2021 ماي 18 - تم تعديله في [التاريخ]

"البامبارا".. المجموعة الموسيقية التي تكثف الماضي في الحاضر وتمحو الفواصل بين اللغات

الأمازيغية، العربية، الفرنسية والإسبانية في تناغم تام بدار كناوة بالخملية


العلم الإلكترونية - عزيز اجهبلي 

في قاعة زينت برايات وأعلام عدد من الدول الإفريقية من جنوب الصحراء، يتوسطها العلم المغربي، وعلقت على جنباتها وسقفها أيضا آلات موسيقية مختلفة "طبول مغربية وأخرى إفريقية وأعداد متنوعة ومختلفة من آلة "الكنبري" و"الجامبي" و"القراقب" التي يطلقون عليها في المنطقة اسم "قربشلة"، وغيرها من الآلات الأخرى. إنه فضاء يتسع لعشرات الزوار، مغاربة كانوا وأجانب، خصص لاستقبال القادمين من أرجاء مختلفة ومتباعدة، أتت بهم أقدار الرحلات والأسفار ليستمتعوا بنغمات موسيقى فرقة "البامبارا"، وهو العنوان الإفريقي الذي اختاره مؤسسو المجموعة لكل أنشطتهم ولياليهم في قصر الخملية، الذي لا يبعد عن مرزوكة المركز سوى بحوالي 16 كيلمترا جنوبا. 
 
يعتبر حماد مجدوبي "مايسترو" "البامبارا" تدبير الفرقة فنيا وموسيقيا والحفاظ على استمراريتها مسؤولية كبيرة وصعبة جدا، دليله في ذلك أن فن "كناوة" في كل ربوع المغرب، ليس إبداعا فقط، بل ابداع ولكنه إرث كذلك، يتملكه ويرثه الأبناء عن الآباء والآباء عن الأجداد، ما يستدعي الحفاظ عليه وصيانته مهما تطلب الأمر.
 
تحدث حماد عن "تكناويت" بكلمات معدودة ومقتضبة، اختزل فيها تاريخا طويلا وعريضا عن أولئك الذين تكبدوا المشاق والصعاب من أجل قيم نبيلة، امتاز بها هذا الفن. حماد قال إن السياح يأتون إلى المنطقة للاستمتاع بمشاهدة معالم الصحراء، من رمال وشروق الشمس وغروبها، لكن لفرقة "البامبارا" دور آخر، عميق وروحاني. إنها فرقة تمحي الفواصل بين الأزمنة والأمكنة، ومن خلال هذه الفرقة المقيمة في الصحراء، تختلط وتمتزج اللغات في تلاؤم وانسجام تامين . في دار كناوة تجد الأمازيغية إلى جانب الفرنسية أو الاسبانية إلى جانب الانجليزية. فالجميع يتكلم لسان واحد، يتفاعل مع الآخرين، والخيط الناظم بين كل الأجناس والاعراق والمتناقضات في عالم الخملية اللامحدود، هي نغمات من موسيقى معزوفة بآلات أغلبها مصنوعة من مواد طبيعية ومحلية كالجلد والخشب، حتى أوتار السنتير أو الكنبرى مصنوعة من أمعاء المعز. والسائح داخل القاعة الكبرى بدار كناوة يحس بالتاريخ يتحرك بسرعة فائقة نحو أفق خالد، الماضي يتكثف ويجتمع في الحاضر بهذه الدار، النغمات يفوح منها عبق ممزوج بروائح العطور الإفريقية، المكان مليء بالأسرار التي تنكشف الواحدة تلوى الأخرى عبر حركات كناوية وأصوات الآلات الموسيقية، إنها الأسرار فعلا التي يمكن من خلالها فهم خلفية إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في دجنبر 2019 موسيقى كناوة ضمن العناصر المكونة للتراث العالمي.
 
الوجه الحقيقي لمجموعة "البامبارا" موسيقاهم والإيقاعات المنبعثة من الأوتار الثلاثية (للكمبري)، والأصوات التي تتركها الأجراس المعدنية (القراقب)، والأغاني أو التعويذات الصادرة من أفواه أعضاء الفرقة. هوية "البامبارا" هي العروض التي يهدونها للزوار بثقة وأمانة، إيمانا منهم بعمق وأصالة هذه الموسيقى. بدار كناوة يستطيع أعضاء المجموعة الحفاظ على المراجع الموسيقية التي يعود تاريخها إلى قرون خلت.
 
أما الوجه الخفي لفرقة "البامبارا" مقدس فيه جانب روحاني مرتبط بعوالم لا يراه أحد سوى العازفين، وفيه جانب آخر علاجي لوضعيات نفسية متباينة، أما الذين يمكنهم أن يشهدوا على الطبيعة المقدسة والعلاجية لكناوة، فإنهم قليلون. الوجه المستتر لكناوة هو الذي عرف ولايزال يعرف كيف يتجنب فضول المسافرين والزوار.
 
إن الموسيقى التي يتم عزفها في اللقاءات العابرة تقتصر على جزء صغير من هذا التراث العريض، وتتكون من أغاني وقصص أبطالها شخوص أسطورية لها رمزيتها في الواقع المحسوس من مثل "بارا"، "عيشة وعويشة"، "بوكمية"،... اما الذخيرة الفياضة فيحتفظ بها رواد المجموعة إلى وقت يتسع لاستعراض كل ذلك الزخم من القصص والأغاني. 
 
على خلاف الفرق الأخرى التي ترتدي أزياء ملونة ومزركشة "البامبرا" بالخملية ترتدي عباءات بيضاء للدلالة على السلم والسلام. 
 
 



في نفس الركن