2021 يوليو/جويلية 18 - تم تعديله في [التاريخ]

رغم دلطا وجاما ... يجب أن تستمر الحياة والثقة ! بقلم / / يونس التايب

عادت أرقام المصابين بفيروس كورونا للارتفاع، و بدأ التوجس يتسرب إلينا بعد تجاوز عدد الوفيات حاجز العشرة ضحايا يوميا. و صرنا نشعر أننا في منعرج حاد و ضيق، يربط بين مرحلة نجحنا خلالها في ضبط انتشار الوباء، و بين مرحلة مقبلة تحمل إمكانية عودة الجائحة لتتمدد بشكل ملموس، عبر سلالات جديدة أقوى وأكثر حركية.


 
 
ويبدو لي أن لا محيد عن الاعتراف بأن جائحة كورونا لن تغادر بالسرعة التي كنا نعتقدها ونأمل فيها. وعليه يجب الاستعداد نفسيا لتغيير كبير في سلوكاتنا، خاصة أننا تابعنا كيف أن خبراء الأوبئة، ما أن أكدوا أن سلالة "دلطا"، التي تشغل بال الرأي العام حاليا، لن تكون آخر السلالات المتحورة من فيروس كورونا الأصلي، حتى تحققت النبوءة بسرعة و تأكد ظهور سلالة جديدة أطلق عليها اسم "جاما". 
 
و ما من شك أن تأكيد أخبار اكتشاف مصابين يحملون السلالتين معا من فيروس كورونا، و ظهور أشخاص استفادوا من اللقاح ورغم ذلك أصيبوا مجددا بالعدوى، هي معطيات تؤكد أن السلالات الجديدة تتميز بقدرتها على اقتحام أجساد الناس دون أثر ظاهر، و أن ما نجهله عنها أكبر مما نعرفه لحد الساعة. 
 
لذا، يجب العودة لتناول الحديث عن الوباء في أبعاده كلها، باستراتيجية تواصلية جديدة، و التزام بالجدية و التركيز و العقلانية في التحليل، و إعطاء الأولوية في نهاية الأمر لما يحقق مصالح وطننا ويحمي صحة أبنائه، في كل خطوة نخطوها و كل اقتراح نقدمه. 
 
و كي يصبح الخطاب مقبولا و مقنعا، يجب بسرعة إظهار أن المقصود من دعوات الالتزام بالإجراءات الاحترازية الوقائية من الوباء، هو تشجيع المواطنين على التعبئة و الصمود في وجه فيروس ينتشر بفعل استهتارنا بإجراءات وقائية بسيطة جدا. و أن التحذيرات من السلالات الجديدة للفيروس لا تعني أن الحل هو العودة إلى الوراء، أو نشر القلق بين الناس من احتمال حجر صحي كلي، أو ما يسميه المغاربة "ادخل اجلس في دارك". ذلك ليس أفقا عقلانيا، و لا يمكن أن يكون حلا استراتيجيا. الحياة يجب أن تستمر في كل المجالات حتى و الوباء لا زال حقيقة ملموسة. و سيبقى الحل هو الالتزام في السلوكات الاجتماعية، و السير بكل السرعة الممكنة لتلقيح كل المواطنين، و ربما العودة لأخذ جرعات إضافية من اللقاح بعد سنة أو اثنتين، إذا ظهرت حاجة صحية لذلك. و حتى بعد الانتهاء من التلقيحات وطنيا، يجب إبقاء الحذر و اعتماد نمط عيش جديد يتيح للإنسان أن يتنقل داخل الوطن و خارجه و التواصل الإنساني، و هو محمي من شر أوبئة مستجدة. 
 
في اعتقادي، مهم أن ينطلق مجهودنا التوعوي من فكرة أن الإنسانية دخلت، سنة 2020، عهدا وبائيا عالميا جديدا، يجب أن تستمر معه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، بشرط تقليص هامش تحرك الفيروس وتنقله بين الناس. و لن يتحقق ذلك سوى بارتداء الكمامة كلما كنا بجانب أشخاص آخرين، واحترام التباعد الجسدي قدر المستطاع، و التوقف عن عادة السلام باليد و الوجه و الأخذ بالأحضان، و التزام تعقيم الأيادي أو غسلها بشكل جيد، و المسارعة للاستفادة من التلقيح الحالي ضد كوفيد 19. 
 
كما يجب أن نخفف الازدحام غير المبرر الذي نراه في المقاهي و المطاعم و المسابح و محلات التسوق، و وسائل النقل بمختلف أنواعها، و نفهم أن تلك سلوكات يجب أن تقل، بإرادة المواطنين و تعاونهم، دون أن ننتظر فرض الانضباط بواسطة تدخل رجال السلطة و الأمن العمومي، في كل محل تجاري و نقطة تسوق، و في كل شارع و درب. من جهة، ذلك غير ممكن و غير منطقي و فيه إهدار للطاقات والإمكانيات، و من جهة أخرى، يجب أن نراهن على نضج الناس و نستفز وعيهم، لا أن نثقل كاهل الدولة بمجهودات تتجاوز الحدود التي يتطلبها أداء الخدمات العمومية الواجبة. 
 
في هذا الصدد، مسؤوليتنا هي تقوية المكتسبات التي تجسدت، منذ مارس 2020، في ارتفاع منسوب الثقة في قدرتنا كأفراد و كمؤسسات على الانضباط للقانون، و عودة الحديث عن أولوية المصلحة العامة أمام طغيان التفكير الأناني، و ضرورة التضامن في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عبر سياسات و برامج عمومية لدعم الاقتصاد الوطن، و حماية المقاولات الوطنية و الحفاظ على فرص الشغل، و منح الفئات الهشة و أصحاب المهن غير المهيكلة، و الفقراء المعوزين، إمكانيات الصمود و حفظ الحد الأدنى من الكرامة. 
 
و قوتنا ستتعزز إذا ما نجحنا في تثمين المكتسبات عمليا وتجسيدها في :

- أخلاقيات العمل الحزبي السياسي، و ما تقترحه الأحزاب من برامج و تصورات، و ما تزكيه من أسماء مرشحين تريد من المغاربة أن يثقوا فيهم في الانتخابات المقبلة؛
- سير عمل الإدارات العمومية و تجويد تعاملها مع المواطنين؛
- تطوير مناخ الأعمال و تشجيع الفعل الاستثماري؛
- تشجيع الاستهلاك المسؤول المرتبط بالمنتوج الوطني؛ 
- احترام حقوق الدولة علينا والنهوض بواجباتنا؛
- حرص الدولة على حقوق المواطنين في الرعاية والمواكبة والخدمات العمومية الأساسية بشكل عادل و متوازن. 
 
بذلك تتعزز الثقة في المؤسسات و في قدرتها على النهوض بأدوارها بنجاعة ومسؤولية. وتتأكد قدرتنا على إبقاء يقظة المجتمع للتعامل مع الإكراهات التي يحملها "العهد الوبائي" الجديد الذي دخله العالم منذ ظهور فيروس كورونا بصيغته الأولى، و حتى بعد ظهور سلالات متحورة ظهرت و ستظهر في الأشهر المقبلة.
 
وتبقى نهاية النفق قريبة جدا، بشرط الاعترف أن المسؤولية مشتركة بين المواطنين و الدولة، سواء في موضوع إنجاح حصارنا لفيروس كورونا، و إنجاح ما سواه من أوراش تنموية استراتيجية و برامج عمومية و استحقاقات سياسية. و بالدارجة "حنا في سفينة واحدة ... و خاصنا المعقول و النزاهة ... و خاص نصبرو و نتعاونو باش ننجاو كاملين، و تنجى بلادنا و تبقى قوية و واقفة، ونحافظوا على مستقبل أولاد بلادنا ...".

بقلم | | الكاتب يونس التايب



في نفس الركن