2021 مارس 29 - تم تعديله في [التاريخ]

تنويهٌ بـ"شجاعة" حزب الاستقلال في تنظيم ندوة حول أحداث الريف لسنتي 1958 و1959

العمقُ والتفاعل والمصارحة في أفق المصالحة، والتوفق في مقاربة الإشكال المطروح وهو كشف حقيقة ما حدث، من أهم ما اتسمت به الجسلة الثانية من الندوة الوطنية حول أحداث الريف لسنتي 1958 و1959، الموسومة بـ"قراءة في الذاكرة: رؤى متقاطعة وشهادات"، التي نظمها حزب الاستقلال بمركزه العام في الرباط السبت الأخير، حيث سير الجلسة نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب.


العلم الإلكترونية - عبد الناصر الكواي 
 
حاضر في هذه الجلسة، الدكتور محمد معروف الدفالي، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة الحسن الثاني في كلية عين الشق بالدار البيضاء، رئيس جمعية الذاكرة والتاريخ بالكلية نفسها، والنائب الثاني لمديرة مركز محمد بلحسن الوزاني للديمقراطية والتنيمة، وذلك في موضوع: "حدود وأدوار الفاعل السياسي في أحداث 1958 و1959 بالريف".
 
كما حاضر في الجلسة ذاتها، الدكتور المصطفى بوعزيز، وهو مؤرخ وباحث، وذلك في موضوع: "تداعيات أحداث 1958 و1959 بالريف والمصالحة غير المكتملة".

أحكام مسبقة

في مستهل هذه الجلسة، التي حضرها الدكتور نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال وعدد من أعضائه، ولفيف من المثقفين والباحثين، قال رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، نور الدين مضيان، وهو ابن الريف، لقد ترسخت في أذهان ساكنة المنطقة أحكام مسبقة حول أحداث الريف لسنتي 1958 و1959، مشيرا إلى أن للفاعل السياسي قراءته المختلفة عن الآخرين في هذه الأحداث إلى يومنا هذا.
مضيان: لقد ترسخت في أذهان ساكنة المنطقة أحكام مسبقة حول أحداث الريف
وأضاف مضيان، في معرض كلمة مقتضبة في مستهل تسييره للجلسة، أن هذه أول ندوة خلال ستين سنة كاملة تحت هذا العنوان، موضحاً أن هدفها بالخصوص هو الكشف عن حقائق تلك المرحلة التي لازالت راسخة في أذهان المغاربة عامة والريفيين بالخصوص، في ظل قراءات وتحليلات مختلفة.
 
وكشف المتحدث، عن الإصرار الشديد الذي وقع في حزب الاستقلال بغاية فتح هذا الملف، لا سيما أن معظم العامية من ساكنة الريف ترسخت في أذهانهم أحكام مسبقة حول هذه الأحداث وهي أحداث تروى بشكل شفوي، وتروّج لأكاذيب وشعارات في تلك الفترة في محاولة لإلصاق التهمة لحزب سياسي محترم كان له الفضل في الاستقلال وعودة الملك محمد الخامس.
 
وفي مداخلته، المعنونة بـ"تداعيات أحداث 1958 و1959 بالريف والمصالحة غير المكتملة"، نوه الدكتور محمد معروف الدفالي، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة الحسن الثاني في عين الشق، بشجاعة منظمي الندوة وبالأمين العام لحزب الاستقلال خصوصا في التطرق لهذا الموضوع الشائك.

الاعتذار من أجل المصالحة

واعتبر رئيس جمعية الذاكرة والتاريخ نفسه، أن الاعتذار دائما ليس عيبا بل به يمكن أن يصلح عدة أشياء، وقال إن هذا الموضوع الذي مازال يتردد منذ سنة 1958 يجب أن يتم الحسم فيه من أجل الوطن بالدرجة الأولى وحزب الاستقلال أيضا. بين أن مساهمته في معالجة الموضوع بوصفه قضية ساخنة، تأتي في سياق يرى فيه البعض نوعا من الطابوهات بسبب غياب أو ندرة الوثائق المساعدة على الكتابة في هذه المرحلة، وعدم توفر المسافة الزمنية المساعدة على كتابة تاريخية متحررة من الأهواء، وكذا التداخل بين الذاكرة والتاريخ في مثل هذه المواضيع.
 
وأكد النائب الثاني لمديرة مركز محمد بلحسن الوزاني للديمقراطية والتنمية نفسه، على أن أغلب الوثائق المتعلقة بموضوع توترات بداية الاستقلال بعيدة عن متناول الباحث في بلادنا حتى الآن، بينما المتوفرة منها هي تلك المتعلقة بالأحزاب أساسا والتي تؤرخ للصراع والإيديولوجيا، مبينا أن المؤرخ في هذه الحالة مضطر للاستعانة ببعض السياقات والقضايا المحيطة بتلك التوترات من أجل إلقاء الضوء على خطوطها العريضة في انتظار ظهور وثائق تسمح بالحديث عن الجزئيات والتفاصيل.
 
وفي هذا السياق يقول الباحث، يمكن الاستعانة ببعض المقولات المتداولة، منها مقولة "الثورة تأكل أبناءها"، بالإضافة إلى مقاربة المراحل الانتقائية. وقال إن مختلف ثورات التحرر تخبر عن الصراع المندلع عقب انتصار تلك الثورات بين تيارات قيادتها.
 
وأظهر الباحث، أن استقلال المغرب أظهر مجموعة من التناقدات الثانوية التي باتت رئيسية بين مختلف الفعاليات التي ساهمت في استرداد الاستقلال، موضحا أن جميع عناصر الاستقلال كان لهم طموح في الحكم. واستنتج أن هذا الواقع يمكن تناوله من أبواب مختلفة منها طموح الأحزاب في بداية الاستقلال، تسييس المقاومة وجيش التحرير..
 
واعتبر المحاضر، أن الأحزاب الوطنية آنذاك وعلى رأسها حزب الاستقلال بوصفه أكبر حزب وطني وسع قاعدته، ومجموعة من الأحزاب تكتلت في مقابله، بينما أحزاب أخرى انزوت، مُبدياً ملاحظة رئيسية هي رغبة كل حزب من هذه الأحزاب في التوسع لما يعطيه من مشروعية في الحكم، وهو ما وازاه عامل آخر هو المقاومة في المدن وجيش التحرير في القرى، وما تم من محاولة تسييس لهاتين الفعاليتين.
 
وهذا أفرز، حسب تحليل المتدخل، تساؤلات حول من هو الحزب الذي ينتمي إليه أكبر عدد من هؤلاء. وهنا ظهر دور جيش التحرير، وكيف أن من يستقطبه يستطيع استقطاب جيش أولا ومنطقة ثانيا هي الشمال حيث يتمركز. وقال إن هذا الجيش المؤسس في شرق المغرب على يد محمد بن عبد الكريم الخطابي كان محط اختلاف منذ البداية، حيث إنه لم ينجح في تحرير إفريقيا ليتحول إلى تحرير شمال أفريقيا.

صراعات بالجملة

الدفالي: يجب الحسم في ما وقع بالريف من أجل الحزب والوطن بأكمله
وتطرق الدفالي، إلى الانقسام حول جيش التحرير، وكيف أن أحمد زياد كزعيم في حركة الاستقلال أدى ثمنا كبيرا بسبب مناهضته لجيش التحرير. وطرح تساؤلات من قبيل لمن يتبع هذا الجيش هل للقيادة المغربية أم للخطابي أو للممول الرئيسي له بالسلاح وهو المخابرات الناصرية؟ واعتبر أن فهم هذه الأمور مفتاح لفهم الوضعية.
 
وقال الباحث التاريخي عينه، إن النقاش داخل الحركة الوطنية كان هو هل يستمر جيش التحرير بعد الاستقلال، أم يتوقف وينظم عناصره إلى الجيش الملكي؟ خاصة في وجود جيش نظامي. وقد كان لهذا الاختلاف ما بعده، وما حدث مع جيش التحرير في الجنوب بعد ما حل في الشمال.
 
وذكر الباحث بما عرفته هذه المرحلة من صراع بين الإخوة الأعداء، حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي، وما حدث من اختطافات واغتيالات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تبادلت أحزاب الحركة الوطنية التهم حولها. وبنظر الدفالي، فإن أحداث سنة 1958 هي نتاج لما وقع قبل ذلك في سنة 1956.
 
والجانب الثاني، متعلق بالبادية حيث نشبت هذه الأحداث في مناطق مثل وجدة والخميسات والناظور والريف ووالماس، وذلك بالنظر لخصوصية البادية، حيث كانت تمنع سلطات الحماية على الوطنيين التسلل إلى البادية، وكان المستعمر يتخوف من تسييس البادية وقيام حركة مقاومة جديدة بعد سنة 1937. وهو ما أدت الحركة الوطنية ثمنه غاليا، وهذا ما نجم عنه بعد الاستقلال، واتضح أن المدينة يمكن تسييرها بالمنطق السياسي الحزبي، على عكس البادية التي كانت ممنوعة من أي خطاب سياسي، ثانيا الأحزاب التي حرمت من البادية كانت مشتاقة للبادية.
 
وبالفعل، جاءت سنة 1956، يقول المحلل نفسه، وأقبل سكان البادية وفق ملاحظين مثل "ريزيت" بشكل كبير، لكن ذلك تم وفق منطق قبلي، وهو ما تلته ثورات الفلاحين وما شابهها. وهو ما عزاه المحلل إلى عدم الرجوع إلى الوراء لتدبر ماذا حدث.
 
وعلى المستوى الإداري، قال المتحدث إن أغلب الموظفين المعينين في البوادي من المدن لم يستطيعوا التعامل مع القرى، إلى جانب ضعف التكوين الإداري والعنجهية التي تعامل بها هؤلاء الموظفين مع سكان البادية، والتي خلقت نوعا من الشعور بالدونية لدى البدو ومقارنة بين المستعمر بالأمس وسلطة المغاربة اليوم.
 
هناك عامل آخر، هو مساهمة سكان البادية في الاستقلال ورغم ذلك تم تهميشهم، وهو ما دفع بهؤلاء إلى التمرد. وأغلب هذه التمردات أو الانتفاضات أو الاحتجاجات يفهم من خلال السياق، مثل جفاف سنة 1957 وما واكبه من ندرة، جعلت العطايا والمعونات تجمع للريف من مختلف الجهات مرتين أو ثلاث مرات مما يدل على استفحال الأزمة الاقتصادية.
 
وإلى جانب الأزمة الإدارية والاقتصادية، هناك أزمة البطالة، فبعد حرب التحرير قطعت على شباب المنطقة طريق العمل بالجارة الجزائر، مما أذكى أزمة اجتماعية. وكل هذه العوامل تفسر التحركات التي عرفتها المنطقة.
 
وتحدث عن الحكومات الثلاث المتعاقبة على الحكم بعد الاستقلال، وكيف انسحب الشورى والاستقلال من حكومة البكاي الثانية، وكيف كان يرى حزب الاستقلال نفسه في هذه المرحلة بوصفه صاحب أغلبية في الحكومتين الأولى والثانية، ثم حكومة منسجمة مع بلفريج. وكيف أن الحزب شارك في الحكومة على مضد إرضاء للملك، لعدة حيثيات منها قوة الحزب ورغبته في تكوين حكومة خاصة به.
 
وشدد على ضرورة فهم مواقف التنظيمات السياسية في هذه المرحلة، مثل تأكيد حزب الشورى والاستقلال على أحقيته النضالية والسياسية في المشاركة في الائتلاف حتى تنظم انتخاباتٍ لاحقاً، والحزب الشيوعي رغم حظره يؤكد على أنه لا يختلف كثيرا مع حزب الاستقلال ومن حقه المشاركة إلى جانبه في الحكومة.
 
وهنا ظهرت مكونات في حكومة البكاي الثانية، ترى أن بإمكانها التصدي لحزب الاستقلال في حال تكتلها، ومن هؤلاء من كان في المقاومة ومن كان في جيش التحرير وغيرهما، ورغبة الوصول إلى السلطة دفعتهم إلى إحداث تنظيم جديد اتخذ من البادية قاعدة له.... وأحيانا خلق ذلك صراعات بين هؤلاء الموظفين والسكان.
 
وانتقل المحاضر، إلى نقطة أخرى تخص عباس لمسعدي، هل هو مع استمرار جيش التحرير أم مع إنهائه؟ وهنا استشهد بمنشور تم ترويجه في هذه الفترة بفاس يقول فيه محمد بن عبد الكريم الخطابي بضرورة استمرار جيش التحرير إلى أن يُحرر كامل شمال إفريقيا، مشيرا إلى فرق هو أن محمد بن عبد الكريم الخطابي في الفترة الملكية ليس هو نفسه في الفترة الملكية، حيث إن الاستخبارات الناصرية أصبحت متحكمة في كل شيء، وتسليح جيش التحرير يأتي من إسبانيا.
 
وهنا أشار إلى قوة الحركة الوطنية في شرق المغرب، وقال إن هذه الحركة حينما طلبت منها الناصرية مقابل دعمها أن تعمل على حل الأحزاب السياسية رفض جميع الوطنيين ذلك، على عكس ما حدث في الجزائر. وذلك للفرق بين الحركة الوطنية التي خلقت في المغرب ولجأت إلى القاهرة ليتم تدويل القضية الوطنية على مستوى جامعة الدول العربية، وجبهة التحرير الجزائرية التي خلقت في مصر وكانت تابعة كلية للناصرية وحركة الضباط الأحرار، وبذلك ضغط على كل التنظيمات السياسية في الجزائر للانضمام إليها أو أن تحل نفسها.

الفاعل السياسي في أحداث الريف متعدد

وخلص الدكتور معروف الدفالي، إلى أنّ ما وقع في الريف بين سنتَي 1958 و1959، نتيجة من نتائج ما جرى قبله. ووضح ذلك، بأن المغرب دخل في مرحلة ما بعد الاستقلال وهو منقسم سياسيا، وبدون إدارة قادرة على تسيير أموره، وهو في أزمات اقتصادية متتالية، والإصلاحات التي قام بها لم تكن في المستوى المطلوب.
 
واعتبر في هذا الصدد، أن مجموع الاضطرابات التي حدثت، كل الكتابات حولها تؤكد أنهم حتى عيد العرش لم يوقروه، حيث وقعت انفجارات ووقع قتلى في عدة مناطق. كما نسب ذلك للتفاوت بين البنيات التي خلفها الاستعمار ما بين المنطقة الإسبانية (بنيات ضعيفة)، والفرنسية (بنيات جيدة) نسبيا.
 
وقال الدكتور المحاضر، إنّ ما حدث في الريف لم يتضرر منه حزب الاستقلال وحده، لكن حتى باقي الأحزاب الوطنية والمجتمع المغربي... وذلك من خلال انشقاق في حزب الاستقلال، واضمحلال حزب الشورى والاستقلال، والصراعات التي نشأت بين الأحزاب، مشددا بأن الفاعل السياسي في ما أحداث 1958 متعدد.
 

تفاعل شمال المغرب مع جنوبه

وفي مداخلته، شدد الدكتور المصطفى بوعزيز، على أن التوجه الوحدوي ثابت لدى أهل شمال المغرب، مذكرا بلحظات مشرقة من تفاعل شمال البلاد مع جنوبها، وذلك في إطار فهم سؤال "لماذا لم تكتمل المصالحة".
 
في هذا الصدد، استحضر المتحدث الحاج عبد السلام بنونة، الذي وصفه بأب الوطنية المغربية، مؤكدا على أنه همش مثلما همشت رموز أخرى من ضمنها السلطان سيدي محمد بن يوسف، والزعيم علال الفاسي، والحسن الوزاني، وآخرون. وسجل أن بنونة دخل إلى الظل بعدما بلور مفهوم الحماية، والتي لم تتحقق في منطفة النفوذ الفرنسي التي تحولت إلى حكم مباشر استعماري، وهو ما لم يكن في الشمال أي المنطقة الخليفية، حيث إن الحاج عبد السلام بنونة والنخبة التي أحاطت به جعلت ممارسة الإسبان في الشمال حماية.
 
كما ذكر بوعزيز، بالإشعاع الكبير لبنونة ابتداء من سنة 1916، وذلك من خلال أعمال متعددة مثل المطيعة وخلق مؤسسة منتجة للكهرباء ومعاهد، بينما لم ترد المنطقة السلطانية حتى أواسط العشرينات. وشدد أن وقع حرب الريف على الشباب هو الذي سيعطي نفسا لجيش التحرير وثورة الريف على منطقة النفوذ الفرنسي.
 
وبشأن مرحلة الجمهورية الإسبانية، أشار المحاضر إلى نقطتين أولهما أن الجمهوريين الإسبان كانوا يطالبون بجلاء قوات بلادهم من المستعمرات بما فيها شمال المغرب، وفي هذه المرحلة خلق حوار بين عبد السلام بنونة وشكيب أرسلان وعبد الخالق الطريس، وعلال الفاسي وهم جميعا في ذلك الوقت في العشرين من عمرهم، وكان السؤال هو هل نحن قادرون على الاستقلال في المنطقة الشمالية؟ وإذا تم ذلك إلى أين سيتجه؟ وهل ستترك فرنسا المجال إذا انسحبت منه إسبانيا؟
 
وأفاد الباحث ذاته، بأن هذه الفترة شهدت ظهور ما نطالب به الآن من حكم ذاتي موسع في الصحراء المغربية، وإدارة موسعة مع مطالبة الإسبان بالبقاء في الجهة الشمالية، ومحاولة إقناعهم بأن بقاءهم هذا هو مواجهة للاستعمار الفرنسي. وبالفعل، زار وفد من هؤلاء رئيس الجمهورية الإسبانية برئاسة عبد السلام بنونة.
 
كما استشهد بوعزيز، بزيارة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى طنجة مرورا بعدة محطات في الشمال، والتي كانت من هندسة المهدي بنبركة، وهي علاقة بين الشمال والجنوب تعطي إشراقات للتوتر. فالحركة الثقافية ظهرت في الشمال وكان لها أثر في المنطقة السلطانية، وكذا دعم الصحافة، وبعدها صارت المنطقة الشمالية خلفية للمقاومة إلى أن تأسس جيش التحرير.

جيش التحرير والريف

وأكد المحاضر، أن جيش التحرير الذي كان متمركزا بالريف الشرقي، باعتباره العمود الفقري الذي واكب مسار المناقشات مع الاستعمار الفرنسي والإسباني، لم يستفد من عمليات بناء الدولة الوطنية وتم تجاهله بعدم إلحاقه بالجيش الملكي الشيء الذي اعتبره تهميشا، وتفضيل جيش الوحدات التي كانت تخدم الاستعمار عليه، من بينهم عشرة آلاف جندي بضباطهم من الجيش الفرنسي، خمسة آلاف من الجيش الإسباني، إلى جانب جيوش أخرى من مناطق مختلفة من البلاد.
 
وذكر أن هذا الإشكال قد خلق شيعا داخل حزب الاستقلال، انقسمت بين مؤيد ومعارض لفكرة ضم جيش التحرير باعتباره قاعدة الجيش الوطني أو تبني الوحدات من الجيوش الاستعمارية كقاعدة للجيش الوطني كونها متوفرة على الإمكانيات الاحترافية اللازمة.
 
وأشار إلى أن فتيل غضب أهل هذه المنطقة اشتعل منذ تجاهل الوطن لمجهودات جيش التحرير مما خلف شعورا بالتهميش والضرر و"الغرق في منطقة المغرب غير النافع"، والذي انضاف إليه استراتيجية التعامل المتخذة ضد الشمال والمبنية على الحذر مع نظرة دونية واحتقارية وصفها "بالكسر الذي لم يجبر بعد".
 
واعتبر أن ما سبق كان عاملا في تشكيل صورة خاطئة في المخيال السائد حول المنطقة وأهلها مضيفا خطاب الحسن الثاني خلال أحداث 1984 وما ترتب عنه على مختلف المستويات، وكذا أحداث دجنبر، الشيء الذي كثف العنف والسلطوية والحذر تجاه أهل الريف، مستدلا في هذا الإطار بمقال للراحل محمد العربي المساري الذي وصفه بالمقال الهادئ والمليء بالألم المستبطن جراء خدش كرامة أهل الشمال.

الاعتذار لإعادة الاعتبار

بوعزيز: التوجه الوحدوي ثابت لدى أهل شمال المغرب والاعتذار يعيد الاعتبار
وانتقد بوعزيز المشاريع الجهوية السابقة والحالية، باعتبارها تتجاهل وتستهتر بالمعطيات التاريخية والثقافية عبر تقسيم المناطق بشكل يكون فيه الهاجس الأمني هو الأساسي وليس التنمية المبنية على التفاعل بين الإنسان وثقافته وبيئته.
 
وقال إن "الأحداث الأخيرة منذ 2016 إلى الآن، هي نتيجة عدم الاستفادة من التجارب السابقة مع الصحراء المغربية، مستدلا بملف البوليساريو وبدايات زعمائه المغاربة جميعهم، ومطالبهم التي كانت عبارة عن احتجاجات للرجوع لبلدهم ووصفهم أنهم كانوا مغاربة أكثر من المغاربة لولا الطريقة الأمنية التي استعملت ضدهم والتي كانت أحد الدوافع لحالتهم الآنية."
 
وأشار المتحدث، إلى أن عدو الريف والوطن المغربي هو بنية واحدة، وأن المطروح ليس المصالحة وإنما رد الاعتبار وإدماج كل المغاربة في وطن واحد، مضيفا أن فكرة الوطن غامضة تدرجت في التاريخ من وطن روحي إلى وطن ترابي، إلى وطن سياسي ثم إلى وطن المواطنة الذي يجمع كل المغاربة والذي لازال في طور التشكل، بالتالي فالانتقال إلى مستويات أخرى من ضمنها رفع الضرر ورد الاعتبار لأهل الريف مرتبط بتطور ماهية هذا الوطن.
 
وختم مداخلته بأن إعادة الاعتبار تبدأ من الاعتذار لكل من حصل لهم غبن من لدن الوطن الغارق في مركزيته وفق تعبيره، وأن الطريق الوحيد الذي يمكننا من العبور إلى وطن المواطنة هو الحوار والتواصل.



في نفس الركن