2025 ماي 26 - تم تعديله في [التاريخ]

الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس



في كثير من المجتمعات، ظل الدين عبر العصور مصدرًا للسكن الروحي، ومرجعًا أخلاقيًا، ودافعًا لفعل الخير. غير أن هذا الوجه المشرق للدين لا يعفيه من بعض الممارسات التي شوّهت رسالته، وخصوصًا عندما يتحول إلى أداة في يد بعض رجال الدين لإخضاع العقول والتحكم في النفوس، من خلال تغذية مشاعر الخوف، واللعب على وتر العقاب والعذاب والحساب.

إن الفقه الإسلامي، كمنظومة اجتهادية بشرية في فهم النصوص الدينية، يفترض فيه أن يكون مرنًا، متطورًا، ومتلائمًا مع تطور الحياة وسياقات الناس. لكنه في أيدي بعض الدعاة والموجهين تحوّل إلى حصن مغلق، لا يُسمح بالخروج من بابه إلا إلى جحيم الوعيد. فبدل أن يُقرِّب الإنسان من ربه بالحب، يُبعِده عنه بالرعب.

يستغل بعض رجال الدين حاسة الخوف الراسخة في النفس البشرية، لتثبيت سلطتهم الفكرية والروحية، يُلوّحون دوماً بالموت، والقبر، والصراط، ونار جهنم، كأن الدين لا يعرف الرحمة، وكأن الله لا يملك إلا الغضب والعقوبة. يغيب الحديث عن التسامح، والمغفرة، والأمل، ليحل محله خطاب يزرع الرعب في النفوس، خاصة لدى البسطاء الذين يجدون أنفسهم رهائن لفهم متشدد لا يرحم، ولا يفسح مجالًا للتساؤل أو التفكير.

هذا الأسلوب لا يخدم الدين، بل ينفّر الناس منه، ويشوّه صورته في الأذهان، خاصة في زمن أصبحت فيه المعرفة متاحة، والمقارنة بين الأديان والثقافات أمرًا يوميًا. فالله، في جوهر الإسلام، هو الرحمن الرحيم، الذي كتب على نفسه الرحمة، وليس الإله المتربص، كما يروج له بعض الوعّاظ من فوق المنابر.

الخطر في هذا الخطاب الترهيبي لا يقف عند حدود العلاقة بين الإنسان وربه، بل يمتد إلى الحياة الاجتماعية، حيث يُصنع منه وعي جمعي هش، خاضع، وغير قادر على النقد أو التغيير. فكل محاولة للتفكير تُوصم بالكفر، وكل دعوة للإصلاح تُواجه بالتخويف من الفتنة، بل أحيانًا يُستدعى حديث العذاب ليُكمّم الأفواه.

إن الحاجة اليوم ملحة لاستعادة التوازن في الخطاب الديني، بتقديم صورة أكثر رحمة وإنسانية عن الله، والاعتراف بأن الخوف قد يصلح لحظة، لكنه لا يمكن أن يكون أساسًا دائمًا لعلاقة الإنسان بربه. فالدين الذي لا يُبنى على المحبة، لن يصمد طويلاً في وجه الأسئلة الحديثة، ولن يُقنع القلوب الباحثة عن السلام لا عن الرعب.
 
محمد بوفتاس /  كاتب ومهتم بقضايا الفكر والدين والمجتمع



في نفس الركن