الدوحة: التهامي بورخيص
عُرض بمهرجان الدوحة السينمائي العرض الأول في المسابقة الرسمية "بابا والقذافي " بقاعة مسرح الدراما بكتارا، وهو أول عمل فني للمخرجة جيهان الكيخيا، تحكي فيه قصة والدها منصور الكيخيا، الذي كان دبلوماسيًا ومفكرا ليبيا بارزا، اختفى في ظروف غامضة.
الفيلم عبارة عن عمل شخصي عميق يستكشف اختفاء والدها، الدبلوماسي والناشط الليبي منصور راشد الكيخيا في عام 1993، وجهود والدتها بهاء العمري الكيخيا في البحث عنه لمدة 19 عاماً. الفيلم عرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي عام 2025، ويجمع بين الذكريات الشخصية، الأرشيف التاريخي، والشهادات ليرسم صورة لقضية حقوقية معقدة تكشف عن تعقيدات الديكتاتورية والمنفى.
يتتبع الفيلم من خلال عيون ابنته جيهان، رحلة الأب من الإعجاب بالثورة إلى الخيانة والغياب، مع التركيز على تأثير ذلك على عائلته (خاصة الأم والأخت). يمزج الفيلم بين لقطات أرشيفية للقذافي وليبيا في عصر الثمانينيات، وصور عائلية حميمة، وشهادات من أقارب وناجين من الثورة الليبية 2011، ليرسم صورة لكيفية "الاختفاء" الذي يمكن أن يُفرض على المعارضين في ظل الديكتاتورية.
ولد منصور الكيخيا في 1931، عمل وزيراً للخارجية الليبية (1972-1973) وسفيراً دائماً لليبيا في الأمم المتحدة (1975-1980).
كان محاميا حقوقيا بارزا، انشق عن نظام معمر القذافي في أوائل الثمانينيات احتجاجاً على جبروت سلطته، واستقر في الولايات المتحدة حيث تزوج بهاء العمري (فنانة سورية-أمريكية درست الفنون في دمشق وبغداد، وعرضت أعمالها في معارض نيويورك والأمم المتحدة). أسس "الرابطة الليبية لحقوق الإنسان في المنفى" عام 1984، و"التحالف الوطني الليبي للمعارضة" عام 1986، حيث انتُخب أمينا عاما. كان يُعتبر "نجماً صاعداً" يمكن أن يحل محل القذافي، لكنه اختفى في 10 ديسمبر 1993 (يوم حقوق الإنسان الدولي) من فندق في القاهرة أثناء حضور اجتماع لـ"المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، التي كان مؤسساً لها.
ليكشف عن مصيره بعد ثورة 2011، حيث عُثر على جثته في ثلاجة في مزرعة قرب قصر القذافي في طرابلس عام 2012، مما أكد إعدامه بعد نقل سري من مصر إلى ليبيا بمساعدة محتملة من الاستخبارات المصرية، حسب تحقيق المخابرات الأمريكية عام 1997.
كان محاميا حقوقيا بارزا، انشق عن نظام معمر القذافي في أوائل الثمانينيات احتجاجاً على جبروت سلطته، واستقر في الولايات المتحدة حيث تزوج بهاء العمري (فنانة سورية-أمريكية درست الفنون في دمشق وبغداد، وعرضت أعمالها في معارض نيويورك والأمم المتحدة). أسس "الرابطة الليبية لحقوق الإنسان في المنفى" عام 1984، و"التحالف الوطني الليبي للمعارضة" عام 1986، حيث انتُخب أمينا عاما. كان يُعتبر "نجماً صاعداً" يمكن أن يحل محل القذافي، لكنه اختفى في 10 ديسمبر 1993 (يوم حقوق الإنسان الدولي) من فندق في القاهرة أثناء حضور اجتماع لـ"المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، التي كان مؤسساً لها.
ليكشف عن مصيره بعد ثورة 2011، حيث عُثر على جثته في ثلاجة في مزرعة قرب قصر القذافي في طرابلس عام 2012، مما أكد إعدامه بعد نقل سري من مصر إلى ليبيا بمساعدة محتملة من الاستخبارات المصرية، حسب تحقيق المخابرات الأمريكية عام 1997.
فيلم "بابا والقذافي" للمخرجة الليبية جيهان الكيخيا يفتح جرحا شخصيا وسياسيا كبيرا، في تجربة وثائقية مؤثرة وعميقة، يتنقّل بين شهادات وذكريات من عرفوه، باحثًا عن حقيقة علاقته بالنظام الليبي تحت حكم معمر القذافي، في مزيج يجمع بين السيرة الذاتية والتحقيق السياسي.
تروي جيهان الكيخيا أنها مذ كانت في السادسة، أخبرتها والدتها بالحقيقة، ومازالت ذاكرتها مشوشة، لتحاول التقاط مسارات والدها عبر ما بقي من صور الأرشيف وبعض الأحداث العالقة في الذاكرة، لتشاركنا قصته "قبل أن يختفي تماماً من ذاكرتي ومن ذاكرة ليبيا" حسب تعليق جيهان. وتضيف:" لو كان والدي على قيد الحياة اليوم، لكان عمره 94 سنة.
لكن، وفي قلب الفيلم، نبدأ مع الأم، بهاء العمري، وترافقُنا في الكثير من دقائقه، لتسرد قصة عائلتها في دمشق، والدها المعتقل فيها لسنوات وهي طفلة، ثم انتقالها وهي شابة إلى نيويورك، وزيجتها الثانية من منصور، الذي قبِل عرضها أن يكون الشخص الثالث في حياتها بعد ابنتيها من زواجها الأول، وانتقالها معه بعد انشقاقه للعيش في فرنسا.
تغوص بهاء في تفاصيل وداعها الأخير لمنصور، وهو ذاهب إلى القاهرة، إلى مصيره المتوقع، قائلاً "تعددت الأسباب والموت واحد"، ثم كيف توجّب عليها لعب دور الأب في غياب زوجها، لتقود حملة بحثٍ دولية، وقودُها الصمود ومقاومة اليأس، تظهر على القنوات العربية والأجنبية، لتطالب بالكشف عن مصيره، معبرة عن فقدانها إيمانها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، حينما يتم التطبيع مع اختفائه.
لم تكن " بهاء العمري" مجرد أم حزينة؛ بل تحولت إلى ناشطة حقوقية دولية، حافظت على ذكرى زوجها أمام أطفالها (بما فيهم جيهان، التي كانت في السادسة عند الاختفاء)، بينما أدارت حملة بحث مكثفة، واجهت فيها متاهة سياسية تشمل الولايات المتحدة (حيث عاشت في فيينا، فيرجينيا)، فرنسا (حيث انتقلت العائلة مؤقتاً)، مصر، وليبيا.
بدأت بهاء حملتها فور الاختفاء، مطالبة الحكومة الأمريكية (زوجها كان مقيماً أمريكياً) بالتدخل. أجرت مقابلات مع قنوات عربية وغربية، مثل CNN وBBC، لرفع الوعي، وطالبت بكشف مصير زوجها عبر بيانات رسمية. في عام 1994، سجلت فيديو نادر (ظهر في الفيلم) لجيهان الصغيرة تتحدث مباشرة إلى القذافي مطالبة بإطلاق والدها، وأرسلته إلى الإعلام الدولي ليصبح رمزاً للقضية.
تعاونت مع منظمات حقوقية مثل "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" و"هيومن رايتس ووتش"، مما جعل قضية الكيخيا نموذجاً للاختفاء القسري في الشرق الأوسط. في 2013، بعد العثور على الجثة، أدلت بشهادة أمام الكونغرس الأمريكي حول دور مصر في الاختطاف، مما دفع إلى تحقيقات مشتركة.
سافرت إلى القاهرة مرات عديدة للضغط على الحكومة المصرية، واكتشفت أدلة على تورط عملاء مصريين في تسليم زوجها إلى ليبيا حسب تقرير CIA الذي رفضته جزئياً). كانت تتواصل مع دبلوماسيين أمريكيين، بما فيهم وزير الخارجية مدلين أولبرايت، لرفع القضية في اجتماعات الأمم المتحدة).
في 1995، قادت حملة "البحث عن الكيخيا" التي شملت عرائض دولية وقعت عليها آلاف، مما جعلها واحدة من أبرز "أرامل المعارضين" في تاريخ المنفى الليبي.
في 1995 كان لقاؤها السري مع القذافي في خيمته بالصحراء الليبية ليلاً، وحدها، في منتصف الليل. سافرت إلى ليبيا عبر وسطاء سريين، وواجهت القذافي وجهًا لوجه للتفاوض على إطلاق سراح زوجها. كان اللقاء "تراجيكوميدياً" كما وصفته جيهان: القذافي، بأسلوبه الساخر، أجاب على سؤالها عن مصير زوجها بـ "إنه حي، لكنك سألتني في الحلم!" ، محاولاً التهرب بطريقة درامية. بهاء حافظت على هدوئها، لكنها خرجت خائفة على حياتها، وروت التفاصيل لاحقاً في مذكراتها الخاصة (غير منشورة كاملة، لكن جزء منها في الفيلم).
الفيلم يعد رحلة بحث لإعادة تشكيل ذاكرة وطن؛ الشعور العميق بالترابط بين الأب وابنته رغم الذكريات القصيرة يضيف قوة للسرد، مع أرشيف يبني الترقب للكشف عن المصير، ل مخرجة شابة موهوبة التقطت الكاميرا مبكراً لتعيد إحياء والدها المفقود. ينقل الرهانات الدقيقة والكبيرة ببراعة، ويذكرنا بأننا يجب أن نجد القوة للمقاومة كما فعل والدها.
فيلم مؤثر يجمع ذكريات الآخرين ببراعة، مستخدماً مقابلات وأرشيفات ليرسم صورة لمنصور الكيخيا وسياق اختفائه. إنها دراسة حميمة للحزن الشخصي والجماعي، يجعل من الفيلم صرخة حقوقية ويسمح للجمهور بفهم المأساة التاريخية على مستوى شخصي، لكنه يفقد بعض الموضوعية والحيادية المتوقعة.