2021 أبريل 15 - تم تعديله في [التاريخ]

بالفيديو: العلم في قلب واحة العرجة شهرا بعد اخلائها من ملاكها التاريخيين

تشبث بارض الإباء و الأجداد ورفض لتطويع اتفاقيات دولية للنيل من الحقوق الترابية والعينية للمغاربة


قبل شهر وجدت 30 أسرة من ملاك و مستغلي ضيعات واحة العرجة الواقعة شمال شرق فجيج نفسها مجبرة على اخلاء أملاك زراعية تستغلها أبا عن جد منذ قرون , بعد أن قررت الجزائر فجأة بسط "سيادتها الترابية " على المنطقة..
 
قضية العرجة ومعها ملف الصحراء الشرقية. لا يطوى بسهولة طالما أنه يحمل بين دفتيه الكثير من وقائع التاريخ و مطبات السياسة التي ترهن ماضي و حاضر و مستقبل منطقة واحات وقصور فجيج التي خلدها التاريخ و خذلتها الجغرافيا .
 
العلم تنقلت إلى عين الحدث وعادت الارتسامات التالية :
 
العلم الإلكترونية - رشيد زمهوط / عياد الأزعر

الدخول إلى مدينة فجيج القابعة كجزيرة معزولة وسط صحراء النجود العليا داخل شريط حدودي يطوقها من الشمال و الشرق و الجنوب أشبه بمنازعة سراب صحراوي يستهوي الظمآن و لا يشفي غليله ..
 
فجيج واحة تحيط بها الحدود من كل جانب
عبق التاريخ يتسلل من كل حجرة أو زاوية من القرية التي تعج بقصور النخيل الممتدة على مرمى البصر.
 
الولوج إلى منطقة العرجة يتأتى عبر طريق معبد يتسلل عبر المنفذ البري الوحيد المؤدي إلى فجيح من غربها , تعالج عجلات السيارة في ظهيرة قائظة بضعة كيلومترات تفضي إلى الضفة الجنوبية لوادي جاف يحمل نفس تسمية المنطقة ( العرجة ) و يشكل الامتداد الطبيعي لوادي زوزفانة التاريخي المتسلل حول واحات فجيج من جنوبها في اتجاه مجاري مائية موسمية متعددة بتسميات مختلفة تحيل على الوثائق التي تؤطر المجال الحدودي قصور فجيج .
 
...على سفح الوادي انتصب مركز مراقبة مغربي يؤثته عسكريان مغربيان , لوح أحدهم إلينا بما يفيد أن المنطقة محروسة , في الضفة المقابلة الواقعة على سفح جبل يطوق الواحة تبينا ثلاث خيام خضراء اللون و عمود مثبت يحمل الراية الجزائرية ...
 
أياما قبل موعد الإخلاء نصب الجزائريون الخيام...يسترجع عبد المالك بوبكري أحد ملاك ضيعات العرجة شريط الاحداث بحسرة و ألم بعد أن سلبت منه أرضه التي ظل يتعهدها منذ ثلاثة عقود ..
 
عبد المالك الرجل السبعيني دو القسمات التي رسمتها شمس الصحراء يشدد على أنهم طيلة ترددهم لسنوات على العرجة من أجل تعهد نخيلهم لم يتوصلوا بأي توجيه لمغادرة الضيعات التي استثمروا فيها الكثير من الجهد و الأموال ..يسترسل الرجل في توثيق لحظات الانقلاب المصيري الذي قلب حياتهم اليومية الرتيبة رأسا على عقب .
 
... حوالي الثامن مارس اتصل جنود جزائريون بفلاحي العرجة المغاربة , وبعد ذلك بأيام حل بالمنطقة وفد جزائري رسمي يضم رجال الدرك وموظفين مدنيين و ضابطاعسكريا برتبة جنرال و طلبوا من عبد المالك بوبكري إرشادهم في زيارة تفقدية لمختلف مناطق العرجة وهي الجولة التي استغرقت ساعتين يتذكر الرجل أخبر بعدها بأن على فلاحي العرجة مغادرتها قبل مغرب ال18 مارس وأن المطلب الجزائري تم تبليغه للسلطات المغربية .
 
عبد المالك و بقية الملاك استفسروا بعد ذلك باشا مدينة فجيج الذي أكد لهم المعلومة و اخبرهم أن السلطات المغربية ستمنع المرور إلى العرجة في اليوم المعلوم حفاظا على سلامة و أمن الملاك .
 
الملاك المطالبون بإخلاء ضيعاتهم قضوا اليومين السابقين لموعد الإفراغ الجبري في استرجاع فسائل النخل و مضخات الماء و لوحات الطاقة الشمسية لنقلها إلى داخل فجيج ..
 
...عبد المالك يتحسر كيف ودع العرجة قبل الساعة السادسة من مساء الخميس 18 مارس الذي سيظل عالقا في ذاكرته وذاكرة أسر مثله تمتلك وثائق تثبت ملكيتها للأرض التي تعيل عشرات الاسر و تؤكد مغربيتها غير القابلة للنقاش و يتذكر كيف أن فرقة من الدرك الملكي دخلت قبل أشهر إلى عين المكان لتحرير محضر قضائي .
 
...مصطفى بلحاج يدير ضيعة بالعرجة تتوفر على 100 نخلة و 500 شجرة زيتون ورمان فضلا عن صهريج للسقي تم اصلاحهم خلال تسعينات القرن الماضي فضلا عن قنوات السقي و تجهيزات الطاقة الشمسية، يتذكر بدوره الزيارات المسترسلة الغريبة لعناصر من الجيش الجزائري للمنطقة أياما قبل امر الاخلاء و اسئلتهم المتكررة والمستفزة حول الممتلكات و كلفة الاستثمارات .
 
..الدكتور مصطفى لالي الفاعل الجمعوي المحلي و رئيس بلدية فجيج لعدة ولايات يقارب أزمة العرجة من زوايا تاريخية متعددة , مشددا على أن واحة العرجة تعد تاريخيا من الواحات المنتمية لمدينة فجيج و تقع بشمالها الشرقي وتعتبر من الأراضي السلالية المملوكة لجماعة أولاد اسليمان فضلا عن دورها الاقتصادي الهام بالنسبة لفجيج و ساكنتها .
 
يلخص السيد لالي ما يقع حاليا بأنه مثار لاستغراب الفيجيجيين من تجرؤ الجارة الجزائر على ادعاء سيادتها على العرجة علما أنه بالرجوع إلى اتفاقية لالة مغنية (الموقعة ما بين المغرب وفرنسا مارس 1845 ) فسنجد يبرز مصطفى لالي أنها أي الاتفاقية قد سطرت الحدود الثابتة بين المغرب وجارته الشرقية من البحر الأبيض المتوسط شمالا الى حدود ثنية الساسي ( الواقعة بالضاحية الجنوبية لعين بني مطهر 90كلم جنوب شرق وجدة) و ما هو مدرج جنوب هذه النقطة الجغرافية إلى فجيج و منطقة بني ونيف جنوبها فهي أراضي فلاة يمكن بموجب مقتضيات الاتفاقية استغلالها من طرف ساكنة البلدين , ضمن أهداف توسعية و استراتيجية للمستعمر الفرنسي تخول له إمكانية مطاردة خصومه بحدود البلدين مع رضوخه لمطالب المواطنين المغاربة بفجيج بضمان استرسال استغلالهم لنخيل وحياتهم المتواجدة ضمن ما يسميه الدكتور لالي بالمجال الاقتصادي لفجيج .
 
الدكتور محمد حجي الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي و سليل منطقة فجيج تتقاطع أيضا وجهة نظره الاكاديمية مع تصور الرئيس السابق للواحة و يلخص بداية مسلسل اقتطاع أجزاء متعددة من واحات و أراضي مجال فجيج بانطلاق مشروع خط السكك الحديدية العابرة للصحراء الذي أطلقته فرنسا مع بداية القرن العشرين وذلك لتشييد خط سككي جنوبًا يربط المستعمرات الفرنسية الجزائر انطلاقا من وهران الى افريقيا جنوب الصحراء ضمن مسعى ربط مناجم الفحم وتعزيز التجارة في جميع أنحاء شمال إفريقيا ، وربط الإمبراطورية الفرنسية معًا ، وربط شمال إفريقيا بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى .
 
المشروع السككي سيلامس مجال واحات فجيج و قصورها و سيفكك مع بداية القرن العشرين بنيتها الترابية المتراصة الى حدود هذا التاريخ ضمن تصور يلخصه الدكتور حجي في مؤلفه التوثيقي" حماية القانون الدولي لحقوق الأفراد على أراضيهم التقليدية : استمرارية الحقوق العريقة لأهل فجيج" بقناعة فرنسا الاستعمارية بأن مجال قصور وواحات فجيج يشكل المدخل الطبيعي الوحيد و مفتاح ترجمة و تحقيق طموحات فرنسا وأطماع أوروبا في ثروات العمق القاري الافريقي رغم التقارير الفرنسية الرسمية المتداولة حينها و التي ظلت تحذر من مغبة المساس والاقتراب من واحات فجيج و التي تحققت نبوءتها بعد ثورات أهالي فجيج و مقاومتهم الشرسة للتدخلات الفرنسية المتكررة بمجالهم الترابي الحيوي .
 
الدكتور حجي يستحضر إلى جانب الدكتور لالي الحقوقالتاريخية للمواطنين المغاربة بفجيج و المضمنة بالفصل الثالث من بروتوكول باريس الموقع بين المغرب و فرنسا و الذي يضمن لأهل قصور فجيج و قبيلة عمور الصحراء المجاورة لها استرسال تصرفهم فيما عهد لهم من الغروس و المياه والمزارع والمراعي و نحوها و التصرف التام فيها كما كانوا من غير منازع ولا معارض "( بروتوكول باريس في 20 يوليوز 1901).
 
الدكتور مصطفى لالي يبرز من جهته أن بنود اتفاقية افران التي تعتد بها الجزائر لتبرير سيادتها المزعومة على تراب العرجة و على غرار معاهدة مغنية تتضمن توصيفات غامضة توظفها الجزائر كما فعلت فرنسا طيلة عهد الحماية لاقتطاع أجزاء من تراب الصحراء الشرقية المغربية والحاقها بالجزائر التي اعتقدت فرنسا أنها لن تغادرها يوما ما .
 
ودليل ذلك أن جلالة الملك المغفور له محمد الخامس رفض عرضا فرنسيا بحل قضية الثغور الشرقية المسلوبة من طرف فرنسا في مقابل التخلي عن دعم الثورة التحريرية بالجزائر، مؤكدا حينها أن المشكل الحدودي سيحل مع السلطات الجزائرية بعد استقلال الجزائر عن فرنسا.
 
...في يوليوز 1961 ستوقع الرباط اتفاقا مع فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة بمجرد استقلال الجزائر.
 
شهر مارس 1963، سيقوم المغفور له الحسن الثاني بأول زيارة رسمية له للجزائر وسيذكّر الرئيس الجزائري بن بلة بالاتفاق الموقع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بشأن وضع الحدود بين البلدين الذي خلقه الاستعمار الفرنسي.
 
الرئيس بن بلة طلب من جلالة الملك تأجيل مناقشة الأمر إلى حين استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة , أشهرا بعد ذلك ستشن عناصر من القوات الجزائرية يوم 8 أكتوبر 1963 هجوما على منطقة حاسي بيضا قتل فيه عشرة عناصر من الجيش المغربي الموجود بالمركز العسكري للبلدة.
 
مع تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء التي استرجعت الأقاليم الجنوبية للمملكة سيستعر الحقد الجزائري و وستتكرر عملياته العسكرية لضم العديد من واحات فجيج و المناطق المندرجة ضمن العمق الاقتصادي للواحة الممتد على شعاع بمسافة زهاء 40 كلم ( الملياس , تاغيت , امقروز , الخناق ...الخ )
 
عمر بوبكري المنتمي لقصر أولاد اسليمان و أحدملاك ضيعات واحة العرجة المسلوبة و المكلف بلجنة تجميع الوثائق و المستندات المرتبطة بملف العرجة يقدر مساحة الأرض المسلوب من طرف الجزائر بالعرجة بقرابة 162 هكتار و أزيد من 30 ألف نخلة ( تقديرات غير رسمية تتحدث عن 40 كلم مربع ) يسترجع بدوره ذكريات من التحرش الجزائري بأبناء و أملاك المنطقة المغربية و يؤكد أن مسلحين جزائريين داهموا الواحة منتصف السبعينات و أوقفوا 17 مواطنا مغربيا فجيجيا ووضعوهم رهن الاعتقال 3 أيام قبل إطلاق سراحهم .
 
عمر يبدد الرواية الجزائرية للوقائع من منطلق أن الإعلام الجزائري الرسمي يتحدث عن موقع يسمى لعروضة عوض العرجة و هو مكان بعيد عن منطقة تدخل الجيشالجزائري و يشدد على أن اتفاقية افران تتحدث عن حدود فاصلة بين البلدين تقع على خط قمم الجبال المحيطة بالعرجة وبذلك يظل ضيعات العرجة ترابا مغربيا خالصا تعود ملكيته الخاصة و المتوارثة لأجيال من أفراد الجماعة السلالية لأولاد اسليمان .
 
السيد بوبكري يشهر أمام كاميرا العلم عددا من الوثائق الرسمية بما فيها مطلب تحفيظ يقول إنه يهم قطعة بأرض العرجة.
 
مصطفى الموساوي نائب الأراضي عن الجماعة السلالية أولاد اسليمان بالعرجة كشف للعلم عن دعوة السلطات للملاك المتضررين لإيداع ملفات طلب التعويض عن الأضرار لكنه يشدد على أن أي تعويض مالي مقترح لن يجبر الصدمة المعنوية و النفسية التي تلقاها الملاك و المتضررون و أهالي فجيج عامة لأنه لا يوازياطلاقا المجهود البدني الذي بذله المتضررون لعقود و الصلة الوثيقة والعلاقة الإنسانية التي تربط منذ قرون الإنسان بالنخلة و بأرض الآباء والأجداد مشددا على أنه لا مجال للتنازل عن مغربية العرجة التي تسبق كل الاتفاقات والعهود المبرمة .
 
الدكتور حجي يحسم بفطرته الأكاديمية والقانونية الجدال بالقول " لسنا معنيين باتفاقية سنة 1963 لانها تهم مغاربة ذهبوا للجزائر و حازوا أملاكا هناك و ليس جزائريين احتلوا أراضينا "
 
نغادر فجيج من المنفذ البري الوحيد و الضيق الذي يربطها ببقية الترابالوطني و بعقولنا تتراقص العشرات من الأسئلة و الالغاز التي تتطلب أجوبة و تحقيقات و ندوات ...
 
العرجة أزمة أيقظت جرحا لا يندمل من أعطاب تاريخ الجوار الصعب و المكلف و مع تفاصيلها التي تستعصي على ذاكرة التدوين و الكتابة تطفو و تبرز الضرورة القصوى لفتح ملف الثغور الشرقية السليبة من تراب الوطن بما يكفي و يتطلب الوضع من نضج و مسؤولية و وطنية ......
 





في نفس الركن