العلم الإلكترونية - بقلم فكري ولد علي
من يقصد الحسيمة صيفًا لا يعود كما كان. هذه المدينة الصغيرة المتربعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، والمستندة إلى جبال الريف، لا تستقبل زوارها فحسب، بل تسكنهم. هي ليست فقط وجهة سياحية موسمية، بل حالة وجدانية تستقر في القلب.
مدينة تسكن الناس لا العكس
في فاتح شتنبر 2024، أعلن الإحصاء العام أن عدد سكان إقليم الحسيمة بلغ 371 ألفًا و527 نسمة. لكن هذا الرقم الرسمي لا يشمل مئات الآلاف ممن يسكنهم الحنين إلى المدينة، من أبناء الجالية، إلى عشاق الطبيعة، إلى السائحين المغاربة والأجانب الذين جعلوا منها محطتهم المفضلة كل صيف.
تقول فاطمة، زائرة من الرباط: "كل سنة أعود إلى الحسيمة وكأنني أعود إلى البيت. هي المدينة الوحيدة التي لا أحتاج فيها إلى خريطة، لأنني أحفظها بقلبِي."
سحر الجغرافيا وجاذبية البحر
تُعرف الحسيمة بكونها من بين أجمل مناطق الريف المغربي، بشواطئها التي تحاكي الكريستال في صفائها، كشاطئ كيمادو وتلا يوسف وكلايريس. مياهها الزرقاء تحضنها سلاسل جبلية خضراء، في مشهد بانورامي نادر، يضاهي أشهر الوجهات العالمية.
من أعلى منحدرات "صفيحة" أو "أرمود"، يرى الزائر البحر وهو يعانق الجبل، ويشعر كأن الطبيعة أجمعت أمرها على جعل هذه البقعة استثناءً.
الموسم السياحي: بين الجاذبية والتحديات
خلال أشهر الصيف، يتضاعف عدد سكان المدينة بشكل لافت، وتتحول الأزقة الهادئة إلى خلايا نحل، تعج بالمقاهي، والحركة، والصوت الإنساني. الفنادق تمتلئ، والمنازل المفروشة تُحجز منذ وقت مبكر، والأسواق تنتعش.
ورغم هذه الحيوية، فإن تحديات كثيرة تفرض نفسها: محدودية مواقف السيارات، الضغط على البنية التحتية، وتفاوت جودة بعض الخدمات. ومع ذلك، يظل الزائر يعود كل عام، كأن شيئاً ما أكبر من كل هذه التفاصيل يجذبه مجددًا.
الحسيمة.. ضيافة الناس قبل المكان
ليست الجغرافيا وحدها ما يميز الحسيمة، بل إنسانها أيضًا. في حديث مع الحاج عبد المالك، وهو متقاعد من قطاع السياحة، قال: "نحن لم نكن ننتظر موسم الصيف لنعامل الناس بلطف، فهذه طبيعتنا. ما جعل من الحسيمة مدينة مرغوبة هو طيبة أهلها، قبل كل شيء."
ويضيف: "حتى الأجانب حين يأتون، لا يُعاملون كغرباء، بل كأصدقاء تُعاد رؤيتهم بعد غياب."
رؤية مستقبلية
السلطات المحلية والمجالس المنتخبة تعمل على تعزيز مكانة المدينة سياحيًا، من خلال تحسين البنية التحتية، وتحرير الشواطئ من الاحتلال العشوائي، وتنظيم المرافق. كما أن هناك اهتماما متزايدا بالبعد البيئي، للحفاظ على نقاء المياه والشواطئ.
ومع مشاريع جديدة قيد الدراسة، مثل المرائب الأرضية، والمسارات الجبلية، يأمل سكان الحسيمة أن تنتقل المدينة من وجهة موسمية إلى مدينة سياحية دائمة، دون أن تفقد طابعها الهادئ والحميمي.