2022 دجنبر 11 - تم تعديله في [التاريخ]

التفاهة وأسباب تمجيد صناعها على "السوشل ميديا"..

هل الظاهرة اضطراب في العلاقات الأسرية أم اندثار للقيم الاجتماعية؟


العلم الإلكترونية - هناء أزعوق

أصبحت التفاهة منتجاً مرغوباً وثقافةً مبررةً ووضعاً راهناً في هذا العصر، وكأننا نعيش توجهاً يكاد يكون عالمياً نحو ما هو تافه، كل شيء تقريباً يتم تتفيهه، العلم والسياسة والإعلام والثقافة والتاريخ والإدارة، وغيرها من الرموز المهمة لبناء المجتمع والحضارة وإقامة أي شكل من أشكال الوعي الفردي أو الجماعي.

والتفاهة في اللغة العربية، حسب معجم المعاني تعني نقصا في الأصالة أو الإبداع أو القيمة، كما تعني انعدام الأهمية والحقارة والدناءة.

ولا شك أن وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت لهؤلاء التافهين فرصة للظهور والانتشار والخروج من جحورهم، بعدما تطبّع الناس تدريجيا مع هذا العبث الإلكتروني، من خلال الدفع بهؤلاء النكرات والمجاهيل الذين لم يكونوا شيئا مذكوراً، دفعت بهم إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية، نتيجة قيامهم بأعمال عبثية وأشياء تافهة.

هذا الواقع الحاصل يدفعنا أحياناً كثيرة، وبما أننا صرنا نعيش عالم وعصر التفاهة، إلى الإعتقاد بأن المال هو المعيار الأول، إن لم يكن الأوحد، فيما نسميه بالنجاح. أي إذا أردت أن تكون ناجحاً في ظل هذه الظروف المستجدة، فلا سبيل إلا عبر المال أي كلما استطعت جمع المال أكثر كلما ارتقت درجتك في المجتمع الذي تعيش فيه.

ولقد وجدت التفاهة فرصتها العظيمة عبر شبكات التواصل الإجتماعي كالأخطبوط تنتشر في كل مكان للتشويّش على التميز والإبداع، وتحويل كل ماهو راقي إلى لذّات وشهوات تافهة تنخر في جسم المجتمع.

وفي هذا السياق، تأسف الدكتور علي الشعباني، أستاذ في علم الاجتماع، على وجود مكانة للتافه وسط المجتمع، مشيرا في تصريح لـ"العلم"، أنه كلما زاد الفرد في إنتاج التفاهات زاد حب الناس له.

وتابع د. الشعباني، "لقد أصبح الجهال الذين تسيطر على شخصيتهم الأنانية وحب الذات، يتكلمون ويتشدقون بلا نضج ولا ضمير ولهم الشهرة والمكانة، وهم قمامة المجتمع فقط لا غير، فعندما تتسرب التفاهة إلى بيتك دون استئذان سواء عبر التلفاز، الراديو، أو الجريدة ، أما منصات التواصل الاجتماعي حدث ولا حرج"، موضحا أن بعض الأمور أصبحت عامة للأسف الشديد، وباتت تغطي كل ما هو جميل وله قيمة في هذا المجتمع، فالفن أصبح عفنا، والجدية من المستحيل أن نعثر عليها في هذه المجالات...

أما أسباب انتشار التفاهة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد عددها الأستاذ الشعباني في:
 
- تجارة التفاهة: الرأسمالية العالمية تغرق الإنسان في أوحال الثقافة من خلال الترويج لبرامج وسلع متنوعة.
- الترويج للتفاهة: التفاهة لها أبعاد نفسية وفكرية واجتماعية، ووسائل التواصل الإجتماعي تصنع وتصدر بعض التافهين، وتصورهم على أنهم نجوم وقدوة، فاليوتيوب مثلًا يقيم قيمة البرنامج بملايين المشاهدات، بغض النظر عن محتواه وقيمته الفكرية أو العلمية.
- مجانية التفاهة: عندما تكون البضاعة مجانية، تذكر أنك أنت البضاعة وليس ما تقدمه.
 - تسييس التفاهة: في هذا العالم يتم إنفاق مئات الملايين لإنتاج برامج تافهة والهروب من الواقع، ويصبح التسفل أسهل من الترفع حيث أصبح "المحتوى التافه" محل الاهتمام والتطوير وتسويقه لأفراد المجتمع، وهذا أدى إلى زعزعة ثوابت المجتمعات وقيمها وأخلاقها.
- تنمر التافهين: تغلغل بعض التافهين في جميع قطاعات المجتمع ومن بينها الإعلام والإقتصاد والتجارة والتعليم، وأصبحوا يتصدرون المشهد ويوجهون أفراد المجتمع كما يشاؤون، لأنهم يرون أنفسهم الأفضل، غير مدركين عدم نضجهم وقلة فهمهم لأمور الحياة.

وأضاف المتحدث، مجتمعنا غريب عجيب، نحن نعشق السير في الطريق الممنوع، والسباحة ضد التيار، نحب التفاهة، ونتحدث عن عنها، وإن واصلنا على هذا المنوال فسنسقط في منحدر لا نجاة منه أبدا.

ويبدو أن العالم بسبب تمدد نظام التفاهة وتغلغلها في المجتمعات، صار ينقسم إلى: عالم جاد راقي وآخر تافه وسخيف، كما يبدو أن الأول بات طاغيا على الثاني إلى حد كبير؛ لأنه يعتمد على تصوير التفاهة كأنها قدوة أو مؤثرة، وهو في الواقع ليس إلا مجرد منتجات بخيسة تضرب بالذوق العام وتدفعه للحضيض.
 
السفينة إن بقيت على حالها فمصيرها الغرق

زياد طالب مغربي يحكي لـ "العلم"، أستغرب دائما فيما هم عليه أولئكم المشاهير، أو فقاعات التواصل الاجتماعي، وكيف يحقق أحدهم كسباً سريعاً دون بذل أي مجهود، فلماذا يتعين علي أن أتخذ الخطوات التقليدية المعتادة الطويلة، وبذل الجهد في المدرسة والجامعة وما بعدها، لأصبح موظفاً بأجر، أضمن به المعيشة فقط، لكن ليس الثراء السريع كما الحال الذي عليه أعضاء عالم التفاهة؟ لماذا أسلك الطريق الصعب بدل السهل، الطريق نحو الثراء لا يتطلب مؤهلات ولا شهادات ولا خبرات، بل مهارة وقدرة في صناعة السخافة من الأفكار والمشروعات، تجد حولك مستهلكين وراغبين في بضاعتك الجديدة، أليس هذا هو الحاصل اليوم في أقطار عديدة حول العالم؟ من هنا يمكن القول أن ما نراه ونشاهده لا يبشر بالخير، فالسفينة إن بَقيت على حالها ولم يُقَوَّم مسارها، فإن عاقبتها الغرق، فالمسؤولية مُشتركة، لذلك يجب أن تتضافر الجهود والإصلاحات من أجل محاربة كل ما هو تافه.
 
إن ظل المجتمع غارقا في هذه السخافة فسلام على القيم 

للأسف، العالم اليوم صار قائماً على نظام التفاهة، بل إنه يصنعه صناعة، ويدفعه دفعاً ليسود ويسيطر. فأينما وليت وجهك، شرقاً أم غرباً، أم أي اتجاه رغبت، فإنك تجد مصانع منتشرة للتفاهة، فهناك مصانع للتفاهات الثقافية، ومثلها للتفاهات السياسية، وأخرى للفنون، إلى آخر قائمة مجالات الحياة المتنوعة، التي تلوثت بتلك النوعية من المصانع التافهة.

وكتاب نظام التفاهة للكندي "آلان دونو" أسهب في تفصيل هذه الظاهرة، التي باتت لها قواعد ورموز وصارت لها أسرار ودعائم وشخصيات. نظام التفاهة هذا بات له صُناع ومبدعون وأنصار ومتعصبون، كما أن التافهين يتّحدون مع تافهين آخرين ليشكلوا وحدة منسجمة ليس فيها سوى التفاهة، ومقابلها أناس يسعون إلى تأسيس عالم أكثر جدية وعقلانية بترفيه دون ميوعة ولا فساد أو إفساد.

فعالم السفاهة، ومن يقفون وراءه بالدعم والتأييد والنشر والإعلام، إنما هدفهم كسر القيم والمعتقدات والثقافات والأعراف، والدفع بالمجتمعات للإنقياد الأعمى نحو هذا العالم، كأنه شيء في هذه الحياة يستحق بذل جهد وفكر ووقت من أجله، وبالتالي ليس هناك ما يدعو لإضاعة متعة الإستمتاع بها، بل يزيدون عليها أن المسألة حريات شخصية، حتى وإن كانت منتجات التفاهة تضرب بالذوق العام وتدفعه للحضيض، وكل الآراء والتقييمات غير مهمة ولا يلقى لها بال، قد تكون هذه خلاصات تنطبق على كل مجتمع أو مجموعة بشرية، ولعلها تنطبق بشكل أكبر على الحالة المغربية المثيرة للانتباه؛ فالتفاهة في المغرب أكثر تفاهة من “تفاهة التافهين” في العالم، ولو أتيح لمؤلف كتاب “نظام التفاهة” الفيلسوف المعاصر"آلان دونو" أن يشاهد فيديو المرحاض أو حلقة من حلقات روتيني اليومي المنحط الذي لا ينتهي، لأضاف صفحات أخرى لمؤلفه عنوانها "روتين التفاهة".



في نفس الركن