2025 أكتوبر 1 - تم تعديله في [التاريخ]

جيل Z بين السلمية والفوضى


العلم الإلكترونية - بقلم هشام الدرايدي 
 
 
ما عايشناه ببعض المدن المغربية، من بينها وجدة والدار البيضاء وإنزكان، مساء أمس، من أحداث خرجت عن إطارها الطبيعي بعدما تحولت احتجاجات شبابية إلى أعمال فوضى وعنف حزب في نفوسنا وجعلنا نعيد النظر في ماهية هذه الوقائع وتوقيتها والهدف منها، فقد طغت هذه الفوضى على الصورة الأصلية التي كان يفترض أن تظل سلمية وحضارية، وما وقع من تكسير سيارات المواطنين، وإضرام النار في حاويات النفايات، ورشق القوات العمومية والمارة بالحجارة، وعرقلة الطريق السيار، ترك انطباعا سلبيا لدى الرأي العام، وأساء إلى المطالب التي رفعها جيل Z في لحظة أرادها كثيرون أن تكون محطة للتعبير المسؤول عن هموم اجتماعية ملحة نموذجا ويضرب بها المثل.
 
وإن كان التظاهر حقا دستوريا مكفولا، فإن شرطه الأساسي هو السلمية، غير أن الممارسات التي شهدتها شوارع بعض المدن ضربت هذا الشرط عرض الحائط، وتحولت إلى فوضى تبحث لنفسها عن شرعية زائفة عبر تأسيس انفلات أمني يضر بالمصالح العامة، ويحبط الجهود التنموية التي تكافح البلاد من أجل إنجازها، كما أنها تنقل صورا مشوهة عن المغرب، يستغلها أعداء الوحدة الترابية ويوظفونها مادة دعائية في منابرهم وخطاباتهم، وهنا يطرح السؤال: ما معنى المطالبة بالكرامة والعدالة عبر أساليب تسلب كرامة الآخرين وتنتهك ممتلكاتهم؟ التخريب والإيذاء لا يضيفان قوة للمطالب، بل يسقطان شرعيتها ويحولانها إلى عبء مجتمعي.
 
والأخطر من ذلك هو التوقيت المختار للخروج والتصعيد، في وقت تخوض فيه المملكة معارك دبلوماسية حاسمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتسير بخطى ثابتة في مشاريع تنموية كبرى تستهدف تعزيز الاقتصاد الوطني وتوسيع فرص الرفاه الاجتماعي، كما تزامنت هذه الأحداث مع انتشار واسع لفيديوهات مفبركة ومضامين رقمية مضللة جرى تداولها بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، محاولة تضخيم حجم الفوضى وتأجيج الغضب في صفوف الشباب، وكل هذا، في نظري المتواضع، ليس بريئا، بل تحركه أصابع من خارج السياق الوطني، مستغلة حماسة الشباب واندفاعهم، وراكبة على واقع فعلي يتمثل في ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وهي معضلات لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى أوراش متواصلة وزمن جيل كامل لإعادة البناء، وهذا الاستغلال الرقمي لا يمكن فصله عن محاولات داخلية وخارجية تركب على موجة المطالب الاجتماعية لتصفية حسابات سياسية مع الدولة وتوجيه هموم الشباب نحو مسارات لا تخدم المصلحة الوطنية.
 
جيل Z يملك اليوم فرصة تاريخية ليكون قوة اقتراح وبناء، لا وقودا للفوضى ولا أداة في يد من يريد زعزعة الاستقرار، فالمطالب المشروعة في قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل لا تتحقق عبر التكسير والحرق، بل عبر الحوار والتنظيم والضغط السلمي المؤطر بالقانون، وأكبر خدمة يمكن أن يقدمها الشباب لقضاياهم هي الدفاع عنها بوعي ومسؤولية، تحت تأطير جهات واضحة ومسؤولة، لا عبر كيانات مجهولة تختفي وراء الأقنعة وتحدد لهم مواعيد الخروج عبر تطبيقات غامضة، مدعية تمثيل الشباب دون أن تكشف عن هويتها. فمتى كان الظلام يضيء الطريق؟
 
لقد آن الأوان لهؤلاء الذين يقودون شبابنا من وراء الستار أن يكشفوا عن أنفسهم، ويخرجوا للعلن إن كانت لهم فعلا نوايا صادقة في خدمة قضايا المجتمع، أما المغرب، فهو في حاجة إلى جيل واع يرفع سقف النقاش العام، لا جيل ينزلق إلى مشاهد تعيد إنتاج خيبات الماضي وتضعف الثقة في المستقبل، فنحن بحاجة إلى شباب يبني ويصون ما شيده الآباء والأجداد منذ فجر الاستقلال، لا إلى من يهدمه باندفاع غير محسوب.



في نفس الركن