
العلم: نهيلة البرهومي
شكل القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد كيفيات وشروط ممارسة الحق في الإضراب الذي دخل حيز التنفيذ أخيرا، نقطة تحول مفصلية في تاريخ تدبير حق دستوري. فعلى مدى شهور وبعدما صدر في الجريدة الرسمية مارس الماضي أكمل القانون التنظيمي الأربعاء الأخير ستة أشهر ليدخل حيز التنفيذ بشكل رسمي.
ومنذ دخول القانون حيز التنفيذ، توعدت بعض النقابات الحكومة بمواصلة الاحتجاج ضد مجموعة من المضامين التي جاء بها هذا القانون، واعتبرت النقابات أن القانون 97.15 من شأنه تقييد حق الإضراب في المغرب، خاصة وأنه وأثناء صياغته لم يتم إشراك المركزيات النقابة، وتم التصويت عليه في وقت متأخر من الليل.
في المقابل، أكدت الحكومة أنها تبنت مقاربة تشاركية لإخراج هذا النص القانوني، الذي طال انتظاره لأزيد من 60 عاما، وأن الغاية الأسمى منه هي تنظيم حق دستوري يتمثل في تحديد كيفيات وشروط ممارسة الحق في الإضراب.
في هذا السياق، يرى عبد النبي صبري، أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس الرباط، أن الإيجابي هو صدور قانون الإضراب، معتبرا أنه يحمل معطى سلبيا يتمثل في طريقة صدوره.
وأوضح صبري في تصريح لـ»العلم»، أن المغاربة ومنذ 1962 أي تاريخ صدور أول دستور مغربي، وهم ينتظرون هذا القانون، حيث نص الدستور سالف الذكر في المادة 14 منه على أن حق الإضراب مضمون وسيصدر قانون تنظيمي يبين كيفية ممارس الحق. وتابع: «جاءت دساتير 70ـ 72ـ 92ـ 96 ولم يصدر هذا القانون التنظيمي، ثم جاء دستور 2011 ولم يصدر هذا القانون التنظيمي إلا في الولاية الحكومية التالية، مع العلم أنه دستوريا كان ممكن أن يصدر خلال الولاية الحكومية السابقة تطبيقا لمنطق الدستور الذي نص على أن تخرج جميع القوانين التنظيمية خلال الولاية الحكومية التي تلي تطبيق دستور 2011».
وأفاد صبري، أن خروج النص لم يكن بمثابة «انفراجة»، لأن أول مشكلة حقيقية أثيرت حوله هي غياب التوازن «بين الحقوق (التي أقرها الدستور) والمطالب (التي يطالب بها العموم من قبيل الجمهور والنقابات والأحزاب والجمعيات..)».
وأشار أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن أول مشكلة ستطرأ بعد تطبيق هذا القانون، هي «التعريف الضيق للإضراب»، في حين كان من الممكن أن يكون النص مسبوكا بشكل جيد ويعطينا تعريفا واسعا للإضراب من أجل عدم الإضرار، قائلا: «عندما يكون هناك تعريف واسع نفهم ونستشفه ويفهم منه المواطن وأرباب العمل، والعمال والموظفون والنقابات والمؤسسات والشركات والمقاولات العمومية ما معنى الإضراب، والذي يكون بالأساس قائما على نيل مطالب معنوية مشروعة أو مادية، فحينما نتحدث مثلا عن إضراب عام، في ظل هذا القانون نتساءل اليوم هل سنسمع بـ(الإضراب العام) طالما أن النص اليوم لا يشير إلى هذا النوع».
وفيما يهم إجراءات تطبيق الإضراب، اعتبر المتحدث، أنها تبدو معقدة، مفسرا أن ما زادها تعقيدا هو إجبارية اللجوء إلى التفاوض قبل الإضراب، متسائلا في الوقت نفسه عن الضمانات التي أقرها هذا القانون، أو الذي صوت عليها المشرع من أجل ضمان إجبارية التفاوض في حالة رفض المشغل ذلك». وهي مسألة «تبرز علاقة التوازن ما بين الحق والواجب».
وحسب أستاذ القانون فإن مسألة الوساطة، التي نص عليها القانون تحتاج إلى حسن النية، إلا أنها قد تصطدم بسوء النية عند أحد الأطراف، وبالتالي لكي تكون فاعلة يجب أن يكون الأطراف متفقين على الوساطة. معتقدا في الوقت نفسه، أنه لو كانت «المؤسسات العامة والخاصة تستجيب لمطالب النقابات في الحدود المقبولة فلا حاجة إلى الإضراب من الأساس».
ونبه إلى أن الدستور يتحدث من خلال هذا القانون عن كيفية ممارسة حق الإضراب، ولا يتحدث عن كيفية تقييد هذا الحق أو تعجيزه أو منعه، وهو أمر مهم سيثير العديد من الإشكالات داخل الأوساط الحقوقية، مضيفا «وإلا ما فائدة هذا الحق إن كان سيحصر في النقابة الأكثر تمثيلية، وما مصير النقابات الأخرى، والتمثيليات». ومثل ذلك بـ» الدستور المغربي الذي يتحدث عن منع الحزب الواحد»، وتساءل «هل المغرب سيلجأ إلى النقابة الوحيدة».
وشدد على أن هذا المشروع يؤطر علاقة بين أطراف أساسية في المجتمع، تؤثر على الاستثمار والوظيفة العمومية، والقطاع الخاص، لهذا كان من الممكن أن يكون فيه توافق كبير ومقاربة تشاركية أكبر، وإشراك للخبراء والمهنيين والمعنيين بالأمر، حتى «نتمكن من إخراج نص مسبوك جيد لا ضرر فيه ولا ضرار».
وخلص إلى أنه مع دخول القانون حيز التنفيذ، ستنضاف إلى السلطة القضائية الضامنة لتطبيق القانون أعباء أخرى خاصة وأن النصوص غامضة في هذا القانون. داعيا الأحزاب السياسية والنقابات وكل الأطراف المعنية إلى الطعن في عدم دستورية بعض المواد التي تتعارض مع روح الدستور، والمادة 29 المتعلقة بالحق في تنظيم الإضراب وليس الحق في تقييده أو تحديد أنواعه.