2021 يناير 18 - تم تعديله في [التاريخ]

حينما ينجح الكسكس فيما فشلت فيه السياسة...

"اتفق العرب ألا يتفقوا"، مقولة طالما رددت على ألسن فئة عريضة ممن يئسوا وضجروا من استمرار التشرذم العربي في مستويات عديدة،وخاصة عندما يقفون على الرفاه و التقدم الذي بلغته أمم أخرى غلبت منطق الوحدة لتنصهر في تجمعات سياسية و اقتصادية وازنة ،أمم ربما لا يجمع بينها حتى خمس ما يجمع أبناء لغة الضاد، لكنها غلبت مصالح شعوبها و رفاهيتهم على أي اعتبارات أخرى.


العلم الإلكترونية - بقلم بدر بن علاش
 
بين الفينة و الأخرى،يأتينا الشعاع من بين الشقوق لينير ظلمتنا الحالكة،ومن ذلك، الاتفاق الخليجي الأخير،أو ما أسماه البعض "المصالحة الخليجية" ، بعد سنوات من الخلاف الذي بلغ حد المقاطعة التامة بين قطر و جيرانها الخليجيين،وحرب إعلامية مشتعلة،اعتقدنا معها في لحظات كثيرة،أن العلاقات فيما بين الطرفين وصلت الباب المسدود،وأن عودة المياه إلى مجاريها باتت شبه مستحيلة،بل وكادت أن تتطور الأمور إلى الأسوأ بنشوب نار حرب مستعرة لا تبقي ولا تذر.
 
ومهما قيل عن السرية المضروبة حول بعض بنود هذا الاتفاق،وعن دوافعه،وتوقيته،و حتى المتحكمين في صياغته،ومبرراته الجيوسياسية،فإن الأهم في ذلك،تبقى تلك الصورة التي رسمها زعماء هذه الدول لشعوبهم وللعالم جميعا، بإعلانهم طي صفحة من الخلاف و التنابز والتشردم .
 
لكن ماذا عن الشطر الغربي من هذه الأمة،والمقصود هنا "المغربي العربي" أو "المغرب الكبير" ألا تحرك فينا المصالحة الخليجية، قيد أنملة ونحن في بداية سنة 2021 الحبلى بالتحديات في زمن كورونا الذي أبان جدوى التعاون البيني بين الشعوب المجاورة للتغلب على التحديات الجسام المطروحة، تزامنا مع هذه الجائحة.
 
قد يقول قائل إن المغاربيين عليهم أيضا الابتهاج والكف عن التشاؤم، ألم تزف منظمة "اليونيسكو" خبرا مفرحا،وهي تدرج "الكسكس " ضمن قائمتها للتراث العالمي غير المادي، إثر تقديم ملف مشترك من أربع دول مغاربية، أليس هذا أيضا حدث نادر وسابقة مشرقة في نهاية العشرية الثانية من القرن 21 في هذه المنطقة ؟

لقد تمكن ذكاء "الكسكس"بخضره السبع الأساسيين،من تجاوز الخلاف و حالة الترهل بين الخماسي المغاربي،بل وشكل مادة صحفية دسمة في النشرات المتلفزة بهذه البلدان في شتاء بارد،والتي تغنت بهذا النصر و الإنجاز العظيم.
 
وبالعودة إلى لغة الواقع التي لا يمكن إلا أن تعكس قتامة وضبابية المستقبل،في ظل استمرار فرملة الحلم المغاربي، من طرف جار لذوذ ، لتبقى شعوب أرض تغرب فيها الشمس،الخاسر الأكبر في ظل هذا الوضع غير السليم،وهنا يكفي أن نذكر بالدراسة التي أنجزها صندوق النقد الدولي،حول الاندماج المغاربي،والتي خلصت إلى أن المنطقة تبقى الأقل اندماجا على مستوى العالم،حيث لا تتجاوز تجارتها البينية أقل من 5 في المائة،وهو رقم أدنى بكثير من المستوى المسجل في كل التكتلات التجارية الأخرى حول العالم، حيث يصل هذا المعدل في إفريقيا مثلا إلى 16 في المائة،ومن المتوقع أن يبلغ حدود 60 في المائة السنة المقبلة،حسب إحصائيات المنظمة العالمية للتجارة حول الاتحاد الإفريقي.
 
كما أن التكتل المغاربي المعطوب العجلات،يهدر فرص التنمية بشكل كبير، فالخبراء يقدرون خسائر اقتصاديات هذه الدول بسبب عدم اندماجها بما بين 3 و إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام للبلدان الخمسة،أي ما يناهز عشرة مليارات دولار سنويا كان بالإمكان استثمارها في رفاهية سكانها وتحسين مستوى عيشهم،وخاصة في صفوف الشباب الذين يعاني أغلبهم صنوف البطالة،والتي ترمي بهم مضطرين إلى ركوب قوارب الموت للبحث عن الكنز المفقود شمالا.
 
وبعيدا عن الشوفينية،فلا أحد يستطيع أن ينكر أن السبب الأساسي لهذا الوضع الشاذ وغير المقبول البتة،هي الجزائر بنظامها العسكري البائد،الذي لا يحمل معه سوى أفكار متحجرة ولى عليها الزمن،وتجاوزها المنطق، متشبثا بكيفية مريبة بعقيدة العداء لكل ما يمث بصلة إلى المغرب ،و إلا كيف نفسر إصرار رؤسائها ومسؤوليها المحكومين بالرؤية الضيقة للجنرالات الشيوخ المتحكمين بقبضة من حديد في قصر المرادية،وسعيهم الدائم إلى تقسيم بلدهم الجار "المغرب" إلى دولتين،مبذرين منذ سنة 1975 الملايير من أموال الشعب الجزائري، دون رقيب ولا حسيب، لبلوغ طموحهم الأرعن ذاك ،و بتواطؤ مفضوح مع جبهة البوليساريو التي ينخرها الفساد، ولكن هيهات، فقد تحول حلمهم إلى كابوس يقض مضاجعهم ويتجرعون من وراءه الخيبات و الفشل الذريع فقط، لا غير .
 
وهنا ألفت الانتباه إلى تدوينة مواطن جزائري استوقفتني في الفضاء الأزرق، كتب بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على كامل صحرائه قائلا " القضية انتهت ... بتغريدات دونالد ترامب،نعم هي 3 تغريدات أنهت قضية كلفت الخزينة العمومية الملايير كان يمكن تخصيصها لبناء مستشفيات للشعب المقهور".
 
لماذا يصر حكام الجارة الشرقية على االتمادي في إغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ أزيد من ربع قرن،متحججين بذرائع واهية تروج لأكذوبة بأن المغرب كان السبب في هذا الوضع عندما بادر إلى فرض التأشيرة على الجزائريين على خلفية الحادث الإرهابي الذي نفذه مسلحون جزائريون في فندق أطلس أسني بمدينة مراكش السياحية سنة 1994، فردت الجزائر بغلق الحدود البرية بحجة أن قرار فرض التأشيرة "جاء أحادي الجانب"، وهكذا فُسح المجال للمؤسسة العسكرية الجزائرية التي استغلت هذه الأزمة الحدودية لصالحها حتى الآن ،ولا أدل على ذلك الحسابات المنتفخة لكبارها بالبنوك السويسرية.
 
ألا يوجد حكيم عاقل في أعلى هرم السلطة بالجزائرالشقيقة ،يعي بأن الإجراء الذي قام به المغرب في حينه،هو إجراء طبيعي و ظرفي تقوم به أي دولة تتعرض إلى هجوم إرهابي،إلى حين انتهاء أجهزتها الأمنية و الاستخبارية من البحث في كامل فصول الحادث،و لحماية حدودها من أي هجوم آخر قد يكون مخططا له في نفس الفترة الزمنية؟
 
و إلى متى ستستمر "قسوحية الراس" عند من يحكمون الجزائر في ترديد نفس الأسطونة التي رهنت شعوب المنطقة التي يربط بينها الدم والدين واللغة ويجمعها التاريخ والجغرافيا و المصير الواحد المشترك،و كذلك الروابط العائلية التي كثيرا ما تدفع ببعض الأسر المغربية و الجزائرية إلى الاصطفاف وراء حدود بلديهما المصطنعة في مشهد مؤثر يبرز بجلاء كم هو مؤلم هذا الجرح ، فصل شعبين هما في الحقيقة شعب واحد في أمة واحدة.
 
لقد حان الوقت ليقوم المتحكمون في القرار بالجارة الشرقية باستحضار صوت الحكمة و العقل والمنطق،وقبول اليد الممدودة التي طالما مدتها إليهم المملكة المغربية من أجل طي صفحة للنسيان،حكمت على شعوب المنطقة المغاربية بالانزواء إلى الوراء في عالم يتحرك و لا يعترف إلا بالمصالح المشتركة والتكثلات الإقليمية الكبرى.
 



في نفس الركن