2022 أغسطس/أوت 9 - تم تعديله في [التاريخ]

القضاء الفرنسي يُعَلِّقْ قرار طرد الإمام المغربي ويُحدث مواجهة مع وزارة الداخلية

علّقت المحكمة الإدارية بباريس قرار طرد الإمام المغربي حسن إيكويسن الصادر بأمر من وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي يتهمه "بالتحريض على الكراهية والتمييز والعنف". قرارا القضاء الفرنسي صدر بصورة مُستعجلة يوم الجمعة الماضي 5 أغسطس/آب 2022، بعد أيام قليلة من إعلان الوزير دارمانان نية تنفيذ الطرد بحق الإمام الذي يُعتقد أنه مقرب من جماعة الإخوان المسلمين. وقد أعرب وزير الداخلية دارمانان عن أسفه من قرار المحكمة وأعلن أنه سيقدم طلب استئناف أمام مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في البلاد.


ما هي مبررات المحكمة الإدارية تعليق قرار الطرد؟


اعتبرت محكمة باريس الإدارية في حكمها أن "السبب الوحيد القائم على وجود أعمال تحريض صريح ومتعمد على التمييز ضد المرأة لا يمكنه أن يبرر إجراء الطرد دون المساس بشكل خطير وغير متناسب بحقه في العيش حياة خاصة وعائلية عادية".

وأشارت المحكمة بشكل خاص إلى أن الإمام البالغ من العمر 58 عاما "مولود في فرنسا حيث يقيم منذ ولادته مع زوجته وأولاده الخمسة الفرنسيين وأحفاده الخمسة عشر الفرنسيين".

وأعلنت لوسي سيمون محامية الداعية أنه "قرار موزون وسليم" صدر عن المحكمة التي "رفضت التصريحات التآمرية معتبرة أنها على الرغم من كونها مؤسفة لا تعد بالمعنى القانوني استفزازًا صريحًا للكراهية".

وأضافت أن "إيكويسن يشكر العدالة الفرنسية لأنها حافظت على رباطة جأشها رغم التغطية الإعلامية لهذه القضية".
 

بماذا تتهم الداخلية الفرنسية الإمام الداعية حسن إيكويسن؟


وُجهت إلى إيكويسن تهم التحريض على الكراهية، وكذلك معاداة السامية والتحيز ضد النساء، من واقع خطبه في الفترة بين عامي 2003 و2019 ومن مؤتمرات نُظم بعضها قبل نحو 20 عامًا.

وكان أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان الأسبوع الماضي أمام نواب البرلمان يوم 2 أغسطس/آب عن الطرد الوشيك للداعية المغربي المولود في فرنسا وغير الحامل للجنسية الفرنسية. وأوضح الوزير أن "هذا الداعية كان يلقي خطاب كراهية ضد قيم فرنسا منذ سنوات" كما يؤخذ عليه المساهمة "في نظريات مؤامرة بشأن الإسلاموفوبيا".

وفي آخر تصريحات له بهذا الشأن، اعتبر جيرالد دارمانان أن "الدعاة الأجانب المعادين للسامية الذين يدلون بتصريحات تنكر المساواة بين المرأة والرجل، الذين يعتبرون الاعتداءات مؤامرات، ويعتبرون أن الإبادات الجماعية لم تكن موجودة أو مبالغ فيها للغاية، هؤلاء السادة ليس لديهم ما يفعلونه على أرض الجمهورية وسأستخلص من ذلك كل النتائج وبالفعل قد جعلت منها قضية تخص الجمهورية".

وتابع جيرالد دارمانان بالقول "هذا الرجل لا مبرر لوجوده على أرض الجمهورية، لقد اختار هو نفسه ألا يكون فرنسيًا، أود أن أكرر هنا، إنه من جنسية أجنبية، إنه متطرف لأن أجهزة المديرية العامة للأمن الداخلي اعتبرت ومنذ 18 شهرا أنه يجب إدراجه على قائمة "إس" (الخاصة بالأشخاص الذين يشكلون خطرا محتملا على أمن الدولة) ... لا مبرر لوجوده على أراضي الجمهورية".

خبر إدراج إيكويسن على قائمة "إس" جاء بعد قرار المحكمة الإدارية تعليق ترحيله في تطور لافت لقضيته مما أثار تساؤلات فيما إذا كان ذلك سيُؤثر على قرار مجلس الدولة بشأنه.

تضارب وجهات النظر بين القضاء الفرنسي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟


من اللافت أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كانت من جهتها رفضت الخميس الماضي طلبا بتعليق إجراء طرد الداعية من فرنسا. وقد أُبلغت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومقرها ستراسبورغ الأربعاء الماضي بالقضية.

المادة 39 من نظامها تسمح لها، وفي حالات استثنائية جدا، بإصدار أمر باتخاذ "تدابير مؤقتة" عندما يتعرض مقدمو الشكاوى "لخطر حقيقي بحدوث أضرار لا يمكن إصلاحها".

وبينما اعتبر وزير الداخلية جيرالد دارمانان أن رفض المحكمة الأوروبية "يأتي ليؤكد على شرعية قراره"، قالت لوسي سيمون، محامية الإمام، في وقت لاحق إن المحكمة الأوروبية "لم تصدر قرارا في قضية موكلها وإنما رفضت النظر فيها"، مما لا يعني أنها توافق الوزير في قراره أو تختلف مع قرار المحكمة الإدارية بباريس، حسب تقدير عدد من المحامين نُشرت آراؤهم في صحيفة ليبيراسيون.

انقسام في ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لطرد الإمام باسم "دولة القانون"


أثار إعلان الترحيل للإمام المغربي احتجاجات داخل الطبقة السياسية الفرنسية وفي مقدمتها النائب اليساري عن دائرة الشمال، دافيد غيرو، الذي اعتبر أن "هذه الإجراءات المشكوك فيها يجب أن تقلق كل الديموقراطيين الحريصين على الحفاظ على دولة القانون" في بلادنا.

وقد أصدر ممثلو 31 مسجدا في شمال فرنسا بيانا أكدوا فيه أن الإمام ضحية "خطأ واضح في التقييم"، فيما جمعت عريضة ما لا يقل عن 23 ألف توقيع خلال أربعة أيام من نشرها ومبلغ 37 ألف يورو من التبرعات لتمويل تكاليف الإجراءات القضائية، تضامنا مع الداعية.

في نفس السياق نشرت مجموعة من الشخصيات الثقافية ومن النشطاء الحقوقيين رسالة مفتوحة على موقع "ميديا بارت" اليساري أعربوا فيها عن معارضتهم لترحيل حسن إيكويسن وضد ما اعتبروه "اشتدادا لحدة العراقيل في وجه سيادة دولة القانون".

من بين هذه الشخصيات نذكر الباحث المتخصص في القضايا الإسلامية، فرانسوا بورغا والصحفي آلان غريش والناشط اليهودي المعادي للعنصرية دومينيك ناتانسون والكاتبة نهلة شهال.

وجاء في الرسالة "أن مسألة الموقف العقائدي والديني للإمام الذي هدده جيرالد دارمانين لا تهم حقا. قد يكون حسن إيكويسن محافظًا، لكن لكل فرع من فروع الديانات التوحيدية محافظين وحتى رجعيين. وينطبق الشيء نفسه على المسيحية واليهودية. لنكن صريحين: ما يتم استهدافه هنا هو حرية الرأي والتعبير للمجموعة التي تم تحديدها على أنها مسلمة".

في المقابل، انتقد مؤيدون لطرد الإمام قرار المحكمة الإدارية بباريس واعتبروا أنها فضلت الحقوق الفردية لشخص واحد على المصلحة العامة.

وفي رسالة مفتوحة لمجموعة قانونيين من جمعية "حلقة القانون والنقاش العام" (Cercle Droit et Débat Public)، نشرتها صحيفة "لو فيغارو" اليمينية، تساءل الموقعون عن أسباب تجاهل المحكمة الإدارية للخطاب التمييزي للإمام إيكويسن تجاه المرأة في ظرف "لم يكن فيه المجتمع الفرنسي يوما أكثر حساسية حيال حقوق النساء" فقد وضع ضمن أولوياته "مكافحة التمييز الجنساني وشتى أنواع العنف ضد المرأة ومكافحة كل ما يسيء لكرامتها المترتب عن التقليل من شأنها".

واعتبروا أنه بقراره هذا يكون القاضي الإداري قد "ابتعد عن دوره الطبيعي في التوفيق بين الحريات العامة والمطالب الجماعية الملحة" وطالبوا مجلس الدولة الذي سينظر في استئناف وزير الداخلية دارمانان ب "تنبيه القضاء الإداري لواجبه". وتابعوا بالقول "إنه لشرف مجتمع ديمقراطي أن يحترم حقوق الجميع، لا أن ينزع سلاحه عن أولئك الذين يقوضون قيمه الأساسية."

إمام نشيط على شبكات التواصل الاجتماعي


يتمتع حسن إيكويسن بدرجة من الشعبية على شبكات التواصل الاجتماعي إذ يَعُد ما لا يقل عن 176 ألف متابع لقناته على اليوتيوب بينما يتابع صفحته على الفيسبوك نحو 45 ألف شخص، حيث نشر فيها خُطبه ومداخلاته عن الإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية، علما أنه يحمل شهادة جامعية في التاريخ.

وندد الداعية على منصتيْه بما وصفها "الأخبار الزائفة" التي قال إن بعضا من المواقع الإعلامية تعمدت نشرها عنه ب"إخراج اقتباسات لخطبه من سياقها" وأعلن في هذا الخصوص عن رفع شكوى بتهمة التشهير ضد صحيفة "لوفيغارو".

حسن إيكويسن من مواليد عام 1964 بمدينة دينين شمال فرنسا. وقال إن والده أجبره على التنازل عن الجنسية الفرنسية وهو في ال16 من عمره ثم حاول الحصول عليها بعد سن الرشد ولكن دون جدوى فبقي مذاك حاملا للجنسية المغربية ومقيما في فرنسا بموجب تصاريح كانت تُجدد بانتظام إلى أن رفضت السلطات تجديدها له مؤخرا.

وعزى إيكويسن رفض السلطات منحه الجنسية الفرنسية إلى روابطه الوطيدة مع ما كان يسمى سابقا ب"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" وأصبح يُدعى حاليا ب"مسلمي فرنسا" المعروف عن تقربه من جماعة الإخوان المسلمين.

وقد وافق المغرب باستقبال إيكويسن لدى ترحيله وأصدر تصريحا قنصليا في هذا الخصوص بحسب أقوال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.

وقد أمرت المحكمة الإدارية وزير الداخلية بمراجعة قضية إيكوسين في غضون ثلاثة أشهر وبأن ترد إلى إيكوسين تصريح الإقامة الصادر له.

وتجدر الإشارة إلى أن استطلاعا للرأي صدر يوم 3 أغسطس/آب عن معهد CSA الفرنسي بيّن أن نسبة 91% من الفرنسيين يؤيدون طرد الأئمة الأجانب المناهضين لقيم الجمهورية.
 
العلم الإلكترونية – مونت كارلو الدولية + وكالات



في نفس الركن