2021 يوليو/جويلية 5 - تم تعديله في [التاريخ]

الإتحاد... قصة نجاح.. بقلم / / بدر بن علاش

تعود بي الذكريات إلى بداية الثمانينات، حينما كنت أحرص وإخوتي على متابعة استعراضات الطبقة العاملة بمناسبة عيدها السنوي لفاتح ماي على طول شارع محمد الخامس بالرباط، في تلك اللحظة، ووسط الجموع الحاشدة من النقابيين الذين كانوا يمرون في المسيرات تباعا حسب كل لون نقابي، كان همنا الوحيد، ترقب رؤية والدنا رحمه الله الذي كان ممثلا نقابيا للاتحاد العام للشغالين بالمغرب بوزارة الاسكان، بل وأنا لا أتعدى الخمس سنوات أصريت على مرافقته في المسيرة، وبين الفينة و الأخرى كنت أحمل لافتة تحمل إحدى الشعارات، ولكم أن تتصوروا شعوري آنذاك، حيث كان يصور لي وكأن كل فرد من الآلاف الذين كانوا يتابعون المسيرات النقابية على طول شارع محمد الخامس بالرباط، جاؤوا لمشاهدتي أنا فقط دون غيري...


 

وهكذا تربى فينا الاعتزاز بنقابة عتيدة، وطنية ومواطنة، كان على رأسها آنذاك، رجل بألف، رجل حكيم ومناضل حقيقي، في زمن سياسي لم يكن فيه العمل النقابي بيسير، ألا وهو الراحل الزعيم عبد الرزاق أفيلال، ولكم أن تتصورا فرحتي الكبيرة عندما قدمني إليه والدي للسلام عليه في إحدى المناسبات النقابية.


نفس الاعتزاز بنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذراع النقابي لحزب الاستقلال سيتجدد اليوم بمناسبة فوزها الكبير، وغير المسبوق في انتخابات ممثلي الموظفين والمأجورين بالقطاعين العام والخاص التي أعلنت نتائجها الرسمية نهاية هذا الأسبوع، اذ لأول مرة في تاريخها ستحتل المرتبة الأولى في انتخابات مندوبي الأجراء بالقطاع الخاص بزيادة 158 في المائة بالمقارنة مع انتخابات 2015.


نتائج بمؤشرات وأرقام، تؤكد أن هذه النقابة استطاعت في استحقاق انتخابي لا أحد شكك في نزاهته بتحقيق إنجاز مستحق بكل جدارة، وبالتالي  باتت أول مركزية نقابية تابعة لحزب سياسي في هذا الاستحقاق الانتخابي بالقطاعين العام والخاص، وهذه نقطة لا ينبغي أن تمر مرار الكرام بل تعطينا الكثير من بشائر الخير في مستقبل يعول فيه الجميع على تحقيق التغيير على رأس الحكومة المقبلة.


ولعل المتتبع لمسار هذه النقابة، منذ مؤتمرها الوطني لسنة 2017، سيستنتج بأن هذا النجاح التاريخي ليس وليد الصدفة أو عطاء من جهة ما، فالممارسة والتجربة في كل مرة تؤكد  لنا ما حفظناه عن ظهر قلب، وهو أنه "من جد وجد"،وهو ما ذهب إليه أيضا "بوب نايت" لاعب ومدرب كرة سلة أمريكي سابقً، حينما لخص قصة نجاحه في قوله المأثور " إرادة النجاح مهمة، لكن الأهم منها إرادة التحضير للنجاح".


مسار تميز بإعادة ترتيب البيت الداخلي، واعتماد الكفاءة معيارا أساسيا في إسناد المهام و المسؤوليات بعيدا عن أي مجاملة أو تمييز، والقرب الدائم من انشغالات الطبقة العاملة، والترافع عن مطالبهم، وتقديم الوعود الحقيقة القابلة للانجاز بعيدا عن المبالغة وشد الحبل، والاستباق في  طرح البدائل حسب متطلبات كل فترة، وهو ما استشف مع أزمة كورونا المشؤومة، حيث حرص الاتحاد بكل مكوناته على مواصلة أداء رسالته بل والمضاعفة من وثيرة العمل و التنسيق، وغيرها من الخيوط الناظمة التي شكلت العمود الأساس لنقابة مواطنة تجدد نفسها وعملها باستمرار.


ولا ننسى هنا الدور الكبير والمحوري الذي لعبه و يلعبه "مايسترو" الاتحاد، الأستاذ النعم ميارة الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، هذا النقابي المخضرم، إبن الصحراء المغربية التي أفرزت لنا الكثير من الأطر والطاقات التي تساهم باقتدار كبير في بناء صرح الوطن الموحد من طنجة إلى الكويرة، والذي تدرج في مساره النقابي و الحزبي إلى أن اكتسب مهارات عديدة، وجعل لنفسه "كريزما" خاصة به، القريبون منه يعرفون حق المعرفة أنه الرجل المناسب في كل المناصب التي شغلها.

ولأن اليد الواحدة لا تصفق، فإن الاتحاد، سواء في قيادته المركزية أو المحلية، يضم كذلك أطرا ومناضلين حقيقيين ومتشبعين بروح النضال بنكران ذات، ونظافة اليد، وقدرة عالية على التفاوض والتحاور بما يؤهلهم للخروج بالنتائج المرجوة و المواقف النضالية المطلوبة.


نتائج تاريخية ما كانت لتحقق لولا العمل و التنظيم و التنسيق الذي انطلق منذ شهور، فلا مجال هناك للعمل النقابي المناسباتي، فشعار النقابة ظل منسجما مع نشيد الاتحاد الذي كتبه المناضل الكبير الأستاذ محمد شيبة ماء العينين، والذي يقول في آخر أجزائه "فبالحوار ننتصر ...أو بالنضال ننتصر".


نتائج جاءت في سياق منسجم مع العمل التنظيمي الكبير والدؤوب الذي يقوم به حزب الاستقلال، الإطار الذي يحتضن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بقيادة  الأمين العام الأستاذ نزار بركة، والذي جعل من أولويات عمله الترافع ثم الترافع ثم الترافع عن انشغالات مختلف شرائح المجتمع.


اذن هي قصة نجاح في مسار طويل و ثابت و منسجم، أما ما قيل تجاه اللامنتمين نقابيا، والنتائج التي حصلوا عليها، وبعيدا عن التعميم طبعا، فمثله مثل ما قيل في أصحاب الأوهام و أحلام اليقظة، وهنا أتذكر ما قاله محمد نجيب محمد هجرس الشاعر المصري، الملقب ب"شاعر العقل" حينما قال "الوهم هو حقيقة في عقل صاحبه، والحقيقة هي وهم اتفق مجموعة من الناس في لحظة ما على صحته".

وحتى أكون أكثر وضوحا هنا، فإن الجميع يعلم أن بعض أصحاب رؤوس الأموال من الباطرونا لا ينظرون بعين الرضى إلى العمل النقابي الحقيقي و الجاد، فيعمدون بكل الوسائل لقطع الطريق على أصحابه، بل يصل بهم الأمر أحيانا كثيرة حد ترشيح أبنائهم وأقربائهم وأتباعهم في مثل هذه الاستحقاقات تحت يافطة اللامنتمين، ثم يضغطون بكل الوسائل على العمال والمستخدمين للتصويت عليهم، vوبالتالي لا مجال لهم في الاختيار من هم الأنسب لهم.


بقلم / / بدر بن علاش



في نفس الركن