2022 أبريل 3 - تم تعديله في [التاريخ]

تقرير حول "التغطية الإعلامية لحادث الطفل ريان"

النقابة الوطنية للصحافة المغربية تنبه إلى الخطر الذي يتهدد أخلاقيات مهنة المتاعب


العلم الإلكترونية - الرباط 

أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أخيرا، تقريرها الخاص برصد وتتبع
 
"التغطية الإعلامية لحادث الطفل ريان"، سلطت من خلاله الضوء على أهم الخروقات المرتبطة بأخلاقيات الممارسة المهنية، خاصة وأن تغطية حادثة الطفل ريان قد شابها العديد من الانزلاقات من قبل بعض الصحافيين والصحافيات، مما أثار استياء الرأي العام. 
 
وقد عملت النقابة على انجاز هذا التقرير، الذي يرصد تغطيات الصحف الإلكترونية لحادثة الطفل ريان من زاوية أخلاقيات المهنة، بهدف تقييم هذه التغطيات وتنبيه الزميلات والزملاء الصحافيات والصحافيين إلى المزالق التي قد يقع فيها الصحافي أثناء هذه التغطيات، خصوصا المرتبطة بحادث ذي طابع مأساوي يستأثر باهتمام الرأي العام المحلي والوطني والدولي، وذلك من أجل تجاوزها مستقبلا.
 
وقد اعتمد التقرير على منهجية قائمة على تتبع المادة الإخبارية المبثوثة عبر الفيديوهات، والتي تزاوج بين الإخبار والتعليق أو الحوار، والتي اعتمدت تقنية البث المباشر التي يكون فيها الصحافي عرضة إلى ارتكاب أخطاء مهنية مما يستلزم يقظة دائمة، كما اعتمدت على رصد المادة الخبرية المكتوبة أو المصورة، وقد اعتمد تقييم المواد المرئية والمكتوبة على مرجع معياري متمثل في "الميثاق الوطني لأخلاقيات المهنة" الذي أصدره المجلس الوطني للصحافة والمنشور في الجريدة الرسمية في 29 يوليوز 2019.
 
واستحضر التقرير التدخل الاستباقي الذي قامت به كل من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والمجلس الوطني للصحافة، حيث أصدر كل واحد من المؤسستين المهنيتين بلاغا مباشرة بعد أن أصبحت قضية إنقاذ الطفل ريان تحظى بمواكبة عالمية، وتكررت النداءات الموجهة إلى الصحافيين للتقيد بأخلاقيات المهنة أثناء تغطية عملية الإنقاذ المعقدة. وعبر المجلس الوطني للصحافة في بلاغه الصادر في 4 فبراير 2022، والذي تناقلته منابر إعلامية، عن "أسفه الشديد لبعض الممارسات المشينة التي صاحبت تغطية محاولات إنقاذ الطفل ريان"، مسجلا "العديد من الخروقات المخالفة لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، والتي تم ارتكابها من طرف بعض الصحف الإلكترونية، في تجاهل تام للمبادئ الإنسانية التي يتضمنها الميثاق المذكور، والتي من المفترض أن تلتزم بها المقاولات الصحافية والصحافيون المهنيون، خاصة في ظل أزمات وفواجع". كما وجه دعوة إلى مختلف وسائل الإعلام "من أجل الالتزام بأخلاقيات المهنة ومبادئها النبيلة وقواعدها"، منبها إلى أن "تغطية الفواجع الإنسانية، تعتبر محكا رئيسيا لمدى احترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعية وحرصها على ألا تحول الفواجع إلى وسيلة للربح والارتزاق".
كما ودعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بلاغ لها بتاريخ 4 فبراير عموم المراسلين والصحافيين المتواجدين في مكان الحادث وكل المواقع والمنابر المهنية إلى "التحلي بالأخلاقيات المهنية التي تفرض التثبت من الخبر قبل إعلانه، والابتعاد عن العناوين والجمل التي تحفل بالإثارة"، و"انتقاء المحاورين ممن تتوفر فيهم الأهلية، والابتعاد عن محاورة وتصوير القاصرين".
 

خروقات تنوعت بين مخالفة بنود المسؤولية المهنية والمسؤولية إزاء المجتمع

وتضمن تقرير النقابة مجمل الخروقات المرصودة تغطية الصحف الإلكترونية لفاجعة الطفل ريان، والتي تنوعت بين مخالفة بنود المسؤولية المهنية حيث تناقلت العديد من المواقع الإخبارية بثا حيا بعناوين مختلفة تدعي الوصول إلى الطفل ريان والاقتراب من إخراجه من البئر، وهي أخبار تكررت على مدار الساعة منذ بدء فريق الإنقاذ عملية الحفر حتى لحظة الإعلان عن الوفاة، وبرزت هذه العناوين بكثافة لدى موقعي "شوف تيفي" و"آش واقع". وقد ترتب عن هذا السلوك تضارب في المعلومات وخلق لبس لدى الجمهور الذي يتابع تطورات الحادثة وطنيا ودوليا، لأنه قد جرى نقل مباشر لهذه التغطيات على العديد من القنوات الإخبارية العربية وأبرزها قناة "الجزيرة" و"العربية" و"الغد" و"العربي".
 
كما وعمد موقع "الجديد نيوز" إلى نشر تسجيل على حسابه في "تويتر" بعنوان "لحظة إخراج الطفل ريان ونقله لتلقي العلاج اللازم"، فيما تبين أن الخبر زائف، وأن التسجيل قديم لا يرتبط بحادثة محاولة إنقاذ الطفل ريان، بل يعود إلى توثيق عملية إنقاذ نفذتها فرق الدفاع المدني العراقية لطفل سقط داخل بئر بعمق 35 متراً في منطقة تازة جنوبي محافظة كركوك، في 31 دجنبر 2021. 
 
ونشر موقع "سوس بلوس" الإخباري صورة يدعي أنها لفريق الإنقاذ المغربي أخذت بواسطة طائرة الدرون، وهو ادعاء غير صحيح إذ إن الصورة قديمة وتعود إلى توثيق عملية إنقاذ طفل سقط في بئر في إدلب السورية في مارس 2021، ولا علاقة لها بعملية إنقاذ الطفل المغربي ريان نواحي شفشاون.
 
واعتبر التقرير أن هذه الممارسات السالفة الذكر تتنافى مع محور "المسؤولية المهنية" من نص الميثاق الوطني لأخلاقيات الصحافة، الذي ينص على مبادئ رئيسية وهي: البحث عن الحقيقة من خلال نشر معلومات صحيحة مستقاة بطرق سليمة ومعالجة بشكل، وتجنب الاختلاق والتضليل ونشر الأخبار الكاذبة أو فبركة الصور أو الفيديوهات، والافتراء والتحايل على المتلقين في الصحافة والمواقع الإلكترونية، وتجنب تزوير المعطيات من خلال التزام المنابر الإعلامية بالنزاهة في الإعلان عن تغطياتها الموجهة لشركائها وللجمهور. 
 
 وفيما يهم المسؤولية إزاء المجتمع، فقد تم تصوير الطفل ريان في قاع البئر بوجهه الدامي، وفي وضعية إنسانية صعبة، مما شكل ضررا بمشاعر عائلته، وقد نقلت عدد من المواقع الإلكترونية هذه الصور وهي: "le360" و"شوف تيفي" و"أخبارنا" و"الزنقة 20" و"هبة بريس" و"ماروك ميديا" و"أنتلجينسا"، وتعد هذه الممارسة خرقا لمبدأ الحق في الصورة، حيث لكل شخص الحق في تملك صورته وطرق استعمالها من طرف الغير، اللهم إذا كانت الصورة المستعملة تدخل في إطار ضرورات الإخبار أو مبررة موضوعيا بمصلحة عامة، أو إذا كان المعني بالأمر شخصية عمومية، أو موافقا على التقاط صورته واستعمالها، لكن هذه الشروط لا تتحقق في حالة الطفل ريان فهو قاصر في وضعية مأساوية.
 
إضافة إلى محاورة أسرة الطفل وهم في وضعية إنسانية جد صعبة، وملاحقتهم وتصويرهم وهم في حالة من التأثر الشديد وطرح أسئلة عليهم لا تمت للمهنية الصحفية بصلة، وقد أتى هذه الممارسة جل المواقع الإلكترونية التي كانت في موقع الحادث، ويعد هذا السلوك انتهاكا لمبدأ احترام الكرامة الإنسانية المنصوص عليه بالميثاق الذي يأتي تفصيله: "من واجب الصحافة احترام كرامة الإنسان في كل التغطيات الإخبارية نصا وصورة وصوتا، ولا يجوز استغلال لحظات الضعف الإنساني أو الإعاقة العقلية أو الجسدية لخرق مبدأ احترام الكرامة الإنسانية، كما لا يجوز نقل صور البشاعة أو العنف أو التشوهات الجسدية، ويجب تجنب التقارير التي من شأنها أن تشكل ضررا لمشاعر الضحايا أو ذويهم، وخصوصا في الحوادث والكوارث الطبيعية والجرائم والحروب".
 
كما وعمل بعض الصحافيين إلى تصوير واستجواب أطفال قاصرين وهم في حالة صدمة ووضعية نفسية صعبة، جراء التأثر بالحادث، وكذا نشر صور قاصرين عبر أشرطة مصورة بمحيط عملية الإنقاذ، بغرض الإثارة المجانية، دونما الأخذ بعين الاعتبار لوضعيتهم النفسية أو سنهم. واعتبرت النقابة هذه الأفعال منافية بشكل قطعي مع مبدأ حماية القاصرين، حيث ينص الميثاق على وجوب حماية القاصرين وصورهم في قضايا حساسة اجتماعيا، وتجنب أن يكونوا موضوع فيديوهات يتم استدراجهم لها بغرض الإثارة المجانية، أو أن يكونوا هدفا لأشرطة مصورة تتضمن العنف والميوعة وانحدار القيم الإنسانية.

تكوين الصحافيين في مجال أخلاقيات المهنة أول التوصيات

وأوصى التقرير، من خلال رصده للتغطيات الإعلامية لعملية إنقاذ الطفل ريان أورام، والتي شهدت حصول انزلاقات فيما يخص احترام أخلاقيات المهنة، وهي خروقات مترتبة أحيانا عن جهل الصحافيين المهنيين بالقواعد المهنية، وأحيانا أخرى بتجاوزها عمدا بحثا عن الإثارة أو جلب المشاهدات أو التنافس على السبق الصحافي، بـ: 
 
تكوين الصحافيين في مجال أخلاقيات المهنة، سواء عبر إحداث تكوينات أساسية في معاهد التكوين العمومية والخاصة، أو من طرف المقاولات الإعلامية.
 
تعميم ميثاق أخلاقيات المهنة على جميع الصحافيين وإنتاج دلائل مساعدة.
 
التزام المؤسسات الإعلامية الصارم بالتقيد بأخلاقيات المهنة، واضطلاع رؤساء التحرير ومدراء النشر بمسؤولياتهم في "فلترة" المعالجات الإعلامية التي لا تحترم أبجديات العمل المهني ولا تلتزم بأخلاقيات المهنة.
 
حزم المجلس الوطني للصحافة في تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانونه الأساسي ضد المخالفين لأخلاقيات المهنة سواء الصحافيين أو المقاولات المشغلة.



في نفس الركن