الحقيقة أن الإحصائيات القديمة لم تكن صادقة و لا صحيحة و ربما كانت مخدومة
العلم الإلكترونية - كتب : عبد الله البقالي
كشفت نتائج الإحصاء الوطني للماشية التي أعلنت عنها وزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات قبل يومين عن معطيات و حقائق جديدة تشرع المجال واسعا أمام تواتر كثير من الأسئلة التي تنظر أجوبة مستعجلة .
فقد أكدت نتائج هذا الإحصاء الذي أشرفت على إنجازه مصالح وزارة الداخلية ،تسجيل ارتفاع في أعداد رؤوس الماشية وصلت إلى حوالي 39 مليون رأس ما بين الأغنام و الماعز و الأبقار و الإبل ، بيد أن إحصائيات مناقضة تماما كان قد كشف عنها وزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات نفسه بتاريخ 13 فبراير الماضي ،أكد من خلالها تراجع مهول في أعداد رؤوس القطيع وصلت نسبته إلى 38 بالمائة عما كانت عليه خلال السنوات الماضية ، و هو تصريح يناقض من جهة أخرى تصريح آخر لوزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات السابق الذي أكد في تصريح أدلى به خلال شهر يوليوز من سنة 2024 حينما أكد بثقة كبيرة أن مجموع رؤوس الماشية بلغ في 24 مليون رأسا و أن وضعيته مستقرة .
إذن كيف نفسر التناقض في تصريحي الوزيرين ، حيث يؤكد أحدهما أن وضعية القطيع مستقرة ، و بعد أقل من ستة أشهر يصرح وزير آخر بتراجع القطيه بنسبة 38 بالمائة خلال السنوات الماضية و ضمنها السنة التي تحدث عنها سابقه ؟
ثم كيف يمكن تفسير هذا الارتفاع المفاجئ الذي كشفه الإحصاء الوطني الأخير ؟ فقبل ستة أشهر من اليوم يعلن الوزير الوصي عن تراجع مهول في أعداد القطيع ، حيث قيل آنذاك أن هذه الأعداد لم تتجاوز 18 مليون رأس ، و بعد فترة وجيزة يسجل الإحصاء الوطني الجديد أن الأعداد تناهز 38 مليون رأسا ؟
البلاغ الذي عممته مصالح وزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات عزا هذا الارتفاع إلى " التدابير الحكومية الناجعة التي اتخذتها الحكومة من برامج دعم الأعلاف و تعويض المربين و حملات التلقيح و تشجيع استيراد الأبقار الموجهة للتوالد " و هو دفع لا يستقيم مع المنطق في هذه الحالة ، لأن نسبة الارتفاع كانت مذهلة جدا قاربت 90 بالمائة في مدة ليست كافية حتى للتوالد .و بذلك فإن ربط هذا الارتفاع المهول في زمن قياسي بتدابير حكومية يبقى غير مقنع .
الأرجح أن الأرقام و الإحصائيات التي تم الإعلان عنها سابقا في شهر فبراير الماضي و بعده ،لم تكن دقيقة حتى لا نقل إنها لم تكن صادقة .و أن تكليف الجمعية الوطنية لمربي الأغنام و الماعز لم يكن قرارا صائبا لأن هذه الجمعية غير مؤهلة تقنيا و لوجستيكيا للقيام بهذه المهمة الدقيقة . كما أن الإحصاء الذي تم إجراؤه سابقا لم يكن نزيها و يفتقد إلى المصداقية ،حيث يرجح أن تكون بعض الأوساط تلاعبت بالأرقام و قدمت بيانات مغلوطة حول أعداد رؤوس الماشية لتحقيق مصالح تجارية خصوصا بالنسبة للكسابين الكبار، و حتى لكثير من الكسابين الصغار الذين تستروا على أعداد رؤوس الماشية التي يملكونها تحسبا لعامل المؤشر حفاظا على الدعم المباشر . و لذلك يتبين اليوم أن قرار إبعاد مصالح وزارة الفلاحة و تكليف مصالح وزارة الداخلية بإنجاز الإحصاء الوطني الجديد كان صائبا ،و أنه استند إلى معطيات دقيقة لم تكن معلومة عند العامة من الرأي العام .
نتائج الإحصاء الوطني الجديد تطرح رزمة كبيرة من الإشكاليات ، أولها أنها تحتم إلغاء جميع التدابير الحكومية التي تم اتخاذها استنادا إلى نتائج الإحصاء القديم ، و في مقدمتها برنامج دعم الأعلاف الذي تتوجب مراجعته ليقتصر على الكسابين الصغار و المتوسطين المحتاجين فعلا ،و استبعاد الكسابين الكبار الذين يؤكد ما كشف عنه الإحصاء الوطني الجديد أنهم لا يحتاجونه في الوقت الراهن . و أيضا إعادة للنظر في تعامل الحكومة مع الجمعية الوطنية لمربي الأغنام و الماعز ، لأنه تأكد بالملموس أن هذا للتنظيم المهني يستغل بهاجس تجاري مصلحي لفائدة أعضائه ، و أنه لا يقدر و لا يراعي أوضاع جميع مربي المواشي و الكسابين .