2023 فبراير 8 - تم تعديله في [التاريخ]

الأمازيغية تتحول من قضية مجتمع إلى قضية دولة

الدكتور مصطفى عنترة الباحث في الثقافة الأمازيغية: المغرب نجح في اعتماد مقاربة مؤسساتية متميزة لملف الأمازيغية


العلم الإلكترونية - عزيز اجهبلي/حوار

تناول مصطفى عنترة الباحث في الثقافة الأمازيغية من خلال كتابه الصادر أخيرا الكتاب بالدرس والتحليل مجمل التطورات الهامة التي عرفتها المسألة الأمازيغية منذ الخطاب الملكي التاريخي بأجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والقانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المتضمنين في الفصل الخامس من الدستور ووضع المخطط المندمج لإدماج الأمازيغية وصندوق دعم الأمازيغية 2021-2026.

وقارب عنترة في هذا الكتاب النقاش السياسي والدستوري الساخن والغني الذي صاحب موضوع الأمازيغية، سواء داخل البرلمان أو داخل الساحة الوطنية من قبل مختلف الفرقاء وخصوصا المجتمع المدني الأمازيغي الذي قدم مرافعات قوية لفائدة المسألة الأمازيغية.
 
صدر لك كتاب بعنوان "المسألة الأمازيغية في المغرب، من المأسسة الى الدسترة"، لماذا مسألة وليست قضية، وما هي القضايا المركزية او المحطات الأساسية التي مرت منها الأمازيغية وتوقف عند هذا المؤلف القيم؟ 

لا أخفي عليكم أن عنوان الكتاب أثار قبل صدوره جملة من التساؤلات بعد الكشف عن عنوانه بخصوص المسألة أو القضية. ولو أنني في البداية رفضت الخوض في هذا الأمر، إلا أني أرى انه من المفيد التوضيح أن الباحث في اشتغاله على موضوع معين هو ملزم بأخذ مسافة معينة منه، لكي يكون تحليله والنتائج التي سيخرج بها موضوعية بعيدة عن الذات. وأضيف هنا أن المسألة أو القضية تلامسان موضوع دلالي لمدلول كلمة Question التي قد يقابلها بالعربية سؤال، كما يمكن أن تقارب موضوع إشكالية Problématique او مشكل Probleme  او نزاع conflit. هذه مستويات دلالية متفاوتة تشير إلى مستوى عمق الموضوع في بيئته المجتمعية. النزاعات الإقليمية ذات البعد الثقافي واللغوي في العالم، ومشاكل وقضايا التعدد اللغوي في مناطق متعددة من المعمور، لا يمكن إسقاطها على واقع المسألة الأمازيغية بالمغرب.

لقد تناول الكتاب بالدرس والتحليل مجمل التطورات الهامة التي عرفتها المسألة الأمازيغية منذ الخطاب الملكي التاريخي بأجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والقانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المتضمنين في الفصل الخامس من الدستور ووضع المخطط المندمج لإدماج الأمازيغية وصندوق دعم الأمازيغية 2021-2026. وكذلك النقاش السياسي والدستوري الساخن والغني الذي صاحب موضوع الأمازيغية سواء داخل البرلمان أو داخل الساحة الوطنية من قبل مختلف الفرقاء وخصوصا المجتمع المدني الأمازيغي الذي قدم مرافعات قوية لفائدة المسألة الأمازيغية.
 
أطرت منطلقات البحث في هذا الموضوع من قضية التنوع اللغوي والثقافي بالمغرب مقارنة مع عدد من الدول الاخرى، ما هي المخرجات او الملاحظات التي سجلتها في هذا الموضوع؟ 

بالفعل لقد نجحت الدولة في اعتماد مقاربة متميزة لمعالجة ملف الأمازيغية، مقاربة مؤسساتية، تدرجية، تشاركية، إندماجية وحذرة في الآن نفسه...

لقد توفقت الدولة في بناء نموذج خاص بها ومتفرد في تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي الذي يزخر به المجتمع المغربي، بشمال إفريقيا مستفيدة من بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا الشأن، وأيضا من أخطاء التجربة الجزائرية في تدبيرها لملف الأمازيغية. والأكيد أن هذه التجربة بالرغم من حداثتها، فهي مؤهلة لتصبح نموذجا يحتذى به في المنطقة على مستوى تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي. وقد تعرف نفس النجاح الذي عرفته تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي هي اليوم نموذجا هاما يحظى بالدراسة في مجال العدالة الانتقالية على الصعيد الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب تناول المسألة الأمازيغية خصوصا في مرحلة المغرب المستقل غير أن صاحب التقديم الأستاذ عبد اللطيف اكنوش آثر أن يتطرق لموضوع الامازيغية من الناحية التاريخية، مما جعل الكتاب يخرج إلى حيز الوجود بحلة متكاملة وبأفكار متناغمة، آملا أن يشكل أرضية لنقاش هادف وجدي.

كيف قرأت لحظة دسترة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية إلى جانب العربية، وهل كان هناك استعداد من الأحزاب ومن المجتمع ايضا لاستدخال هذا المقتضى الدستوري؟

من المؤكد أن الخطاب الملكي التاريخي بأجدير سنة 2001 دشن لمغرب جديد متصالح مع ذاته وهويته المتنوعة وعمقه التاريخي وحضارته الغنية. فخطاب أجدير بقوة مضامينه ودلالاته السياسية والرمزية، كان بمثابة ميثاق بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية حول الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية. وهذا التحول النوعي في التعاطي مع المسألة الأمازيغية كان لا بد من دمجه في الوثيقة الدستورية، وهو ما تحقق إذ شكلت دسترة الأمازيغية كلغة رسمية والتنصيص على الهوية الوطنية المتعددة بمكوناتها المنسجمة وروافدها الغنية، وإحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة وطنية دستورية مرجعية في بلورة السياسات اللغوية... ثورة ثقافية إصلاحية هادئة في مسار تعاطي الدولة مع موضوع الأمازيغية. ولا يمكن لأي باحث في هذا الشأن إلا أن يقف عند طبيعة هذه التحولات الجوهرية التي تؤسس كما أشرت لمغرب جديد.
  
رصدت في الكتاب مواقف ومبادرات أحزاب سياسية، ما تقييمك لتلك المواقف وهل كانت هنالك مواقف ايجابية؟

أحدث الخطاب الملكي التاريخي بأجدير تحولا في تعاطي الأحزاب السياسية مع موضوع الأمازيغية، ذلك أن العديد من هذه الأحزاب سارعت إلى مراجعة طروحاتها الفكرية ومواقفها السياسية بهذا الخصوص، بل أكثر من ذلك أبدت هذه الأحزاب مواقف متقدمة في مذكراتها المرفوعة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور. كما أنه لا يجب أن ننسى في هذا الإطار أن دستور 2011 جاء نتيجة عوامل متعددة، في ظل واقع إقليمي طغت عليه أحداث ما سمي بـ"ربيع الشعوب"، وأيضا وضع داخلي اتسم بضغط سياسي كانت الحركة الأمازيغية أحد الفاعلين في مجرياته...لكن بالرغم من ذلك تفاعلت الدولة مع المطالب الأمازيغية إبان "الربيع العربي" من خلال خطاب التاسع من مارس الذي أسس لدستور 2011 الذي يمكن وصفه بدستور الحقوق والحريات
 
استشرفت مستقبل الأمازيغية بعد الترسيم. هل هناك تفاؤل بهذا الخصوص، ام ان المسألة لم تعد كونها مغامرة وفقط؟

أعتقد أن التطورات النوعية التي عرفتها الأمازيغية وتحولها من قضية مجتمع إلى قضية دولة خصوصا بعد أن ضمها جلالة الملك إلى المشروع الديمقراطي الحداثي الذي أطلقه، تجعلنا جميعا نتفاءل بمستقبل الأمازيغية.

نتوفر اليوم على ترسانة قانونية ودستورية هامة، ولدينا إرادة سياسية قوية برزت في عدد من الخطابات المولوية والرسائل الملكية، وكذلك ميثاق لغوي وثقافي أساسه وروحه الخطاب الملكي بأجدير الذي اجمعت بشأنه مختلف الفرقاء السياسيين... ولا ينقصنا إلا تسريع مسلسل التفعيل الديمقراطي السليم لمضامين الفصل الخامس من الدستور في أفق أن تجد الأمازيغية مكانتها الطبيعة في مؤسسات الدولة والمجتمع.

إن الأمازيغية اليوم هي مصدر غنى واعتزاز، وعنوان للاستثناء الثقافي للمغرب كدولة عريقة تمتد لأكثر من اثنتي عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الامازيغي الطويل كما قال جلالة الملك في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب سنة 2021، وأيضا عنوان للشخصية المغربية "تمغربيت"، ولهذا لا يجب أن نهدر مزيدا من الزمن السياسي في تعاطينا مع الأمازيغية كلغة وثقافة وهوية وحضارة وتاريخ.



في نفس الركن