Quantcast
2023 فبراير 19 - تم تعديله في [التاريخ]

إعمال العدالة وليس التستر في شعار المساواة


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي

بغض النظر عن الحقائق العلمية المتعلقة بالتغير المناخي، ومدى قدرتها على إقناع الناس بما يجري ويحدث. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بمحاولة الإلهاء عن القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع البشري، فإن المعطيات والحقائق التي تتناسل تباعا فيما يخص هذه المعضلة، تكشف عن حجم المسؤولية التي يتحملها الكبار المتسببون في تدهور أحوال المناخ في الكون، ويدفع ثمنها غاليا الضعفاء الذين لا مسؤولية لهم فيما يحدث.

في هذا السياق فجرت دراسة حديثة حول انعدام المساواة فيما يتعلق بأزمة المناخ نشرها قبل أيام قليلة من اليوم مركز أبحاث مشترك تابع لمدرسة الاقتصاد بباريس، وإلى جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حقائق صادمة حول انعدام ما يصطلح عليه حاليا ب (العدالة المناخية). حيث تؤكد الدراسة أن الدول التي لا مسؤولية لها في تردي أوضاع المناخ في العالم، هي الأكثر تضررا من التداعيات . وتشير في هذا الصدد إلى أن 10 بالمائة من سكان العالم الأكثر ثراء مسؤولون بصفة مباشرة عن 48 بالمائة من الانبعاثات في العالم. وأن 11 بالمائة من هؤلاء يتسببون في 17 بالمائة من انبعاثات الكربون، في حين لا يتجاوز معدل ما يتسبب فيه الفقراء الأقل حظا في الحياة 12 بالمائة. وأن 1 بالمائة من هؤلاء يلقون ب 101 طن من النفايات العضوية للشخص الواحد منهم سنويا ، مقابل ستة أطنان فقط لدى الأشخاص الأكثر فقرا. و تفصل الدراسة في المعطيات حينما تؤكد أن معدل البصمة الكربونية لدى المواطن الأمريكي تضاعف عشر مرات نظيرتها لدى المواطن الهندي مثلا. و أن معدل البصمة أو الأثر الكربوني لدى المواطن في أمريكا الشمالية هي الأكثر ارتفاعا في العالم بمعدل 69 طن من انبعاثات الكربون للشخص الواحد مقابل 10 طن بالنسبة للمواطنين الاكثر فقرا في العالم .كما أن الأغنياء في الصين مثلا يتسببون في كمية انبعاثات الكربون تصل إلى 38 طنا للواحد منهم، بمعدل يفوق 13 مرة ما يتسبب فيه الأشخاص الأكثر فقرا. والأدهى من ذلك، يكشف معدو الدراسة أن نصف سكان العالم الأقل دخلا يتحملون 75 من الخسائر المرتبطة بدخلهم المالي، في حين أنهم الأقل قدرة مالية أصلا. و أن ثلاثة أرباع هذه القدرة تتمركز لدى 10 بالمائة من سكان العالم. و تشدد الدراسة على تفنيد الادعاء بأن جميع دول العالم مسؤولة عن ارتفاع أخطار تغير المناخ و خصوصا الاحتباس الحراري، بما في ذلك دول العالم الثالث. وتعتبر أن الهدف من هذا الادعاء يكمن في محاولة الدول الكبرى التملص من مسؤوليتها عما يحدث . و تنبه الدراسة في هذا الصدد إلى أن رهان مواجهة الاحتباس الحراري يرتبط أشد الارتباط بضمان الرفع من الدخل الفردي في العالم. و تشير في هذا السياق إلى أن معدل دخل فردي لا يقل عن 5,5 دولار يوميا لجميع الأشخاص في العالم، من شأنه تحسين مستويات العيش بالنسبة لأكثر من ثلاثة مليار شخص في العالم، و هذا كفيل بالرفع من قدرتهم على مواجهة التداعيات و تخفيض الأخطار المرتبطة بهذه الأزمة .

الحديث هنا بالواضح على إشكالية من أهم الإشكاليات المرتبطة بأزمة المناخ في العالم، التي تجتهد العديد من الأوساط الغربية بالخصوص، على تغييبها والتستر عنها. وتتمثل في إشكالية ما أضحى يصطلح عليه ب (العدالة المناخية)، حيث تتحمل الغالبية من سكان العالم تكلفة التداعيات و هم لا مسؤولية لهم في الأسباب الحقيقية فيما يحدث. و حيث يجتهد البعض من ذلك الغرب في حصر أزمة المناخ في إطار أزمة بيئية بحثة، أو فزيائية صرفة، بيد أنها قضية سياسية واقتصادية و أخلاقية شاملة، و أن معالجتها والتصدي لها يجب أن تعتمد وتنطلق من المقاربة الشاملة التي تعتبرها أزمة مركبة تتفاعل فيها العديد من العوامل السياسية و الاجتماعية والاقتصادية، وما يترتب عن ذلك من مراعاة للحقوق الاجتماعية لجميع البشر. ومن قناعة واضحة تفرض إعمال العدالة، وليس المساواة فقط، في ترتيب المسؤوليات. بمعنى ليس من المنطق في شيء تحميل أسباب ما يحدث لجميع البشر بالمساواة، بل العدالة تفرض أن يتحمل كل شخص، وكل جهة، تكلفة التصدي والمعالجة بحجم مسؤوليته عما يحدث . و هكذا فإن العدالة المناخية تحتم تحميل الدول الغنية ذات الاقتصادات الكبرى، المسببة لتدهور أحوال المناخ المسؤولية الكاملة عن الأضرار التي تطال الدول الفقيرة التي لا مسؤولية لها فيما يحدث .

تقرير سابق صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أكد أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ، ويتعرضون لتأثيراته السلبية من خلال الفقر والهشاشة الاجتماعية والأمراض و تراجع منسوب المياه النظيفة و جودة الهواء. وأن هذه التأثيرات جعلت الوصول إلى الغذاء والمياه النظيفة في غاية الصعوبة. وأن شخصا واحدا من كل ثلاثة أشخاص من هؤلاء يتعرضون لإجهاد حراري مميت، ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أشخاص من كل أربعة إلى هذا المصير. وهذا يعني مزيدا من المآسي في أوساط شعوب لا مسؤولية لها فيما تسبب فيه آخرون يكدسون الأموال والمصالح والمنافع ، مما تقترفه أنشطتهم الصناعية والتجارية من جرائم في حق البشرية جمعاء.

              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار