2025 ماي 6 - تم تعديله في [التاريخ]

"تازة" و"غزة" : دعوة لوقف عبثية الجدل السياسوي حول الترتيب والأفضلية.. بقلم // يونس التايب

غزة


 
منطلق الحديث عن جدلية الترتيب والأفضلية بين "تازة" و"غزة"، يقتضي التذكير بموقف الدولة المغربية، كما عبر عنه بوضوح وفي عدة مناسبات، رئيس الدولة جلالة الملك محمد السادس، الذي يعتبر القضية الفلسطينية في مقام القضية الوطنية، تماما كما هو ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية قضيتنا الوطنية الأولى. 

ومن المؤسف أن وضوح الموقف المغربي الذي تتوحد فيه إرادة الملك والشعب وقواه الحية، لم يمنع بعض الفاعلين السياسيين والإعلاميين من تعمد تأجيج النقاش حول أي الصياغتين أولى: "تازة قبل غزة" أم "غزة قبل تازة". حتى صرنا أمام وضع يحضر فيه لدة البعض استنكار من من يقول العبارة بالصيغة الثانية، وشتم وتحقير من يقول بالصيغة الأولى، مع محاولة جعل الناس يعتقدون أن من يقول "تازة قبل غزة"، هو بالضرورة "متصهين" أو متواطئ مع حرب الإبادة والتجويع. 

كان المفروض أن يعتبر الجميع أننا بصدد أفكار وقراءات، يجوز أن تكون محل نقاش مفتوح، يرد فيه كل طرف على الآخر بما لديه من حج وقراءات ومعطيات، مع إبقاء باب التساؤل المنطقي والتفكير خارج الصندوق مفتوحا من أجل نقاش متجدد يساعد في أخذ كل الجزئيات والتفاصيل بعين الاعتبار لإيضاح الصورة بشكل أكبر. 

في هذا السياق، من حقنا أن نتساءل ما المشكل في أن يقول المواطن المغربي أن "تازة" أو الحوز والداخلة والكركارات أهم، وهو بذلك يقصد الوطن أولا، ويعتبر أن من الواجب إعطاءه الأولوية على غيره من الأوطان ومن القضايا؟ 

ألا يمكن أن تكون "تازة/الوطن" أولا، ثم تأتي "غزة/القضية الفلسطينية" ثانيا ؟؟ ما المشكل في ذلك، ما دامت "غزة/فلسطين" حاضرة بقوة في الصورة العامة لأولويات المغرب، دولة و شعبا، مباشرة بعد تازة، أو الحوز و الداخلة، أو إلى جانبها ...؟؟ 

لماذا لا يحرص البعض على أن يحمل خطابنا السياسي و تواصلنا، تازة و غزة معا، بنفس مجهود الترافع والحماس النضالي؟ وبأي منطق يبيح البعض السب و الشتم و الأوصاف المشينة في حق من لا يقول أن "غزة" أولى من "تازة"؟؟ 

هل يعتقد هؤلاء أننا يمكن أن نكون أكثر نفعا ل "غزة / فلسطين"، دون أن نستحضر أولوية الانتصار لتازة/المغرب في كل لحظة و سياق، ودون أن نبدي نفس الحماس النضالي المدافع عن قضايا وطننا كما نحرص على إظهار غضبنا لما تعانيه "غزة"؟؟ 

أليست قضية الصحراء نزاعا مفتعلا حول السيادة الوطنية للمملكة المغربية على جزء أصيل من أرضها، قتل في سبيله الآلاف من خيرة أبناء الشعب المغربي من جنود و ضباط قواتنا المسلحة الملكية المرابطين في الثغور الحدودية ؟؟ أليست دماء ضحايا الحرب الغاشمة التي تشن علينا منذ 50 سنة، هي أيضا دماء شهداء تركوا وراءهم أبناء أيتام و آباء عجزة و إخوة صغار و أزواج أرامل؟؟ أم أن الوعي النضالي للبعض لا يستطيع استيعاب أمجاد القضية الوطنية كملحمة لاستكمال الوحدة الترابية لتحرير الأرض من الاحتلال الإسباني الغاشم لأرضنا؟؟ 

ثم، من قال أنه يتعين، بالضرورة، أن يكون هنالك تراتبية بين "تازة" وبين "غزة" من حيث الأهمية؟؟ من أفتى بأن التفاضل بين السياقين ضروري، معقول ومفيد ؟؟ أليس الأفيد هو أن نتفق على أن لا مقارنة ولا تفاضل بين رمزيتين مختلفتين في الدلالة، باعتبار أن "تازة" لها رمزيتها في سياقها الوطني، ولها مقامها و للوطن قدسيته في المسار التاريخي للأمة المغربية، ولهما تحديات الحاضر و ما يحمله المستقبل من فرص ومخاطر، و"غزة" لها سياقها التاريخي الخاص، ولها مكانتها في مسيرة النضال من أجل التحرير والحق في دولة لشعب، خاصة في ظل المآسي وما يعانيه المدنيون والنساء والأطفال، بعد أحداث 7 أكتوبر 2023؟؟

ألا يكفي المغاربة أن الرابط المحدد للعلاقة بين "تازة" و"غزة"، هو ذلك المتفق عليه في الموقف الرسمي للدولة المغربية الذي يلتزم بخط التضامن، الرسمي والشعبي، تماشيا مع القيم الحضارية والإنسانية التي يحملها المغاربة، ويعبرون من خلالها عن رفضهم للظلم و القتل و الحرب ورغبتهم في دعم السلام وحل دولتين لشعبين؟؟ 

لماذا لا نتفق على عدم خلط الملفات و المفاهيم لتبرير الإساءات، سواء تلك التي بدت كأنها تشرعن التخوين واتهام بعض الأطراف باللاوطنية، أو تلك التي لجأت للسب والتجريح كممارسة سياسية جديدة تبتغي فرض الرأي الواحد بمنطق الصوت المرتفع ؟؟ 

لاشك أن لكل سؤال جواب واضح وضوح ما نحتاج إليه من عودة لممارسة التعبير عن المواقف النضالية، بعيدا عن تخوين المخالفين و التشكيك في نوايا من لديهم مواقف وقراءات مختلفة، قد نتفق معها وقد لا نتفق، ليظل الاختلاف حقا ورحمة، كما يقول الفقهاء. 

وبالتأكيد أن من فهموا خطورة الانزلاقات اللفظية التي عرفتها الساحة التواصلية والسياسية مؤخرا، سيوافقونني الرأي في استعجالية إغلاق قوس التهافت الديماغوجي الذي يسعى لتوظيف رمزية "تازة" ومأساة "غزة" في غير ما يحقق المراد والنفع، والعودة إلى نضال يحافظ على الوعي التضامني المغربي مشدودا إلى ساحة المأساة في غزة، برقي أخلاقي ونضج سياسي، عوض إغراق شوارعنا و نقاشاتنا بكم هائل من الانفعالات والتوترات التي لن تنفع لا غزة ولا تازة.

في هذا الباب، لابد من التذكير بموقف غالبية المغاربة، الذي كان وسيظل مشرفا، ولن يستطيع أحد إقناعنا بتغييره حتى لو تم استعمال الشتم و التجريح والتخوين. وهو موقف تجسده معادلة ثلاثية الأبعاد أوجزها كالتالي : 

1/ البعد الأول: 

القضية الفلسطينية في مقام قضية وطنية، والتضامن مع المقدسيين ومؤازرة أهل غزة، واجب في كل حين، خاصة في خضم المحنة التي يعانون منها حاليا. والتعبير عن رفض التقتيل وهدم المنازل و المستشفيات، أو المس بحرمة المساجد والكنائس ودور العبادة، ورفض الاعتداء على المدنيين من الأطفال والنساء، هو سلوك مشروع يعكس الحس الإنساني العالي للمغاربة، دولة و شعبا، ويندرج في إطار احترامهم للقانون الدولي الإنساني وإيمانهم بضرورة المساهمة في بناء السلام العالمي.

 2/ البعد الثاني:

قضية الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية، قيادة وشعبا، لأنها تجسد نزاعا مفتعلا منذ 50 سنة، أضاعت علينا فيه الجزائر مئات ملايين الدولارات، كان ممكنا أن تذهب للتنمية والتعليم والصحة والاستثمار في التجهيزات والبنيات الأساسية. و تسبب في قتل خيرة أبناء الشعب من القوات المسلحة الملكية الباسلة الذين نحسبهم شهداء عند ربهم. لذلك، ترتبط قضية الصحراء المغربية بكينونة الوطن، بوجوده و وحدته الترابية واستمرار سيادته، وهو ما يجعلها تستحق كثيرا من الحماس السياسي و التواصلي، و من المسيرات الشعبية والمهرجانات الخطابية التي تظهر للعالم مدى قوة انتصارنا للديبلوماسية الوطنية، ودعمنا لخطوات الدولة المغربية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها الملف. 

3/ البعد الثالث:

يعكس الحكمة والعبقرية المغربية التي تتجسد في الجمع بين دينامية التضامن الرسمي والشعبي مع أهل القدس وغزة، وبين التعبئة القصوى لإنهاء ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، من جهة؛ وبين رفض التخوين والتشكيك في نوايا أصحاب الآراء المخالفة، ورفض أي تحريض ضد المواقف والقرارات السيادية للدولة المغربية، أو تأجيج مشاعر الناس بما قد يمس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى للمغرب، من جهة ثانية. 
 
هذه هي المعادلة التي أومن بها، ولا أرى معادلة غيرها يمكن أن تمنحنا التوازن المطلوب بين البعد السياسي والبعد الأخلاقي، وبين الالتزام الوطني والحس الإنساني. 

وكل من يريدون فرض معادلة أخرى، إنما يقولون لنا: "اجتهدوا مثل اجتهادنا، وناصروا من نناصر، وإلا سنشتمكم ونفتري عليكم أنكم متصهينين"، أو "قولوا مثل قولنا ولا تفكروا بشكل مختلف وإلا سنخونكم وننزع عنكم وطنيتكم ...!!!!".

في قضية الصحراء المغربية، وفي القضية الفلسطينية، لن يقبل المغاربة أي معادلة ظالمة لوطنهم ومصالحه، ولن يسمحوا بتزوير المواقف المعبر عنها رسميا وشعبيا، من طرف من يصرون على الجدل العقيم الذي يخفي أجندات سياسية، انتخابية وتنظيمية، تهم أصحابها ولا تهم الوطن ومصالح المواطنين في شيء. 

لذلك، يتعين على كل من يدركون خطورة ما يجري في السياق الدولي الراهن، أن يلتزموا بالنضال لترسيخ الوطنية المغربية والدفاع عن قضايانا الاستراتيجية، دون الحرج من التعبير عن التضامن المشروع مع أهل غزة ولعب دورنا كاملا في المطالبة بإحلال السلام العادل وتنزيل حل دولتين لشعبين، كما هو مطلوب مع كل القضايا العادلة التي فيها ظلم أو تعدي على القانون الدولي الإنساني وخروج عن الشرعية الدولية. 

وفي انتظار حل سياسي عادل يوقف الصراع ويمنح كل شعوب منطقة الشرق الأوسط الحق في الحياة، علينا أن نلعب دورنا كاملا، ونتفاعل مع الأحداث بشكل صادق وعقلاني، بعيدا عن الانفعالات العابرة وخطابات التأجيج وإثارة الفتنة في غير موضعها، والامتناع عن نهج إخراج القرارات السيادية للدولة المغربية عن سياقاتها الموضوعية، والإساءة لعلاقاتنا مع شركائنا الدوليين، بمنطق سياسوي غير مقبول.  

كما يتعين رفض أي خلط بين نبل القضية الفلسطينية وذاتية الأجندات السياسية الفئوية الخاصة، لأننا في وطن يسير وفق الشرعية والمشروعية، نحترم منطق الدولة في تدبير الأمن القومي الاستراتيجي في ظل الدستور والثوابت الوطنية، وندافع عن إرادة الشعب في المساهمة في المشروع التنموي الوطني الذي يقوم على تعزيز الديمقراطية وسمو القانون والمشاركة المواطنة والاحتكام للفعل المؤسساتي. 

و #سالات_الهضرة

الكاتب: يونس التايب



في نفس الركن