العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
احتضنت العاصمة الرباط يوم الجمعة 16 ماي 2025 مهرجانا خطابيا وطنيا تخليدا للذكرى الواحدة والخمسين لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي، ترأسه نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، وبحضور نجلَي الزعيم الراحل عبد الواحد وهاني الفاسي، وعدد من أفراد أسرته، إلى جانب أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وبرلمانيين ومنتخبين ومفتشين ومناضلات ومناضلين من مختلف أقاليم المملكة.
وشكل المهرجان الخطابي، المنظم تحت شعار "منظوم القيم عند الزعيم علال الفاسي"، لحظة سياسية وفكرية فارقة استحضرت أحد أعمدة المشروع الوطني المغربي في بعده التحرري والقيمي، حيث اعتبر الأمين العام أن هذا اللقاء لا يروم تمجيد الماضي، بل تجديد العهد مع فكر الزعيم ومواقفه وتراثه، وتأكيد استمرارية تأثيره في العمل السياسي والتنظيمي للحزب.
وفي كلمته الافتتاحية، أشار نزار بركة إلى أن الزعيم علال الفاسي، لم يكن فقط قائدا سياسيا، بل مفكرا ومربيا حاملا لمشروع مجتمعي متكامل يهدف إلى بناء الإنسان المغربي، مؤسس على منظومة متماسكة من القيم الدينية والوطنية والاجتماعية، غايتها حفظ هوية الأمة وتوجيه سلوكها نحو النهضة.
وذكر الأمين العام للحزب بأن الاحتفاء بهذه الذكرى يأتي لاستخلاص الدروس من منهج الزعيم، في زمن تتقاطع فيه التحولات وتشتد فيه التحديات.
واستعرض نزار بركة أهم المرتكزات التي تميز بها تصور الزعيم للقيم، وفي مقدمتها القيم المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي، القائم على إمارة المؤمنين، والمبني على الوسطية والاجتهاد والانفتاح، كما أبرز حضور القيم الوطنية المؤسسة على وحدة الأرض والشعب، ومركزية الملكية كرمز للسيادة والاستقرار، إضافة إلى منظومة قيم المواطنة التي تقوم على توازن الحقوق والواجبات والمشاركة في تدبير الشأن العام.
ولم تغب القيم الاجتماعية عن هذا البناء، خصوصا تلك التي تستلهم مرجعيتها من تقاطع المبادئ الإسلامية مع الفكر الاجتماعي العالمي، الداعي إلى العدالة والتضامن، إذ أشار بركة إلى أن الديمقراطية نفسها، في تصور الزعيم، ليست فقط نظام حكم بل منظومة قيم متجذرة في ثقافة الشورى، وجب تفعيلها في الفعل العمومي والسياسي بما يضمن الإنصاف والكرامة.
وفي سياق استحضاره للتحديات المعاصرة، شدد الأمين العام على أن القيم في فكر علال الفاسي لم تكن مجرد مبادئ نظرية، بل أدوات عملية لمواجهة الاستعمار، وبناء دولة وطنية ذات سيادة، مؤكدا أن الزعيم كان يدعو إلى قراءة متجددة للدين تنفتح على العقل وتواكب العصر، رافضا الجمود والتبعية العمياء، وملتزما في ذات الوقت ذاته بأصالة المرجعية الإسلامية.
وتضمنت كلمة بركة أيضا إشارات مهمة إلى إسهامات الزعيم الفكرية التي جمعت بين التأصيل والتجديد، عبر تفاعله الخلاق مع فلاسفة الغرب ورواد الإصلاح الإسلامي، ما أفضى إلى تصور متوازن للقيم قادر على حماية الهوية والانفتاح على الكونية دون الذوبان فيها.
واختتم الأمين العام كلمته بالتأكيد على أن حزب الاستقلال وهو يحيي هذه الذكرى لا يستعيد فقط ذكرى قائد وطني، بل يستعيد مدرسة فكرية وسياسية راسخة، ومنظورا قيميا متكاملا يصل الماضي بالحاضر، ويوفر أرضية صلبة لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية على المستويين الوطني والحزبي.