2025 نونبر 21 - تم تعديله في [التاريخ]

المطر يُعرّي أخطاء البشر !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 20 نونبر 2025


العلم - محمد بشكار

أفرح حين يسقط المطر، ليس فقط لأنه يغسل الأنفس ويبعثُ على الصّفاء، بل لأنه أيضا يُعرِّي عن أخطاء البشر، ألم ترَ كيف تنْجرف في بداية كل موسم شتوي شوارع مدننا الهشّة، كيف تُداهم أبنية السكان المغشوشة، سيول الخطر، فأين يا تُرى يكمن الخلل، هل في ضعف الميزانية بعد تصريفها عبر أكثر من جيب، يا إلهي إني أحبُّ المطر، فساعدني بقطراته الرحيمة لكي أحتفظ ببعض الأمل، فأنا إذا تشاءمتُ مِمّن حولي، فلأني أرفض أن أبيع المرايا مع السِّواك في الأسواق الأسبوعية للسياسية، أرفض أن أعتبر عامَّة الناس لا تنفعُ شيئا إلا للإستئناس، ولو حدثَ واشتقتُ لوجهي بدافع من النرجس، لا أنظر لبِرك الماء الراكدة في حُفر
!

أحب المطر رغم سوء تدبير البشر، هو الفاضح للمتلاعبين بالوطن، القائلين بخطاب الجفاف، وما ذلك إلا ليؤجِّجوا في المعيشة النار بأغلى الأسعار، البائعين للقرد الضاحكين على من اشتراه بمؤشِّر السراب، كيف لا نُحب المطر ولو انقلب الأعلى إلى وحل، هو الخير والنماء فلا تفقد الأمل

صحيح أن المطر يبعث على الأمل، ولكن لا بأس من بعض التشاؤم ما دام فيه صحة الوطن، بل إن حتى منظمة الصحة العالمية، تَعتبر أن التفاؤل عملية نفسية إرادية تُولِّد أفكار الرِّضى والتحمُّل والأمل والثقة، ومن مضاعفات الإفراط في التفاؤل، على الميؤوس من حساسيتهم الشديدة، بعض الاضطراب في الحركة والفم المحلول، أما التفكير فهو شريدٌ مع كل ضَبُعٍ، لذلك أفضِّل الرفض والشك وعدم الرضى، على أنْ أعيش بمثل هذا التفاؤل البليد مهزوماً لعلَّك ترْضى !

أحب المطر خصوصا حين يُحاكي برعده صراخي المكتوم، وينقشع ببرقه الظلام ليطلع النهار في منتصف الليل، كيف لا وقد أصبح الوقتُ خائباً، والسلطة عادتْ إلى ليلها البهيم، تحيك الدّسائس تحت أجنحة الخفافيش، تمتص الدم وتكممُ الأفواه وتزيد الأقفاص الصدرية قضبانا، فلا تسأل لِمَ الغابة قلقةً، حذار وأنت تتحسَّس عظامك تُكمِّدُها في أقرب حمّام بلدي، أن تجزع من اختلال ترتيبها الفِقريِّ، أعلم أن شللا في الجيب دهْورَك بحضيض هذا الإقتصاد، فأنت الأمل أيها المواطن والعمود الفقِري للبلاد، فلا تفقد الأمل!

نحب المطر إذا ما وجدتْ سيول خيراته إلى جيوبنا سبيلا، وإذا ما تشاءم الفرد، فليس لأنّه لا يريد مثلا أن يكون متشائلاً في الوسط بين اليأس والأمل، تماما كسعيد أبي النَّحس في الرواية الشهيرة للكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، بل يفضِّل أن يكون في التفكير مزعجاً، بمقْدارٍ يجعله غير مستقرٍّ في أوضاع مُصمّمةٍ على مقاس الرّيع، نحب المطر وإذا خالفنا الطبيعة في بعض فصولها المفبركة، فلإننا أجدر بأول زهرة تُبشِّرُ بالربيع !

أحب المطر معه تهيج السنابل وتعبق رياح الصّبا بالأريج، معه تكلأ في رَغَدٍ بهيمة الأنعام، لكن لا أحد يستطيع مع كل قطرة أن يخفي الحسرة، ألَمْ ترَ كيف انتشرت في المطاعم البلديَّة لمُدننا، ظاهرة أكْلِ الأمْخاخ مِمَّا غنموا بكثرة الكلام، فتجدهُمْ يُراوغون بالألسنة في روعة لاعبي منتخبنا الوطني، ولكن دون أهدافٍ تُذكَرْ!

أحب المطر كأيِّ شاعر يستطيع أن يجعل للماء لونا ورائحة، وإذا مالَ لونه في أعيني أحياناً للسّواد بالظُّلم الإجتماعي، فأنا في تشاؤمي أتَّخذ الأسود منبعا لانبثاق أجمل الألوان، ولكَ أن تَضَعَ الأحمر إلى جوار الأسود خُذه قطرةً من دمي، أو اقطفه عيداً من شفتَيْ امرأة تكاد تنادي، ولستُ ألحُّ على تشاؤمي مِمّن يُسيئون للوطن، إذا قلتُ إنَّهم حوّلوا المطر الأبيض، مِنْ فستان زفاف إلى كفنْ!

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 20 نونبر 2025




في نفس الركن