2025 دجنبر 12 - تم تعديله في [التاريخ]

حوادث النَّشْر في العلن والسِّرْ !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 11 دجنبر 2025


العلم - محمد بشكار

علّمتنا عقود من الكتابة، تلك التي يُمليها الضمير دون حاجة لمواثيق أو عهود، أنّ توظيف الكلمة في غير محلِّها يعتبر شططا في اللغة، بل يشبه تماما ولِماماً، توظيف عِوض المِحكِّ في الحمام البلدي مُشطاً، ولا أعرف هل من سوء الصُّدف أو من حُسنها إبداعيا، أن تتحول الكلمة في أكثر الأخطاء المطبعية إلى لكمة، ألَمْ تر إلى مدى حساسية الكلمة، سواء نطقناها أو كتبناها، فلا غرابة أن يتجاوز الشطط بسوء استعمالها، إلى عنف رمزي يجر إلى دواليب المحاكم، ومن لم يُصدِّقني، ما عليه إلا أن يسأل المغني، لماذا كلما أمعن عازف القانون في وصْلة اللعب، مُنِيَ هو وقبيله بالخرس، أين يا تُرى يكمن العطب، هل في اللغة أو اللغو أو فيهما معا، أم أنّ صوت المغني قد تقطعت حبائله قبل دق الجرس، أما أنا وبقية الشعب في هذا المسرح الشكسبيري الكبير، فقد قطّعْنا عوض الحبائل التذاكر مارشي نوار، وقمنا بواجبنا مع القوم الصّاغية على أكْمل أذن، وحضرنا الحفل منذ أول ستار يرتفع على الفضيحة، وما زلنا ننتظر عَلامَ سينسدل هذا الصخب
!

لا تخلو مهنة من مدونة تنظمها قانونيا، درءاً للتطاول بالعنق والتطفل مع جحا كلما لاح طابور في الأفق، ورغم أن العلاقة الزوجية ليست مهنة، إلا أننا ننفرد بمدوّنة الأسرة، وهي تماما كمدونة السير، فطنت مُبكّرا والحمد لله، أن حركة المرور بين الأزواج، قد تودي بالأرواح في حوادث وخيمة، ألمْ أقُل إن السبب يكون في الغالب كلمة، ولكنها هذه المرّة أحرقت في الضوء أحمر الشفتين، فارتدت بلكمة إلى العينين العسليتين، يا حسرة على العِشرة !

ولأن الكلمة خطيرة وتوصف حسب التطيُّر المغربي بالتابعة، كان لابد من متابعة استعمالاتها اليومية، سواء ورقيا أو تكنولوجيا أو شفهيا، وهذه الأخيرة لا تعني القُبل بالضرورة، مَنْ يدري فقد تجمح أو تجنح عن الإطار المرسوم، وينقَلِبُ القيل على القائل وتسري لا قدَّر الله في المجتمع، سورةٌ من القلاقل، ولأن للسان ضربات كالسِّنان والجروح قصاص، ارتأى أهل الإختصاص سدّ هذا الخصاص، وأصبح للصحافيين في بلدنا كما للسائقين بعد دعاء السفر، نواة مُدونة تنظم التحرير بأكثر مِن علامة تشوير، طبعا مع اختلاف في المهنتين، ولو أنه في نظري لم تعد ثمة فوارق هذه الأيام، بعد أنْ عمّت حوادث النّشر، حتى في الطريق السيّار للإعلام المغربي يا ستّار!

من الرّائع بمكان وزمان أيضا، دون احتساب الساعة الزائدة في التوقيت المغربي، هذه الرّجة الراديكالية التي قلّبت من الجذور مشْتلنا الإعلامي، فهي أبلغ إشارة على أن البِرْكة قد أسَنتْ وطال الركود، وأن التدفق الغزير للكلمة من أكثر من قناة، ما عاد ممكنا حصره بأساليب النواعير التقليدية للريق النّاشف، بل الأجدر أن نهيء للغيمة المناخ الملائم لتمطر في الاتجاه الصحيح، دون خوف من تسرُّب الماء تحت الباب، الأجدر أن نحفظ للصحافة المغربية هيبتها كسلطة رابعة، ونهيء بذكاء طبيعي غير اصطناعي، تشريعا مُواكبا يستوعب الانفجار التكنولوجي للأشكال الإعلامية، هل أبالغ إذا قلتُ وأنا لا أطيق الملابس الضيقة، الأفضل أن لا يكون هذا التطور الإعلامي بالاتجاه الكلامي على عواهنه، على طريقة تطور السلسلة الغذائية في الغاب، القوي يبتلع الضعيف، بل يجب التحلّي في حماسة الممارسة المهنية بالآداب، دون حاجة إلى أن نرصِّع مع كل نقطة حاشا السامعين !

هل أجاري الخطاب الرسمي في ترديد نفس الوصْلة الإشهارية، لا بأس أن أزاحم الببغاء في تكرار نفس الغناء، وأقول إن استحقاقات كثيرة تلوح في أفق المغرب، تُرى بأي صورة سنتمظهر حينئذ أمام العالم، أوَ ليس الإعلام اليوم هو مرآة الشعوب، فما جدوى أن تُهيء لما ينتظر البلد كل شيء، تهيء العمران وتنسى الإنسان، تهيء جوق العميان، وتنسى أن العرس لا تكتمل زينته دون مرآة أو كاميرامان، أو بصيغة سوريالية، أن تخرج ذات صباح إلى الشارع، وتكتشف فجأة أنك تخاطب الناس بدون وجه.. يا أ لله.. لقد نسيته مركونا على رُفٍّ معلّق، وما أكثر ملفاتنا الاجتماعية العالقة في ذات الدولاب، والأدهى أنها معلقة دائما مع لسان طويل يشبه ربطة العُنق !

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 11 دجنبر 2025




في نفس الركن