2025 أكتوبر 7 - تم تعديله في [التاريخ]

المغرب‭ ‬يصوب‭ ‬التوجهات‭ ‬الفلاحية‭ ‬لأوروبا‭.. ‬حين‭ ‬تتحول‭ ‬الحقول‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬رئة‭ ‬غذائية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البريكست


الرباط‭: ‬أنس‭ ‬الشعرة

لم‭ ‬تعد‭ ‬الخريطة‭ ‬الفلاحية‭ ‬لأوروبا‭ ‬تُرسم‭ ‬من‭ ‬بروكسيل‭ ‬وحدها‭. ‬فبعد‭ ‬البريكست،‭ ‬انتقل‭ ‬مركز‭ ‬الجاذبية‭ ‬الزراعية‭ ‬نحو‭ ‬الجنوب،‭ ‬حيث‭ ‬يفرض‭ ‬المغرب‭ ‬حضوره‭ ‬المتنامي‭ ‬كقوة‭ ‬فلاحية‭ ‬صاعدة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الدينامية‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬والكفاءة‭ ‬اللوجستية،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬الأسواق‭ ‬الكبرى‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تبحث‭ ‬فيه‭ ‬بريطانيا‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬موثوقين‭ ‬يضمنون‭ ‬أمنها‭ ‬الغذائي‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التعقيدات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وجد‭ ‬المغرب‭ ‬طريقه‭ ‬بثقة‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬السوق‭ ‬البريطانية،‭ ‬حاملاً‭ ‬معه‭ ‬نموذجًا‭ ‬جديدًا‭ ‬في‭ ‬التوريد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الاستدامة،‭ ‬والجودة،‭ ‬والمرونة‭.‬
 
هذه‭ ‬التحولات‭ ‬تكشفها‭ ‬الأرقام،‭ ‬فقد‭ ‬قفزت‭ ‬صادرات‭ ‬التوت‭ ‬الأزرق‭ ‬المغربي‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬19‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬بقيمة‭ ‬144‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬بين‭ ‬يوليوز‭ ‬2024‭ ‬ويونيو‭ ‬2025،‭ ‬أي‭ ‬زيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬44‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عن‭ ‬الموسم‭ ‬السابق،‭ ‬لتتجاوز‭ ‬المملكة‭ ‬منافسين‭ ‬تقليديين‭ ‬كإسبانيا‭ ‬والبيرو‭. ‬
 
وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬حقّقت‭ ‬صادرات‭ ‬التوت‭ ‬الأحمر‭ (‬الفراولة‭ ‬الصغيرة‭) ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬بلغ‭ ‬64‭,‬400‭ ‬طن‭ ‬بقيمة‭ ‬487‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬استحوذت‭ ‬بريطانيا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬المنتج‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.‬
 
لم‭ ‬يأت‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬صدفة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ثمرة‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬مدروس،‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬ذكاء‭ ‬دبلوماسي‭ ‬واستثمار‭ ‬لوجستي‭ ‬متطور،‭ ‬حيث‭ ‬أطلقت‭ ‬شركات‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭: ‬Samskip‭ ‬وDP World‭ ‬خطوطًا‭ ‬بحرية‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬الموانئ‭ ‬المغربية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬مزوّدة‭ ‬بحاويات‭ ‬مبردة‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة‭.‬
 
وتشير‭ ‬بيانات‭ ‬“دي‭ ‬بي‭ ‬وورلد”‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطها‭ ‬الجديد،‭ ‬‮«‬أطلس‮»‬،‭ ‬خفّض‭ ‬زمن‭ ‬التصدير‭ ‬بيومين‭ ‬وقلّص‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬بنسبة‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬النقل‭ ‬البحري‭ ‬المغربي‭ ‬رافعةً‭ ‬للتنافسية‭ ‬والاستدامة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬
 
ومع‭ ‬توسّع‭ ‬الصادرات‭ ‬لتشمل‭ ‬الطماطم‭ ‬والخضروات‭ ‬الموسمية،‭ ‬أصبح‭ ‬المغرب‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مزودي‭ ‬السوق‭ ‬البريطانية‭ ‬بالمنتجات‭ ‬الطازجة‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ويعتبر‭ ‬خبراء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬تُجسّد‭ ‬نجاح‭ ‬ما‭ ‬يسمّونه‭ ‬بــ»الدبلوماسية‭ ‬الغذائية‭ ‬المغربية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬حوّلت‭ ‬فرص‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البريكست‭ ‬إلى‭ ‬مكاسب‭ ‬اقتصادية‭ ‬واستراتيجية،‭ ‬عزّزت‭ ‬مكانة‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭.‬
 
وفي‭ ‬العمق،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بالمنتجات‭ ‬الزراعية،‭ ‬بل‭ ‬بقدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬الجيو‭-‬اقتصادي‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭. ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬الحقول‭ ‬والبحار‭ ‬والموانئ،‭ ‬يبرز‭ ‬نموذج‭ ‬مغربي‭ ‬متكامل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬واحترام‭ ‬البيئة،‭ ‬وبناء‭ ‬الثقة‭ ‬التجارية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭.‬
 
أصبح‭ ‬المغرب‭ ‬اليوم‭ ‬مهندسًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للخريطة‭ ‬الفلاحية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬يُعيد‭ ‬عبر‭ ‬صادراته‭ ‬وأرقامه‭ ‬وعلاقاته‭ ‬رسم‭ ‬موازين‭ ‬السوق،‭ ‬ويقدّم‭ ‬نفسه‭ ‬ليس‭ ‬كبديل‭ ‬عن‭ ‬أوروبا،‭ ‬بل‭ ‬كامتداد‭ ‬ذكيّ‭ ‬لها‭. ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الجنوب،‭ ‬تتدفّق‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضروات‭ ‬نحو‭ ‬المائدة‭ ‬البريطانية،‭ ‬ومعها‭ ‬رسالة‭ ‬هادئة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬الغذاء‮…‬‭ ‬يملك‭ ‬التأثير‭. ‬



في نفس الركن