العلم - أنس الشعرة
في خطوة رمزية أكثر منها تقريرية، صادق مجلس النواب الإسباني، يوم الثلاثاء 6 ماي، على مقترح غير ملزم يدعو إلى "الشفافية" في المحادثات الجارية مع المغرب بشأن الإشراف على المجال الجوي للصحراء المغربية. وعلى الرغم من افتقاره لأي أثر تشريعي، فقد أعاد المقترح، الذي تقدم به الحزب الشعبي (pp)، فتح النقاش حول تحوّل الموقف الإسباني إزاء النزاع منذ 2022.
في خطوة رمزية أكثر منها تقريرية، صادق مجلس النواب الإسباني، يوم الثلاثاء 6 ماي، على مقترح غير ملزم يدعو إلى "الشفافية" في المحادثات الجارية مع المغرب بشأن الإشراف على المجال الجوي للصحراء المغربية. وعلى الرغم من افتقاره لأي أثر تشريعي، فقد أعاد المقترح، الذي تقدم به الحزب الشعبي (pp)، فتح النقاش حول تحوّل الموقف الإسباني إزاء النزاع منذ 2022.
وحصل المقترح على دعم عشرين نائبًا، مقابل معارضة اثني عشر وامتناع خمسة نواب عن التصويت، من بينهم أعضاء من حزب "فوكس" اليميني المتطرف، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإسبانية (EFE)، وعلى الرغم من التفسيرات التي قرأت فيه مؤشراً على توتر محتمل، فإن أغلب التحليلات تميل إلى اعتباره تعبيرًا عن توازنات حزبية داخلية، موجهة للاستهلاك السياسي المحلي أكثر من كونه موقفًا فعليًا من مسار التعاون المغربي الإسباني.
ومنذ توقيع الإعلان المشترك في مارس 2022، دخلت العلاقات بين الرباط ومدريد منعطفًا استراتيجيًا جديدًا، وقد تضمّن الإعلان دعمًا واضحًا من الحكومة الإسبانية لمبادرة الحكم الذاتي التي يطرحها المغرب، بوصفها مبادرة جادة وواقعية لتسوية النزاع، كما أشار إلى إرادة مشتركة لتعزيز التعاون في قطاعات متعددة، من ضمنها تدبير المجال الجوي.
تاريخيًا، لم يكن إشراف إسبانيا على الأجواء الصحراوية سوى تفويض تقني صادر عن منظمة الطيران المدني الدولي، يتم تنفيذه عبر مركز المراقبة في جزر الكناري، غير أن تصاعد الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، جعل من مطلب الرباط بإدارة مجالها الجوي بشكل مباشر، امتدادًا منطقيًا لممارسة سيادية متنامية ضمن مشروع وطني للتحديث المؤسساتي.
وفي انسجام تام مع نهجه القائم على الحوار والتدرج، لم يبادر المغرب إلى أي خطوات أحادية الجانب، بل اختار التنسيق الهادئ مع مدريد، التي تُظهر حكومتها الحالية التزامًا بمسار الشراكة الاستراتيجية. وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، وصف في هذا السياق ما راج إعلاميًا حول "نقل وشيك" لإدارة المجال الجوي بأنه "معلومات مضللة"، مؤكدًا استمرار التشاور مع المغرب بعيدًا عن الضغوط السياسوية.
ومنذ 2022، عرف التعاون المغربي الإسباني طفرة لافتة، شملت تكثيف المبادلات التجارية، وتوسيع الشراكات في مجالات الطاقة، خصوصًا الغاز والهيدروجين الأخضر، فضلاً عن تنسيق محكم في ملفات الهجرة والأمن البحري. وفي هذا الإطار، يُنظر إلى مسألة المجال الجوي بوصفها جزءًا من مسار تكاملي يهدف إلى تسهيل الحركة الجوية، وتبسيط الإجراءات، وتطوير البنية التحتية الجوية في البلدين.
ورغم مساعي بعض المكونات السياسية الإسبانية – خاصة في أقصى اليسار والتيارات الانفصالية – لتوظيف الموضوع لأغراض أيديولوجية، فإن الوقائع الميدانية والمؤشرات الدبلوماسية تسير عكس هذا المنحى، فالدعم المتزايد الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي المغربية من قوى دولية وازنة، كواشنطن وباريس وبرلين وأمستردام، فضلًا عن بلدان إفريقية وخليجية، يمنح المغرب مشروعية مضاعفة في تعزيز سيادته الوظيفية، بما في ذلك التحكم في المجال الجوي.
ويجد هذا التحول ترجمته على الأرض في التصاعد الاستثماري والبنى التحتية الحديثة التي تشهدها العيون والداخلة، والتي تُجسّد رؤية تنموية شاملة تقودها الرباط بكفاءة وثقة، وهي دينامية أضحت، بحكم زخمها ومردودها، عصية على التجاهل حتى من قِبل أكثر المنتقدين حدة داخل المؤسسة التشريعية الإسبانية.
وفي المحصلة، لا يُمكن تحميل مصادقة البرلمان الإسباني على مقترح رمزي كهذا أكثر مما يحتمل، فالمسار الاستراتيجي الذي انخرطت فيه البلدان يبدو متماسكًا ومبنيًا على منطق الشراكة والمصالح المتبادلة، لا على رهانات ظرفية، ومع تقلّص مساحة الغموض في موقف مدريد، تمضي الرباط في تثبيت موقعها كفاعل إقليمي محوري، بسند من الشرعية الدولية وبوصلة تنموية واضحة.