*العلم الإلكترونية: بقلم // ذ. سالم المرزوك *
أحدثكم بداية وقبل حكاية الحذائين الظريفة جدا، وانطلاقا مما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن الأرصدة المنهوبة من العراق، والمودعة في المصارف الأمريكية فقط، والبالغة ثمنمائه وخمسة وثمانين مليار دولار، نشرتها بالأسماء ولم تعد الأسماء سراً، والمعلومات ليست خافية على أحد. ناهيك عن الإيداعات في المصارف الأردنية والمصارف الخليجية وناهيك عن الأموال الصلبة.. الأبراج ومحتوياتها من الشقق في الخليج والأردن، التي يضم كل برج مئات الشقق المستثمرة للإيجار والبيع والشراء.
اللصوص التي نشرت أسماؤهم يتوزعون بين أهل النظام العراقي وأبنائهم وأتباعهم على مدى أكثر من عشرين عاما من الحكم بعد سقوط النظام الإرهابي، وبين شيوخ المناطق الشرقية وعدد من الكاكوات والأغوات المقيمن في أربيل والسليمانية، والأغلبية من أربيل. وثمة لص من لصوص وزارة الثقافة العراقية “كوردي فيلي” ومعه مجموعة من اللصوص الأتباع متخصصون بسرقة أجزاء من ميزانيات الأفلام المنتجة. كما سرق اللص المحترف، عائدات عروض فيلم النبي محمد المنتج إيرانيا والذي تم توزيعه من قبل دائرة السينما والمسرح، ومن بين سرقاته المتنوعة سرقة الفائض من ميزانية أحد المخرجين وبضمنه القسط الأخير من أجور المخرج بعد إنجاز الفيلم، كما تواطأ مع صاحب مؤسسة صحفية في بغداد بتسريب وثائق سينمائية مصورة عن جرائم الدكتاتور وبيعها في شارع المتنبي، ولكي يحمي مدير السينما اللص نفسه ذهب وإرتدى ملابس الحشد الشعبي وتصور مع أحد قادة الحشد ونشرالصورة على الفيس بوك.
“المخرج المغبون” كلف أحد المحامين من الشخصيات الوطنية والقومية التاريخية لمتابعة حقوقه قانونيا. والمحامي حث وزارة الثقافة العراقية، بدفع المستحقات، دون اللجوء للمحاكم وتعقيداتها. وكان على موعد مع لجنة تدقيق مستحقات المخرج.
خطر في بالي “يقول المحامي” أن أدهن الحذائين الأحمر والأسود، اللذين ليس لي سواهما، وأضعهما ليلا في مدخل المنزل داخل الحديقة الأمامية. تناولت فطور الصباح وذهبت لكي أجلب الحذائين من حديقة المنزل فلم أجدهما، فإنشغلت مخيلتي ليس بالإجتماع وحيثياته، بل بالحذائين وأين وضعتهما ليلة البارحة، إذ لم يخطر ببالي أنهما سرقا، سيما وأني لم أجد معالم سرقة في المنزل، فإستنجدت بكاميرا البيت وشاهدت شابا وقف أمام باب المنزل، أمام الحديقة وضغط على جرس الباب ليتأكد من عدم وجود شخص في الدار، وعندما لم يجد أحداَ دفع باب الحديقة ولم يكن مقفلا، وتسلل قريبا من باب الدار وأخذ الحذائين وخرج مسرعا، كما أعلمتني كاميرا البيت!
الآن بات شغلي الشاغل كيف أذهب إلى إجتماع وزارة الثقافة، فكرت أن إستنجد بجاري، ولكني شعرت بالخجل إذ كيف أستعير من جاري حذاءً، وأنا من شخصيات الوطن السياسية والقومية المعروفة، ثم لست متأكدا فيما إذا كان مقاس قدمي جاري هو من نفس مقاس أقدامي. وإنشغلت في الحكاية ونسيت حقوق موكلي وإجتماع الوزارة، وفكرت بحل ثان أن أكلم سكرتارية الوزارة بحدوث سرقة في منزلي ما يحول دون لقائي معهم، وهكذا فعلت، ثم كلمت عديلي أن يذهب إلى أي محل احذية ويشتري لي حذاء مقاس أربعين حتى أستطيع التحرك من منزلي. وهذا ما حصل.
بدأت أناقش شؤون السرقة من منظور قانوني وأيضا من منظور إنساني. وصورة اللص في مخزون شاشة المنزل والمونتر. وقررت أن أذهب إلى باب الشيخ حيث يفترش الناس بيع الطيور وبيع مقتنيات قديمة من منازلهم. وفعلا شاهدت بينهم اللص وقد إفترش وزرة وعليها الحذائين. الأول الحذاء الأحمر الذي إشتريته بسبعين دولارا من إيطاليا، والثاني الحذاء الأسود الذي إشتريته من تركيا بخمسين دولارا. تقدمت نحو اللص وسلمت عليه ودار بيننا الحوار التالي وأنقله نصا كما حدثني به المحامي.
المحامي – هل الحذائين قديمين؟
اللص – لا.. ما ملبوسين سوى فترة قليلة
المحامي – أرجو أن لا يكونا مسروقين؟
اللص “ضحك وقال” أن أعظم لص في العالم لا يستطيع سرقة حذاء من شخص، يجوز يسرق محفظة ولكن حذاء؟ كيف يسلبه من قدميه.. “وصار يضحك”.
المحامي – أقصد أن لا يكونا مسروقين من منزل
اللص – أن تتم سرقة شيء ما من منزل.. يكون من الذهب أو اللؤلؤ والأشياء الثمينة أو المال المحفوظ في القاصات، لا أن يسرق اللص أحذية، أن يجازف بحياته من أجل “قندره”.. “وصار يضحك”..!
المحامي – مو شرط سرقة من منزل.. يجوز الأحذية مسروقة من مدخل جامع أو حسينية.. حيث يخلع الناس أحذيتهم قبل الصلاة ويتركونها في مدخل الجامع. ويتوجهون إلى الله سبحانه.
اللص – هذا كان زمان. أما اليوم فالكاميرات ترصد الداخل والخارج من وإلى الجامع والحسينية، وثمة حراسات من المليشيات تحمي المصلين. لا يستيطع أحد أن يسرق من المصلين.. والسرقات هي سرقات كبيرة خاصة برؤوساء المليشيات فقط.. “كطعوا رزقنا!”
المحامي – من وين جبت هذين الحذائين؟
اللص – أكو ناس الله موفقهم دائما يغيرون أحذيتهم وملابسهم، ويشترون موديلات جديدة ويبيعون القديم.. ونحن نشتري منهم الملابس والأحذية القديمة وهي شبه جديدة.. وقد أعطيت الحذائين إلى “” جيران لنا، وطلبت منه دهنهما.. وترى أنهما مصبوغان حديثا. ما هو مقاس قدمك؟
المحامي – أربعين..
اللص – يا للصدفة.. الحذاءان مقاس 40 ولكن أفضل خذ “الكرته” وألبس لأن أقدام الناس ليست بالمقاس الثابت وهم كما خلقة الله، ولا معامل الأحذية تضبط المقاسات. أحيانا يكتبون اربعين والمقاس 39 أو 41.. خذ هذه “الكرته” وجرب.. لأن ما أحب أغشك..!
المحامي – لا.. خلينه أول نتفق على السعر.
اللص – الحذاء الأحمر الإيطالي خمسين دولار والأسود التركي 35 دولار.. وإذا تشتري الحذائين أحسبهم سبعين دولار.. لاحظ.. الحذائين شبه جديدين.
المحامي – شنو رأيك انطيك اربعين دولار للحذائين ؟
اللص – لا والله.. ما يصرف..
المحامي – (يسمع حوارا داخليا كمن يحثه على شراء الحذائين وأن لا يعتقله وأن يتركه.. فبالأمس نشرت الواشنطن بوست سرقات بمبلغ ثمنمائة وخمسة وثمانين مليار دولار ولا أحد يعتقل واحدا من اللصوص) شنو رأيك بخمسين دولار؟
اللص – لا والله عمي.. أحذية شبه جديدة.. أقل من سبعين دولار ما يصرف.
المحامي – شكد يعني بالدينار لأن ما أحمل دولارات.
اللص – لحظة واحدة نشوف سعر البورصة..
“يخرج اللص هاتفه المحمول من جيبه.. ويكبس على الأرقام” سعر الدولار في بورصة اليوم.. واحد دولار يقابل الف وثلثمائة وثمانية دينار عراقي.. يعني كسر بجمع 92 الف دينار عراقي. جيب تسعين الف الخاطر هالوجه الطيب، وإذا ما معك كيس.. عندي كيس قماش مال همبرغر مكدونالدز.. ما راح نحسبه.. توكل بالله.. وأنزع حذاءك الجمبايتي.. هذا الأحمر حذاء إيطالي “فص كلاص first class”
المحامي – هاي تسعين الف وخليلياهم بالكيس مال مكدونالدز..
اللص – انزع حذاءك والبس الحذاء الإيطالي وضع حذاءك في الكيس..
“خلع المحامي حذاءه وأعطاه هدية إلى اللص، ولبس الحذاء الأحمر لما يناسب ملابسه، وتوجه نحو وزارة الثقافة لمناقشة مستحقات المخرج المنهوبة..”.
اللص – دايمه عمي الحاج دايمه، وكثر الله من أمثالك..
وعندما هم المحامي بوداع اللص بإشارة من يده.. صاح به اللص:
اللص – عمي الحاج عمي الحاج.. مر علينا باجر.. عندي قماصل شبه جديدة.. وفيها قمصلة تلوك الهطول..
أشار المحامي له بالوداع بإشارة من يده.. وتذكرت “يقول المحامي” مقولة من مسرحية للكاتب شيلر “اللصوص الصغار يدخلون السجن واللصوص الكبار يدخلون التاريخ”...
الكاتب العراقي ذ. سالم المرزوك
رئيسية 








الرئيسية 




