الرباط: أنس الشعرة
في خطوة تعبّر عن تحوّل واضح في مقاربة مدريد تجاه الرباط، صعّدت إسبانيا من وتيرة انفتاحها السياسي والاقتصادي على المغرب، في محاولة لإعادة تفعيل التعاون البحري بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، الذي توقف منذ سنة 2023.
في خطوة تعبّر عن تحوّل واضح في مقاربة مدريد تجاه الرباط، صعّدت إسبانيا من وتيرة انفتاحها السياسي والاقتصادي على المغرب، في محاولة لإعادة تفعيل التعاون البحري بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، الذي توقف منذ سنة 2023.
وزير الزراعة والصيد البحري والتغذية الإسباني، لويس بلاناس، شدد أمام البرلمان الإسباني على أن المغرب يظل «شريكًا استراتيجيًا لا يمكن تعويضه» بالنسبة إلى أوروبا، لاسيما في مجالي الصيد البحري والزراعة، مؤكداً رغبة بلاده في التوصل إلى اتفاق جديد يضمن استمرارية المصالح المشتركة بين الضفتين.
تأتي هذه التصريحات في وقت تدرك فيه مدريد أن التعاون مع الرباط يتجاوز الجانب الاقتصادي إلى أبعاد سياسية وجيوستراتيجية أوسع. فالمغرب، الذي يتمتع باستقرار سياسي ورؤية إقليمية واضحة في محيط مضطرب، يمثل اليوم ركيزة أساسية للأمن في ضفتي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الشرقي، وهو ما تدركه العواصم الأوروبية التي باتت ترى في الرباط شريكًا لا غنى عنه في إدارة التحديات المشتركة، من الأمن الغذائي إلى الاستدامة البحرية.
الاتفاق السابق الذي أُبرم عام 2019 بين المغرب والاتحاد الأوروبي مكّن 128 سفينة أوروبية، منها 93 إسبانية، من العمل في المياه المغربية مقابل 52.2 مليون أورو سنويًا. كما شمل مناطق بحرية قريبة من الأقاليم الجنوبية للمملكة، ما عزز بشكل غير مباشر السيادة المغربية على مياهها الإقليمية، وهو ما تعتبره مدريد عنصرًا جوهريًا في استقرار المنطقة.
ورغم توقف العمل بالبروتوكول، تسعى إسبانيا اليوم إلى صياغة نموذج جديد من التعاون البحري مع المملكة، يقوم على أسس احترام السيادة الوطنية والمصالح المتبادلة، في انسجام مع التحولات القانونية داخل الاتحاد الأوروبي. فبروكسيل بدورها تبحث عن صيغة قانونية جديدة تتيح التوفيق بين قرارات محكمة العدل الأوروبية ومتطلبات الشراكة الاستراتيجية مع الرباط، دون الإضرار بالعلاقات الثنائية التي تعتبرها «نموذجًا متفردًا» في الفضاء الأورو-إفريقي.
ويرى بلاناس أن هذا التوجه الجديد يعكس «صحوة أوروبية» تجاه الواقع المغربي، الذي بات يُنظر إليه بوصفه شريكًا موثوقًا في قضايا الغذاء والطاقة والملاحة. وأضاف أن العلاقة بين أوروبا والمغرب لم تعد تقنية أو تجارية فحسب، بل أصبحت «ركيزة من ركائز الأمن البحري والغذائي في غرب المتوسط».
وبينما تستعد أوروبا لمناقشة ميزانيتها المقبلة للفترة 2028-2034، تتطلع مدريد إلى أن تشكل هذه المرحلة فرصة لإعادة التفكير في سياسات التمويل البحري، بما يخدم مقاربة أكثر توازنًا وعدلاً تراعي المصالح المشتركة مع المغرب. فإسبانيا تراهن على الرباط ليس فقط كمصدر للثروات البحرية، بل كشريك استراتيجي قادر على الإسهام في بناء فضاء أورو-إفريقي أكثر استقرارًا وتكاملاً.