الافـتتاحية
تميز العرض السياسي والتنظيمي للدكتور نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، أمام المجلس الوطني في اجتماع دورته العادية الثالثة يوم السبت الماضي في سلا، بإثارته لعدد من القضايا المحورية المهمة، في طليعتها التركيز على بيان الخصائص المميزة لمقترح الحكم الذاتي، منها ضرورة أن يكرس الوحدة الترابية للمملكة المغربية، تماشياً مع مضامين الدستور، دون تفريط في أي مقوم من مقومات السيادة الوطنية، مؤكداً أن الحكم الذاتي يمثل، في حقيقة الأمر وفي جوهره ومفهومه القطعي، درجةً عالية من الجهوية المتقدمة، مما يستدعي العمل على إنجاح الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري في جميع أنحاء المغرب، إعمالاً للفصل الأول الفقرة الأخيرة من الدستور، وتفعيلاً لمضامينها على أرض الواقع .
وفي سياق عالي المستوى الفكري، انتقل الأخ الأمين العام للحزب، من تنزيل الحكم الذاتي وفق المقتضيات الدستورية، ودون مساس بأي مقتضى منها، إلى ضرورة تحقيق العدالة المجالية، وتقليص الفوارق الاجتماعية في جهات الحكم الذاتي كما باقي جهات المملكة، انطلاقاً من مبدأ الإدماج والمشاركة .وهو ما يؤكد أن تطبيق مقترح الحكم الذاتي، يعزز، قطعاً، مبدأ الإدماج والمشاركة هذا، ويزيد من تمتين أواصر المواطنة بين المواطنين المغاربة في الشمال والجنوب، باعتبار أن الوحدة الترابية هي القاعدة الراسخة للوحدة الوطنية، وأن المغرب الموحد هو الوطن الجامع للأمة المغربية.
لقد عرف المسار التنموي للمغرب تقدماً ملحوظاً وتحولاً ملموساً في مجال تقليص الفقر .ولكن من غير المقبول، كما قال الأخ بركة، أن تظل نسب الفقر مرتفعة نسبياً في المناطق القروية مقارنة بالمناطق الحضرية، وأضاف قائلاً من غير المقبول أن تساهم ثلاث جهات فقط في نصف الناتج الداخلي الخام، وكذلك من غير المقبول أن يظل مليون ونصف المليون من الشباب خارج منظومة الشغل والتكوين.
وخلص الأخ الأمين العام إلى الحاجة الملحة لبناء مغرب بسرعة واحدة، وتحقيق تأهيل ترابي مندمج بإسراع الحكومة في تنزيل هذا التوجه الاستراتيجي في مجالي الصحة والتعليم.
وهكذا مزج العرض السياسي والتنظيمي للأخ الأمين العام، بين التأهيل الدستوري للحكم الذاتي، بمعنى أن يكرس الوحدة الترابية طبقاً لمضامين الدستور، وبين التأهيل التطبيقي للتوجه الاستراتيجي الذي عبر عنه جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده، في أكثر من خطاب ملكي في عدة مناسبات. وهذان التأهيلان يعكسان الإصرار الواعي والمسؤول، على تحقيق العدالة المجالية وتقليص الفوارق الاجتماعية التي تشكل أحد التحديات التي تواجهها بلادنا.
بهذه الرؤية التي تجمع بين العمق في تحليل الظرفية الدقيقة التي تجتازها المملكة، وبين البعد في استشراف آفاق المستقبل، خاطب الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، المناضلات والمناضلين أعضاء المجلس الوطني للحزب، بلغة واثقة وصادقة وصريحة، تقتضيها المرحلة الراهنة، التي صارت تستدعي الحد الأعلى من الحذر والتعبئة والإحساس العميق بأهمية تجذير الوحدة الوطنية باعتبارها الحامية للوحدة الترابية، تحت القيادة الحكيمة والسياسة الرشيدة لجلالة الملك، نصره الله ووفقه .