وأبرز بنسعيد، أن المقاولات الصحافية في حاجة إلى نموذج اقتصادي جدي قوامه الانتقال الرقمي والتحولات التكنولوجية، مع مواكبة الصحف الورقية في مجال التحول الرقمي لتساير التحولات السريعة التي تشهدها الصحافة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
 
وقال المسؤول الحكومي إن مسألة الدعم العمومي يجب أن تعالج بمقاربة استثمارية، "ذلك أننا نفضل الاستثمار في المجال عوض الدعم، مع اعتماد نمط جديد يروم إخراج نظام داخلي للجنة الثنائية ودفتر التحملات، بهدف مأسسة هذا الاستثمار، وجعله يخضع لقواعد الحكامة والشفافية".
 
وسجل أنه حان الوقت لإقرار نموذج جبائي جديد للمقاولة الإعلامية، التي تبقى بدون أرباح كبيرة، رغم ما تقدمه من خدمات عمومية للمواطنين والمواطنات.

من جهته، وصف عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، هذا اللقاء بـ”اليوم المشهود”، مستحضرا المناظرة الوطنية للإعلام سنة 1993، التي “كانت منعطفا حاسما”، ثم المناظرة الثانية في 2005 التي أثمرت “نتائج وازنة”، من بينها الاتفاقية الجماعية.
 
وتابع نقيب الصحافيين بأن “مستقبل الصحافيين والصحافيات مرتبط بأوضاع المقاولة الصحافية، التي لا تسر الناظرين والعاملين بها”، وعلق على الدعم خلال الجائحة بقوله: “الدعم المالي السخي لعشرات المقاولات الصحافية لم يحقق هدفه، بل كان نفحات من الأوكسيجين لمؤسسات صحافية، وأخرج أخرى من الإنعاش، لكنه لم يؤد نتائجه لا استثمارا ولا تكوينا”.
 
ودعا البقالي إلى “ترشيد الاستثمار النافع مع التحولات الحالية، والتكوين المستمر في التقنيات الجديدة ومجالات تدبير المقاولة، مع النهوض بالأوضاع الاجتماعية للصحافيات والصحافيين”، في ظل “وضع مادي لا يغري فيه المجال الصحافي الأطر، وتضطر المؤسسات لتشغيل الأقل تكلفة، مما ينعكس على منتوجها”.
 
كما ذكر النقيب أن “الاتفاقية الجماعية” لم تراجَع بعد اعتمادها بـ 17 سنة، رغم نصها على المراجعة كل 5 سنوات، بسبب عدم اقتناع الناشرين والحكومة”، قبل أن يذكر أن نقابة الصحافة المغربية قد أعدت “مشروع اتفاقية جماعية جديدة”.
 
وختم رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية كلمته في هذا اللقاء التشاوري بالتأكيد على أن ما “يهمنا الآن سير المركب أولا، ثم نبحث في وسائل تسريعه”.

من جانبه، قال الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع، في لقاء تشاوري حول “الصحافة الوطنية: أي خيارات لمواجهة التحديات الجديدة وكسب رهان التأهيل” مع الهيئات المهنية الأكثر تمثيلية في مجال الصحافة والإعلام، إن برامج الدعم التي منحتها الدولة للمؤسسات الصحافية طيلة عشرين سنة أفرزت “الهشاشة".
 
وأشار لقجع إلى أن “الدعم لم يؤد إلى إنتاج مؤسسات صحافية قوية، وكان يأتي لإنقاذ المؤسسات التي تعاني مؤقتا”، داعيا إلى توقيف هذا المنهج والبحث عن بديل يفرز مؤسسات إعلامية “قوية ومهنية”، مضيفا أنه يجب تعديل المسار الذي رغم إيجابياته أنتج “الهشاشة".
 
ولفت لقجع إلى أن الصحافة ليست مجالا للتوظيف، بل هي مجال للاحتراف يسعى فيه المستثمر في الإعلام للربح والاشتغال بطريقة احترافية كأي مجال اقتصادي آخر.
 
وزاد “لكي تلعب الصحافة دورها لا بد أن نتخذ إجراءات وقرارات، وأعتقد أننا أخذنا الوقت الكافي للتشخيص، لكن دائما كانت لدينا حلقة ضائعة ونتردد ونضيع الوقت، وقد بدأنا محاولات منذ 2005، لأن العقد مع الدولة منذ هذا التاريخ، وعلينا أن نعترف بأننا صنعنا وضعا يتميز بالهشاشة في مجال الصحافة".

وكان التقرير الثاني للمجلس الوطني للصحافة توصل إلى أن “خطرا حقيقيا يتهدد الصحافة المغربية”، بعدما وصلت إلى وضعية غير مسبوقة شبّهها بـ“الاحتضار”. وربط التقرير الذي أعدته لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة الذي صدر في دجنبر الماضي “الأزمة الوجودية” التي تواجهها الصحافة المغربية بتحديات يتداخل فيها كل المعنيين بالقطاع وتتمثل أساسا في “عامل التحول الرقمي ومحدودية سوق الإعلان، بالإضافة إلى أزمة الطباعة والتوزيع وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة، كقطاع وطني استراتيجي".

ويرى نورالدين مفتاح، رئيس فيدرالية الناشرين، أن الأهم هو “كسب ثقة القراء” لأن التحدي المطروح هو ضعف القراءة، وتساءل “هل المؤسسات الكبيرة ستعيد الثقة لدى القارئ؟".
 
ودعا مفتاح إلى وجوب ضمان حصة من سوق الإشهار للصحف، مؤكدا أن هذا السوق الذي يبلغ رقم معاملاته 3 مليارات درهم تحصل منه وسائل الإعلام العمومية على 35 في المئة فقط. كما انتقد هيمنة الشركات الرقمية العملاقة مثل فيسبوك وغوغل على سوق الإشهار في المغرب بنسبة 85 في المئة وتعامل المؤسسات العمومية معها.

وفي هذا الخصوص كشف رئيس المجلس الوطني للصحافة يونس مجاهد أن 32 في المئة من المعلنين توجهوا إلى التواصل الرقمي كأولوية سنة 2020، وأن 92 في المئة منهم توجهوا نحو الشركات الرقمية العملاقة “جافا”، معتبرا أنه من الطبيعي أن يتأثر سوق الطباعة والتوزيع في المغرب.
 
واستجلت مداخلات ممثلي الهيئات المهنية عددا من الإشكالات الرئيسية التي تشهدها الصحافة الوطنية، من قبيل ضعف معدلات القراءة، والمنافسة القوية لوسائل الإعلام الحديثة، وعدم الاستفادة من عائدات الإعلانات، وتهاوي جسر الثقة بين الصحافة والمجتمع، وغيرها من الإكراهات.
 
ولتجاوز هاته الوضعية، اقترح المتدخلون العمل على خلق وحدات كبرى مندمجة تضم الصحف الورقية والإلكترونية، والتوفر على استراتيجية واضحة تهدف إلى تقوية بنية هاته القطاعات على مختلف المستويات، وإحداث منظومة دعم عمومي بشروط محددة ومتعاقد بشأنها لتحقيق أهداف استثمارية.
 
كما دعوا إلى التفكير في نموذج جديد يقوم على تشجيع الاستثمارات في مجمعات كبرى قادرة على المنافسة الإقليمية والقارية والدولية، عبر آليات متعددة في الدعم العمومي، وكذا مراجعة النصوص القانونية التي تحد من الاستفادة المادية للصحافة.
 
وتميز اللقاء التشاوري، الذي عرف حضور ممثلي الهيئات المهنية؛ الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والفيدرالية المغربية للإعلام، والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، إلى جانب ممثل المجلس الوطني للصحافة، بمناقشة محاور أساسية تهم بالخصوص "المقاولة الصحافية؛ أي نموذج اقتصادي ملاءم"، و"التكوين؛ رافعة أساسية لتجويد المضمون الصحافي"، و"التطور التكنولوجي وحتمية التحول الرقمي".
 
وخلال أزمة كوفيد – 19 حصلت الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية على 400 مليون درهم، وقد أشاد المهنيون بقرار الحكومة تخصيص هذا الدعم لإخراج الصحف من غرفة الإنعاش.
 
وكشف نورالدين مفتاح أن الدعم المخصص للصحف قبل كوفيد – 19 كان محدودا مقارنة مع رقم معاملات الصحف، مشيرا إلى أنه إلى حدود نهاية 2019 كان رقم معاملات الصحف سنويًا في حدود مليار درهم، في حين أن الدعم السنوي لم يكن يتعدى 65 مليون درهم.
 
وتضع وزارة الشباب والثقافة والتواصل آخر اللمسات بشأن مشروع قانون جديد يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالصحافة والنشر، ويتعلق الأمر بإضافة فقرة ثانية إلى المادة 15 من القانون 88.13 تسمح باستثناء المطبوعات الدورية أو العلمية سواء كانت ورقية أو إلكترونية من شرط التوفر على مدير نشر، بحكم أن هذا النوع من المطبوعات لا يمارس مهنة الصحافة وفق التعريف الوارد بالقانون.
 

وفي ما يتعلق بواقع الصحف في المغرب أوضح يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، أن الأزمة في المؤسسات الصحافية بدأت منذ أكثر من 8 سنوات، خاصة مع ضعف نسبة المقروئية في المغرب مع تسجيل ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع وتراجع المبيعات وعائدات الإشهار. وأكد مجاهد أن تدهور الصحافة الورقية ليس سببه الوحيد التحول الرقمي لأن الصحافة الإلكترونية تعاني بدورها من أزمة خانقة، بل يعزى سبب هذا التدهور، على حد قوله، إلى عدم توفر الصحافة المغربية بشقيها على نموذج اقتصادي ملائم.
 
وأوضح يونس مجاهد أن المعدل اليومي لمبيعات الصحف الوطنية خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2020 بلغ حوالي 76 ألف نسخة ثم تراجع في السنة إلى 38 ألف نسخة، مؤكدا أن هذا التراجع مستمر إلى اليوم.
 
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه لم يعد يصدر من الصحف الورقية إلى حدود سنة 2020 إلا حوالي نصف ما كان يصدر قبل جائحة كورونا، معتبرا أن الصحافة الإلكترونية لم تنج بدورها من مظاهر التراجع، خاصة مع تأثر سوق الإشهار حيث تراجعت، على حد قوله، الإعلانات التجارية خلال فترة الحجر الصحي لتصل نسبة الاستثمارات إلى أقل من 40 في المئة. ودعا مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إلى إنشاء نموذج اقتصادي جديد للمؤسسات الإعلامية، وإيجاد حلول بنيوية للقطاع من أجل مواكبة التحول الرقمي.
 
كما شدد على أن المؤسسات الصحافية في حاجة إلى نموذج جبائي جديد لمساعدتها على النهوض بمهامها، موضحا أنه غير مفهوم أن تدفع المؤسسات الإعلامية ضرائب للدولة مثل باقي المؤسسات. ودعا إلى إعداد مقاربة استثمارية للدعم العمومي وإخضاعه لشروط الحوكمة والشفافية. لكن فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية اعتبر أن مشكلة المؤسسات الإعلامية ليست الضرائب، لأنها أصلا “نسبة جزافية جد ضئيلة".
 



في نفس الركن