العلم الإلكترونية - محمد الحبيب هويدي
أسدلت المحكمة العليا في موريتانيا الستار على واحدة من أطول وأهم القضايا في تاريخ القضاء الموريتاني، بإصدارها حكمًا نهائيًا يقضي بسجن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لمدة 15 عامًا، بعد إدانته بتهم تتعلق بالفساد والإثراء غير المشروع وغسل الأموال.
وجاء قرار الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا ليؤكد الأحكام الصادرة سابقًا عن محكمتي الابتدائية والاستئناف، مع إسقاط تهمتي استغلال النفوذ وإساءة استخدام الوظيفة العمومية، والإبقاء على التهم الأساسية المرتبطة بالفساد المالي والإثراء غير المشروع.
كما أيدت المحكمة العليا قرار مصادرة جميع الممتلكات والأموال التي حصل عليها ولد عبد العزيز بطرق غير قانونية، وألزمته بتعويض خزينة الدولة بمبلغ 500 مليون أوقية، أي ما يعادل نحو 1.2 مليون دولار أميركي. وشمل الحكم أيضًا حرمان الرئيس السابق من حقوقه المدنية والسياسية، في خطوة اعتبرها مراقبون تأكيدًا على توجه القضاء الموريتاني نحو تعزيز مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
وفي السياق ذاته، أصدرت المحكمة قرارًا بحل هيئة “الرحمة” الخيرية التي يترأسها نجل الرئيس السابق، مع مصادرة ممتلكاتها بعد ثبوت تورطها في عمليات غسل أموال مرتبطة بعائدات غير مشروعة.
وتُعد هذه القضية الأطول في تاريخ العدالة الموريتانية، إذ بدأت جلساتها في يناير/كانون الثاني 2023 أمام القضاء الابتدائي واستمرت قرابة عام كامل، لتنتهي بإدانة الرئيس السابق وعدد من كبار المسؤولين الذين خدموا في حكوماته، بينهم رئيسا وزراء سابقان. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نظرت محكمة الاستئناف في الملف وقررت تشديد العقوبة إلى 15 عامًا بدلًا من خمس سنوات كانت قد حُكم بها في المرحلة الأولى، قبل أن تُصادق المحكمة العليا على الحكم ليصبح نهائيًا وباتًا.
ويرى محللون أن الحكم يمثل منعطفًا مهمًا في التاريخ السياسي الموريتاني، إذ إنها المرة الأولى التي يُدان فيها رئيس سابق بتهم فساد بعد خروجه من السلطة. كما يعكس – وفق المراقبين – رغبة المؤسسة القضائية في ترسيخ دولة القانون والمحاسبة، في بلد لطالما ارتبطت فيه السلطة السياسية بشبهات فساد وتضارب مصالح.
وبإغلاق هذا الملف نهائيًا، تطوي موريتانيا صفحة واحدة من أكثر قضاياها السياسية والاقتصادية إثارة للجدل، فيما تبقى الأنظار موجهة إلى كيفية تنفيذ الحكم وما إذا كان سيشكل سابقة لمحاسبة كبار المسؤولين في المستقبل.