Quantcast
2023 نونبر 12 - تم تعديله في [التاريخ]

الفقر ليس قدرا محتوما بل لعبة قذرة


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي

الذين يربطون الفقر بالقدر، إنما يسعون إلى تبرير الأسباب الحقيقية التي تقود إليه، و هم في ذلك فريقان: الأول يفعل ذلك من باب الجهل والإيمان بالغيبيات وربط المآسي والاختلالات بالعوامل العقائدية، بينما الثاني يتعمد استعمال وتوظيف مثل هذه التفسيرات لتكريس السائد وإخضاع الناس للأمر الواقع .

الواضح أن السبب الرئيسي في تفشي مظاهر الفقر والهشاشة الاجتماعية والتخلف والجهل يعود بالأساس، إلى انعدام التكافؤ والعدالة فيما يتعلق باستفادة بني البشر على قدم المساواة من عائدات الثراء العالمي، وفي هذا السياق  نجد أن أقلية من البشر تستحوذ على النصيب الأوفر من الثراء العالمي، ولذلك في الوقت الذي تعيش فيه الأقلية القليلة تخمة كبيرة في تلبية احتياجاتها الأساسية والكمالية في الحياة، فإنه في الوقت نفسه تعرف الغالبية من ساكنة العالم في مساحات شاسعة من الكرة الأرضية خصاصا كبيرا وفظيعا في تلبية احتياجاتها الأساسية في العيش .

بيانات ومعطيات المنظمات الدولية المختصة تساعدنا على فهم ما يجري، وتتجه إلى تأكيد أن الفقر ليس قدرا محتوما على جزء معين ومحدد من البشر. إنما هو نتيجة طبيعية و منطقية، بل وحتمية، لكثير من العوامل التي تسببت فيها سياسات اقتصادية واجتماعية معينة. في هذا السياق يشير البنك العالمي إلى حقيقة مثيرة تؤكد أن مؤشرات معدلات الفقر المدقع في العالم اتجهت منذ سنة 2020 إلى الارتفاع لأول مرة منذ 25 سنة، في الوقت نفسه الذي كشفت فيه الإحصائيات والبيانات أن الثروات الهائلة لدى أثرياء العالم، زادت بشكل كبير. بما يعني أن تداعيات جائحة كورونا، بقدر ما كانت نقمة على ملايير البشر وتسببت لهم في مآسي اجتماعية حقيقية، فإنها في الوقت نفسه كانت نعمة على الأقلية القليلة التي يمكن تسميتها حاليا بــ (أثرياء الجائحة) بعدما استغلت  الكارثة الإنسانية التي حلت بالبشرية لمراكمة مزيد من الثروة على حساب معاناة البشر .

بيانات البنك الدولي تشير إلى أنه قبل الجائحة كان واحد بالمائة من البشر في العالم يستحوذ على 54 بالمائة من الثروة العالمية الجديدة على مدى العقد الماضي، بينما ارتفعت هذه النسبة بعد الجائحة إلى استحواذ واحد بالمائة من ساكنة العالم على 63 بالمائة من الثروة في الكون. بما يعني أن واحدا من كل مائة شخص من سكان العالم استحوذ على 26 تريليون دولار من أصل 42 تريليون دولار كقيمة للثروة العالمية سنة 2021. وبذلك تكشف هذه المعطيات الصادمة أن طبقة أصحاب الملايين أصبحت أكثر ثراء مما كانت عليه في السابق ب 2,6 تريليون دولار .

ومن الحقائق الصادمة التي كشفت عنها الأوساط المالية المختصة، أن نسبة عالية جدا من التضخم في كثير من الاقتصادات الكبيرة والقوية والارتفاعات المهولة في أسعار المواد الأساسية، سببها زيادة أرباح الشركات الكبرى والعملاقة. كما كشفت أبحاث أجرتها منظمة (أوكسفام) أن أصحاب الثراء الفاحش في العالم هم أكثر الأفراد تسببا في أزمة المناخ، إذ ينبعث من الاستثمارات الملوثة لأصحاب المليارات، مليون مرة ضعف ما يصدر عن الشخص العادي من الكربون. وأن انبعاثات هذه الاستثمارات المملوكة لأغنى شخص واحد من كل مئة فرد في العالم تصل إلى ضعف الانبعاثات الناجمة عن أنشطة نصف ساكنة الكون الأكثر فقرا. والأدهى من ذلك، فإن هذه الأبحاث تؤكد أنه بحلول سنة 2030، وإذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه حاليا، فإن ما ستسببه الاستثمارات الملوثة لأثرياء العالم الذين لا تتجاوز نسبتهم واحد بالمائة فيما سيوازي ثلاثين مرة مستوى انبعاثات الكربون حاليا .

الأمر لا يقف عند هذا الحد، والذي يتضح فيه أن شخصا واحدا من كل مائة شخص في العالم يستحوذ على الجزء الأكبر من كعكة الثروة العالمية، وأن هذه الأقلية القليلة هي المسؤولة بنسبة عالية جدا عن أزمة المناخ. و هكذا كشف تقرير آخر حديث لمنظمة (أوكسفام) أن الضرائب على الأشخاص الأكثر ثراء في العالم كانت فيما مضى أعلى بكثير مما عليه حاليا، إذ على مدى الأربعين سنة الماضية اتخذت حكومات دول في العديد من القارات قرارات تقضي بخفض معدلات الضريبة على الأشخاص الأكثر ثراء، في الوقت نفسه قررت رفع معدلات الضرائب على السلع والخدمات التي يستهلكها و يحتاجها الأشخاص الأكثر فقرا في العالم، بما يعني أن أثرياء العالم استفادوا من قرارات حكومية مما مكنهم من الزيادة في حجم و قيمة الأرباح، بينما زادت رقع ثقوب جيوب الفقراء اتساعا، مما زاد من مستوى الفقر .

في مقابل ذلك ووفقا لتحليل أنجزه تحالف محاربة اللامساواة، ومعهد الدراسات السياساتية، ومنظمة أوكسفام، وأصحاب الملايين الوطنيون، فإن فرض ضريبة سنوية لا تتجاوز نسبتها 5 بالمائة على الأشخاص الأكثر ثراء في العالم (يعني على 1 بالمائة من سكان العالم) سيوفر غلافا ماليا بقيمة 1,7 تريليون دولار، وهو ما يكفي لانتشال مليار شخص من براثن الفقر، ولضمان تمويل كامل للعجز المسجل  في الاستجابة للنداءات الإنسانية، وتنفيذ خطة عشرية للقضاء على الجوع ودعم البلدان الفقيرة التي تدفع الثمن غاليا من جراء تداعيات أزمة المناخ، التي لا مسؤولية لها فيها، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية لكل من يعيش في البلدان المنخفضة الدخل وذات الداخل المحدود .

لهذا كله وغيره كثير قلنا إن الفقر ليس قدرا محتوما على شريحة معينة من بني البشر، بل الفقر قضية لعبة قذرة من ألاعيب السياسة التي تنظم و تؤطر النظام العالمي السائد.

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار