الرباط: أنس الشعرة
انكشفت فصول مأساةٍ جديدة تروي بالصمت معاناةَ عمالٍ مغاربة وجدوا أنفسهم أسرى في قلب لا ريوخا شماليّ إسبانيا. خرج الخبر صادماً: عشرات المغاربة، بينهم قاصرون، حُشروا في غرف بلا نوافذ، وأُقفل عليهم بأقفالٍ حديدية، ليعملوا تحت الشمس من الفجر إلى المغيب مقابل فتاتٍ لا يكفي لشراء الخبز. القضية، التي كشفتها وزارة الداخلية الإسبانية عبر الحرس المدني، ليست مجرد جريمة استغلال، بل مرآة صافية تعكس هشاشة الحلم الأوروبي حين يُترجم إلى استعبادٍ مقنّع في الحقول.
وفي تفاصيل التحقيق، أوقفت السلطات الإسبانية سبعة أشخاص - ستة رجال وامرأة - تتراوح أعمارهم بين 28 و50 سنة، متهمين بتشكيل شبكةٍ إجرامية متخصصة في الاستغلال العمالي والاتجار بالبشر والاحتجاز غير القانوني وتبييض الأموال، وقد تمّ العثور على 45 عاملاً مغربياً يعيشون في ظروف لا تليق بالبشر، يعملون دون عقودٍ أو حقوق، ومن بينهم ثلاثة أطفال لم يتجاوز أكبرهم السابعة عشرة. كان هؤلاء القاصرون يؤدّون أعمالاً زراعية شاقة كتقليم الأشجار وجني الفواكه والخضر في بيئة قاسية لا رحمة فيها.
وبحسب المعطيات الرسمية، فإن الضحايا جرى استدراجهم من مناطق مختلفة من إسبانيا بوعود العمل وتسوية الوضعية القانونية. وما إن وصلوا إلى لا ريوخا حتى نقلوا إلى مساكنَ مكتظةٍ ومظلمة، بلا تهوية أو نظافة، حيث يُجبرون على النوم على الأرض مقابل دفع مبالغ تصل إلى 150 أورو مقابل مكان مشترك أو 50 أورو لسريرٍ واحد. في إحدى المداهمات، عثرت الشرطة على زوجين مغربيين داخل غرفة صغيرة أُقفلت من الخارج بقفلٍ معدني، لا تحتوي سوى على فراشٍ رثّ وبطانية، ولا يدخلها الضوء إلا من نافذة ضيّقة بالكاد تتنفس منها الحياة.
كان المشغّلون يدفعون أجوراً زهيدة نقداً، لا تتجاوز في بعض الأحيان أورو واحداً مقابل كل كيلوغرامٍ من الفلفل الحار الذي يجنيه العامل، فيما يُخصم جزء من المبلغ لقاء السكن والطعام. هذا الوضع خلق علاقة تبعية مطلقة بين المهاجرين ومشغّليهم، عبر منظومة من الوعود الكاذبة بالشرعية القانونية، تحوّلهم إلى عبيدٍ في زمنٍ يُفترض فيه أن تكون الكرامة الإنسانية غير قابلة للمساومة.
العملية، التي أطلقت عليها الشرطة الإسبانية اسم «Landwrt» كشفت عن شبكة تمتدّ فروعها إلى الجنوب الإسباني، وتعمل عبر شركاتٍ وهمية ومزارع زراعية تبدو قانونية ظاهرياً، بينما تدير في الخفاء اقتصاداً موازياً قائماً على العرق الرخيص للمهاجرين غير النظاميين. وقد صادرت السلطات 22 ألف يورو نقداً، ومجوهرات، ووثائق مالية، وجمّدت حسابات مصرفية وأوقفت أنشطة الشركة المعنية.
ورغم أن العملية انتهت بتفكيك الشبكة واعتقال أفرادها، فإنها أعادت إلى الواجهة سؤالاً مؤرقاً عن واقع آلاف المهاجرين المغاربة في أوروبا الذين تتقاذفهم الحاجة وغياب الحماية القانونية. فالقضية ليست حادثاً معزولاً، بل صورة مكثّفة لهشاشة إنسانٍ يبحث عن العيش الكريم فيجد نفسه بين فكيّ الاستغلال والخوف من الترحيل.