2025 أكتوبر 13 - تم تعديله في [التاريخ]

العمال‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الاستغلال‭ ‬بإسبانيا

تفكيك‭ ‬شبكة‭ ‬تحتجز‭ ‬مهاجرين‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬مغلقة‭ ‬وتستغلهم‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬لا‭ ‬ريوخا


الرباط‭: ‬أنس‭ ‬الشعرة

انكشفت‭ ‬فصول‭ ‬مأساةٍ‭ ‬جديدة‭ ‬تروي‭ ‬بالصمت‭ ‬معاناةَ‭ ‬عمالٍ‭ ‬مغاربة‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬أسرى‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬لا‭ ‬ريوخا‭ ‬شماليّ‭ ‬إسبانيا‭. ‬خرج‭ ‬الخبر‭ ‬صادماً‭: ‬عشرات‭ ‬المغاربة،‭ ‬بينهم‭ ‬قاصرون،‭ ‬حُشروا‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬بلا‭ ‬نوافذ،‭ ‬وأُقفل‭ ‬عليهم‭ ‬بأقفالٍ‭ ‬حديدية،‭ ‬ليعملوا‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬الفجر‭ ‬إلى‭ ‬المغيب‭ ‬مقابل‭ ‬فتاتٍ‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لشراء‭ ‬الخبز‭. ‬القضية،‭ ‬التي‭ ‬كشفتها‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬الإسبانية‭ ‬عبر‭ ‬الحرس‭ ‬المدني،‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬جريمة‭ ‬استغلال،‭ ‬بل‭ ‬مرآة‭ ‬صافية‭ ‬تعكس‭ ‬هشاشة‭ ‬الحلم‭ ‬الأوروبي‭ ‬حين‭ ‬يُترجم‭ ‬إلى‭ ‬استعبادٍ‭ ‬مقنّع‭ ‬في‭ ‬الحقول‭.‬
وفي‭ ‬تفاصيل‭ ‬التحقيق،‭ ‬أوقفت‭ ‬السلطات‭ ‬الإسبانية‭ ‬سبعة‭ ‬أشخاص‭ - ‬ستة‭ ‬رجال‭ ‬وامرأة‭ - ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬28‭ ‬و50‭ ‬سنة،‭ ‬متهمين‭ ‬بتشكيل‭ ‬شبكةٍ‭ ‬إجرامية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬العمالي‭ ‬والاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬والاحتجاز‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬وتبييض‭ ‬الأموال،‭ ‬وقد‭ ‬تمّ‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬45‭ ‬عاملاً‭ ‬مغربياً‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بالبشر،‭ ‬يعملون‭ ‬دون‭ ‬عقودٍ‭ ‬أو‭ ‬حقوق،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬ثلاثة‭ ‬أطفال‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬أكبرهم‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة‭. ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬القاصرون‭ ‬يؤدّون‭ ‬أعمالاً‭ ‬زراعية‭ ‬شاقة‭ ‬كتقليم‭ ‬الأشجار‭ ‬وجني‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضر‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬قاسية‭ ‬لا‭ ‬رحمة‭ ‬فيها‭.‬
وبحسب‭ ‬المعطيات‭ ‬الرسمية،‭ ‬فإن‭ ‬الضحايا‭ ‬جرى‭ ‬استدراجهم‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬إسبانيا‭ ‬بوعود‭ ‬العمل‭ ‬وتسوية‭ ‬الوضعية‭ ‬القانونية‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬ريوخا‭ ‬حتى‭ ‬نقلوا‭ ‬إلى‭ ‬مساكنَ‭ ‬مكتظةٍ‭ ‬ومظلمة،‭ ‬بلا‭ ‬تهوية‭ ‬أو‭ ‬نظافة،‭ ‬حيث‭ ‬يُجبرون‭ ‬على‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مقابل‭ ‬دفع‭ ‬مبالغ‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬150‭ ‬أورو‭ ‬مقابل‭ ‬مكان‭ ‬مشترك‭ ‬أو‭ ‬50‭ ‬أورو‭ ‬لسريرٍ‭ ‬واحد‭. ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المداهمات،‭ ‬عثرت‭ ‬الشرطة‭ ‬على‭ ‬زوجين‭ ‬مغربيين‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬صغيرة‭ ‬أُقفلت‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬بقفلٍ‭ ‬معدني،‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬سوى‭ ‬على‭ ‬فراشٍ‭ ‬رثّ‭ ‬وبطانية،‭ ‬ولا‭ ‬يدخلها‭ ‬الضوء‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬ضيّقة‭ ‬بالكاد‭ ‬تتنفس‭ ‬منها‭ ‬الحياة‭.‬
كان‭ ‬المشغّلون‭ ‬يدفعون‭ ‬أجوراً‭ ‬زهيدة‭ ‬نقداً،‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أورو‭ ‬واحداً‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬كيلوغرامٍ‭ ‬من‭ ‬الفلفل‭ ‬الحار‭ ‬الذي‭ ‬يجنيه‭ ‬العامل،‭ ‬فيما‭ ‬يُخصم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭ ‬لقاء‭ ‬السكن‭ ‬والطعام‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬خلق‭ ‬علاقة‭ ‬تبعية‭ ‬مطلقة‭ ‬بين‭ ‬المهاجرين‭ ‬ومشغّليهم،‭ ‬عبر‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬الوعود‭ ‬الكاذبة‭ ‬بالشرعية‭ ‬القانونية،‭ ‬تحوّلهم‭ ‬إلى‭ ‬عبيدٍ‭ ‬في‭ ‬زمنٍ‭ ‬يُفترض‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للمساومة‭.‬
العملية،‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬الشرطة‭ ‬الإسبانية‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬Landwrt‮»‬‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬شبكة‭ ‬تمتدّ‭ ‬فروعها‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬الإسباني،‭ ‬وتعمل‭ ‬عبر‭ ‬شركاتٍ‭ ‬وهمية‭ ‬ومزارع‭ ‬زراعية‭ ‬تبدو‭ ‬قانونية‭ ‬ظاهرياً،‭ ‬بينما‭ ‬تدير‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬اقتصاداً‭ ‬موازياً‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬العرق‭ ‬الرخيص‭ ‬للمهاجرين‭ ‬غير‭ ‬النظاميين‭. ‬وقد‭ ‬صادرت‭ ‬السلطات‭ ‬22‭ ‬ألف‭ ‬يورو‭ ‬نقداً،‭ ‬ومجوهرات،‭ ‬ووثائق‭ ‬مالية،‭ ‬وجمّدت‭ ‬حسابات‭ ‬مصرفية‭ ‬وأوقفت‭ ‬أنشطة‭ ‬الشركة‭ ‬المعنية‭.‬
ورغم‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬انتهت‭ ‬بتفكيك‭ ‬الشبكة‭ ‬واعتقال‭ ‬أفرادها،‭ ‬فإنها‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬سؤالاً‭ ‬مؤرقاً‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬آلاف‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الذين‭ ‬تتقاذفهم‭ ‬الحاجة‭ ‬وغياب‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭. ‬فالقضية‭ ‬ليست‭ ‬حادثاً‭ ‬معزولاً،‭ ‬بل‭ ‬صورة‭ ‬مكثّفة‭ ‬لهشاشة‭ ‬إنسانٍ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬فيجد‭ ‬نفسه‭ ‬بين‭ ‬فكيّ‭ ‬الاستغلال‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الترحيل‭.‬
 



في نفس الركن