
العلم - الرباط
قدم الباحث الأنثروبولوجي مختار بوبا في منجز علمي، صدر له أخيرا، والموسوم ب: "الغَلقَة وصناعة الصورة في السياحة الصحراوية بالمغرب: مقاربة أصلانية"، دراسةً تأمليةً للصورة وللتفاوض حولها في السياحة الصحراوية، مستلهِمًا عُمقه النظري والمنهجي من المعارف والمناهج الأصلانية بالجنوب الشرقي المغربي، حيث يحاول الفاعلون في هذا القطاع (السياحة) تجسير الهوة بين معارف الأجداد ومدارك الأحفاد في عالمٍ تتقاطع فيه الرواسب الاستعمارية مع ديناميات التمثيل المعاصرة، وفي سياقٍ تُعاد فيه صياغة الذات والهوية من خلال عدسات الآخر.
وأكد بوبا الذي هو أيضا أستاذ بالجامعة الأمريكية قصة السياحة الصحراوية، التي ليست مجرد تحوُّل اقتصادي أو ثقافي في الفضاء الصحراوي بالجنوب الشرقي المغربي، بل هي صراع وتزاحُم جدّي حول السلطة على صورة الصحراء، وأدوات التفاوض المُطَّرِد حولها ـ بقبولها أحيانًا كموطنٍ للرومانسية، ورفضها أحيانًا أخرى لتثبيت الذات والهوية.
سنحاول معالجة أسئلةٍ ظلَّت تساور أذهان الباحثين والمهنيين حول نمو وتطور السياحة الصحراوية بالجنوب الشرقي المغربي، وكيف صُنِعت الصورة الرومانسية للصحراء والصحراوي؟ من صمَّمها؟ كيف تم تثبيتها في الأنظمة الأكاديمية والتسويقية العالمية؟ وكيف تفاعل معها الصحراويون الأمازيغ الذين أُلصقت بهم وأُلبِسوا معانيها؟
يتناول هذا الكتاب ثلاثة مفاهيم مركزية تُشكِّل الإطار النظري والمنهجي لدراسة السياحة الصحراوية في الجنوب الشرقي للمغرب، وهي: صناعة الصورة، والتفاوض حول الصورة، ومناهج البحث الأصلانية المعتمدة في هذا البحث.
وتنبني الأنظمة المعرفية الأصلانية على تصوُّر جمعي للعالَم، والهوية، والذاكرة، ينطلق من الأرض (أكال)، والإنسان (أفگان)، واللغة (أوال) كمرجعيات أنطولوجية لفهم واقع الصحراء كما يراه أهلها.
يشير مفهوم "صناعة الصورة عند هذا الباحث " إلى عمليات تشكيل تمثُّلات وصور نمطية عن الصحراء من قِبَل الرحَّالة الأوروبيين، والأكاديميين، وكتّاب السياحة، حيث تُقدَّم الصحراء كفضاءٍ رومانسيٍّ تؤثثه الرمال، والإبل، والخيام، و"الناس الزرق" الذين يعيشون حياةً ثابتة في الماضي، ولم تتغير منذ قرون. فهذا العالم خالٍ من الحياة، ومليء بالغموض والمخاطر.
أمّا "التفاوض حول الصورة" فهو فعلٌ نقديٌّ تفاعليٌّ يُمارسه الفاعلون المحليون والمرشدون السياحيون الذين يقفون في الصفوف الأولى أمام الصور الجاهزة التي يحملها السياح معهم إلى الصحراء. في سياق هذا التفاعل، خلق الفاعلون أَنساقًا للتفاوض تشمل السرد، والحضور الجسدي والمسرحي، أو ما يُسمى محليًا بـ"الغلقة"، كشكلٍ مُبتكَرٍ للمقاومة الرمزية لعنف الصورة والإقصاء.
لقد احتلَّت "صورة الصحراء" موقعًا مركزيًا في الذاكرة السياحية العالمية، وتغلغلت في خيال الأوروبيين عبر الأدب، والفنون، والإعلانات، وأدبيات التنمية والسياحة؛ وهي صورةٌ تمَّ تشكيلها وهندستها بعيون أوروبية، واختزلت الإنسان الصحراوي والأمازيغي ومجاله الثقافي في رموز رومانسية وأسطورية وفولكلورية تُناسب احتياجات السوق السياحي أكثر مما تُعبّر عن حقيقة المجتمع، وتاريخه، وثقافته، وهويته.
في هذا السياق، تكتسب المناهج الأصلانية والديكولونيالية ـ التي نعتمدها في هذا البحث ـ أهميتها القصوى؛ فهي لا تنظر إلى الصورة بوصفها معطًى بنيويًا جاهزًا، بل باعتبارها نتيجة تفاوضيّة تُعيد طرح سؤال المعرفة من زاويةٍ مغايرة: من يتكلم؟ من يصف؟ من يصنع الصورة؟ ومن يُسوِّقها؟ في محاولةٍ لتفكيك التراتبية المعرفية التي تجعل من أبناء الجنوب الشرقي (أسامر) موضوعًا للبحث لا شركاء فيه.
قدم الباحث الأنثروبولوجي مختار بوبا في منجز علمي، صدر له أخيرا، والموسوم ب: "الغَلقَة وصناعة الصورة في السياحة الصحراوية بالمغرب: مقاربة أصلانية"، دراسةً تأمليةً للصورة وللتفاوض حولها في السياحة الصحراوية، مستلهِمًا عُمقه النظري والمنهجي من المعارف والمناهج الأصلانية بالجنوب الشرقي المغربي، حيث يحاول الفاعلون في هذا القطاع (السياحة) تجسير الهوة بين معارف الأجداد ومدارك الأحفاد في عالمٍ تتقاطع فيه الرواسب الاستعمارية مع ديناميات التمثيل المعاصرة، وفي سياقٍ تُعاد فيه صياغة الذات والهوية من خلال عدسات الآخر.
وأكد بوبا الذي هو أيضا أستاذ بالجامعة الأمريكية قصة السياحة الصحراوية، التي ليست مجرد تحوُّل اقتصادي أو ثقافي في الفضاء الصحراوي بالجنوب الشرقي المغربي، بل هي صراع وتزاحُم جدّي حول السلطة على صورة الصحراء، وأدوات التفاوض المُطَّرِد حولها ـ بقبولها أحيانًا كموطنٍ للرومانسية، ورفضها أحيانًا أخرى لتثبيت الذات والهوية.
سنحاول معالجة أسئلةٍ ظلَّت تساور أذهان الباحثين والمهنيين حول نمو وتطور السياحة الصحراوية بالجنوب الشرقي المغربي، وكيف صُنِعت الصورة الرومانسية للصحراء والصحراوي؟ من صمَّمها؟ كيف تم تثبيتها في الأنظمة الأكاديمية والتسويقية العالمية؟ وكيف تفاعل معها الصحراويون الأمازيغ الذين أُلصقت بهم وأُلبِسوا معانيها؟
يتناول هذا الكتاب ثلاثة مفاهيم مركزية تُشكِّل الإطار النظري والمنهجي لدراسة السياحة الصحراوية في الجنوب الشرقي للمغرب، وهي: صناعة الصورة، والتفاوض حول الصورة، ومناهج البحث الأصلانية المعتمدة في هذا البحث.
وتنبني الأنظمة المعرفية الأصلانية على تصوُّر جمعي للعالَم، والهوية، والذاكرة، ينطلق من الأرض (أكال)، والإنسان (أفگان)، واللغة (أوال) كمرجعيات أنطولوجية لفهم واقع الصحراء كما يراه أهلها.
يشير مفهوم "صناعة الصورة عند هذا الباحث " إلى عمليات تشكيل تمثُّلات وصور نمطية عن الصحراء من قِبَل الرحَّالة الأوروبيين، والأكاديميين، وكتّاب السياحة، حيث تُقدَّم الصحراء كفضاءٍ رومانسيٍّ تؤثثه الرمال، والإبل، والخيام، و"الناس الزرق" الذين يعيشون حياةً ثابتة في الماضي، ولم تتغير منذ قرون. فهذا العالم خالٍ من الحياة، ومليء بالغموض والمخاطر.
أمّا "التفاوض حول الصورة" فهو فعلٌ نقديٌّ تفاعليٌّ يُمارسه الفاعلون المحليون والمرشدون السياحيون الذين يقفون في الصفوف الأولى أمام الصور الجاهزة التي يحملها السياح معهم إلى الصحراء. في سياق هذا التفاعل، خلق الفاعلون أَنساقًا للتفاوض تشمل السرد، والحضور الجسدي والمسرحي، أو ما يُسمى محليًا بـ"الغلقة"، كشكلٍ مُبتكَرٍ للمقاومة الرمزية لعنف الصورة والإقصاء.
لقد احتلَّت "صورة الصحراء" موقعًا مركزيًا في الذاكرة السياحية العالمية، وتغلغلت في خيال الأوروبيين عبر الأدب، والفنون، والإعلانات، وأدبيات التنمية والسياحة؛ وهي صورةٌ تمَّ تشكيلها وهندستها بعيون أوروبية، واختزلت الإنسان الصحراوي والأمازيغي ومجاله الثقافي في رموز رومانسية وأسطورية وفولكلورية تُناسب احتياجات السوق السياحي أكثر مما تُعبّر عن حقيقة المجتمع، وتاريخه، وثقافته، وهويته.
في هذا السياق، تكتسب المناهج الأصلانية والديكولونيالية ـ التي نعتمدها في هذا البحث ـ أهميتها القصوى؛ فهي لا تنظر إلى الصورة بوصفها معطًى بنيويًا جاهزًا، بل باعتبارها نتيجة تفاوضيّة تُعيد طرح سؤال المعرفة من زاويةٍ مغايرة: من يتكلم؟ من يصف؟ من يصنع الصورة؟ ومن يُسوِّقها؟ في محاولةٍ لتفكيك التراتبية المعرفية التي تجعل من أبناء الجنوب الشرقي (أسامر) موضوعًا للبحث لا شركاء فيه.