تحل اليوم 18 من نوفمبر الذكرى السبعون لاستقلال المغرب . ففي مثل هذا اليوم من سنة 1955، وجه جلالة الملك محمد الخامس، رحمه الله وأكرم مثواه وأسكنه جنته، خطاباً سامياً إلى شعبه الوفي، أعلن فيه عن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال والحرية، بعد أن أشار جلالته إلى أن الحكومة المغربية المقبلة، سيسند إليها التفاوض مع الحكومة الفرنسية. ثم أضاف العاهل الكريم قائلاً (وبذلك كله ترتقي البلاد إلى درجة الاستقلال الذي نشدناه، لا لكونه حقاً طبيعياً للشعوب فحسب، بل أيضاً لأنه الوسيلة التي تمكن الشعب من التمتع بأطيب الثمرات التي أنتجتها الحضارة العصرية والتطورات العالمية من تحرير قومي وتعميم الحريات الديمقراطية واعتراف بحقوق الإنسان وقضاء على كل ميز عنصري). وفي هذا السياق أعلن جلالته عن الملامح الرئيسة للدولة المغربية المستقلة، وهي وضع أنظمة ديمقراطية على أساس الانتخاب وفصل السلط في إطار ملكية دستورية قوامها الاعتراف لجميع المغاربة على اختلاف عقائدهم بحقوق المواطن والحريات العامة والنقابية.
وعلى هذا الأساس، وبعد أن تشكلت أول حكومة مغربية حرة منذ سنة 1912، في يوم 7 دجنبر، جرت مفاوضات بين الطرفين في باريس، انتهت إلى إعلان استقلال المغرب في التصريح المشترك بتاريخ 2 مارس من السنة التالية 1956، والذي ينص على أن (معاهدة فاس الموقعة في 30 مارس سنة 1912 ، لم تعد ملائمة لضرورات الحياة العصرية، وغير كافية لتحديد العلاقات الفرنسية المغربية، ومن ثم فإن حكومة الجمهورية الفرنسية تؤكد علنياً اعترافها باستقلال المغرب) .
فليس هناك إعلانان لاستقلال المغرب ، كما قد يفهم للوهلة الأولى، وإنما هو إعلان رسمي واحد من شقين، أولهما تمثل في الخطاب الملكي بصيغتين، زف البشرى بالاستقلال، والتمهيد للتفاوض على المنهجية المتبعة لإعلان الاستقلال. أما الشق الثاني فيتمثل تحديداً في التصريح المشترك الموقع في باريس يوم 2 مارس سنة 1956، من طرف رئيس الحكومة المغربية مبارك بكاي، ووزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينيه. ويعد التصريح المشترك هذا الوثيقة الرسمية التي تفسخ معاهدة فاس وتبطل مفعولها على الأرض المغربية، وتؤسس لعهد جديد من العلاقات الفرنسية المغربية .
وعلى الرغم من الاعتراف الرسمي من فرنسا باستقلال المغرب، إلا أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تسر في اتجاه التمكين لهذا الاستقلال و إقراره في الواقع العملي. ولكن المغرب أخذ يعمل بسياسة خطوة خطوة، حتى استطاع أن ينتصر على المعوقات التي كانت تحول دون استكمال الوحدة الترابية للمملكة . وكان الزعيم علال الفاسي هو الصوت الأقوى الذي ظل يطالب بتحرير كامل التراب الوطني ، حتى انتقل إلى جوار ربه، وهو يدافع عن الوحدة الترابية الوطنية، ويلح على ضرورة استرجاع الصحراء المغربية إلى الوطن الأم. رحمه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته.
فالاحتفال هذه السنة بعيد الاستقلال ، يتم في ظل الوحدة الترابية الوطنية التي كرسها القرار رقم 2797 لمجلس الأمن الدولي الذي أقر مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهو القرار التاريخي الذي تقرر أن يكون يوم صدوره 31 أكتوبر عيداً وطنياً يحمل اسم (عيد الوحدة) يحتفل به المغرب كل سنة .
إن هذا التزامن بين عيد الاستقلال والإعلان عن الاحتفال يوم 31 أكتوبر من كل سنة، بعيد الوحدة، يتخطى كونه رمزاً من الرموز التاريخية ذات الدلالات القوية، إلى معنى أعمق يتمثل في الجمع بين تحرير الأرض وبين توحيد الوطن، وهو ما يصاغ في عبارة واحدة (الاستقلال الوحدوي والوحدة المستقلة)، بكل المضامين الوطنية التي تنطوي عليها .