Quantcast
2023 فبراير 3 - تم تعديله في [التاريخ]

عبد الواحد أكمير: الصحراء المغربية ترمومتر العلاقات المغربية الإسبانية

في الوقت الذي يتعامل الحزب الاشتراكي والشعبي مع ملف الصحراء بواقعية يجعلها حزب بوديموس في سياق غير واقعي


العلم الإلكترونية - أنس الشعرة

المؤرخ عبد الواحد أكمير، أحد أبرز المتخصصين في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، نستضيفه في هذا الحوار، لكي يكشفَ لـ"العلم" عن طبيعة اعتراف إسبانيا بخطة الحكم الذاتي، والأفاق الجديدة لعلاقات البلدين، في سياق يتسم بجدية الموقف الإسباني، الذي أكد مواكبةَ البيان المشترك، والاهتمام بتطوير مضامينهِا خصوصا في سياق القمة المنتظرة في بداية فبراير القادم.

بعد عودة العلاقات المغربية الإسبانية، ودعم الحكومة الإسبانية لمقترح الحكم الذاتي، في أبريل من السنة الماضية، هل ترون أن البلدين خرجا من منطق الجوار الحذر إلى الجوار القائم على الثقة والتعاون المتبدلين؟ 

أظن أن البيان المشترك الذي صدر في أبريل الماضي عقب اللقاء بين جلالة الملك ورئيس الحكومة الإسبانية، قد دفع بالعلاقات المغربية الإسبانية نحو أفق جديد، عنوانه الواقعية السياسية. هذه الواقعية السياسية هي التي كانت وراء تغيير الموقف الإسباني، بعدما اقتنعت إسبانيا، أن العلاقات بين البلدين لن يجدي معها أنصاف الحلول، واقتنعت أن العلاقات بين البلدين لن تتقدم إذا بقي مشكل الصحراء قائماً.

ماهي خلفيات وأبعاد تغيير الموقف الإسباني منَ قضية الصحراء المغربية؟ألا يمكن أن تتراجعَ الحكومات الإسبانية المتعاقبة عن قرار الاعتراف بخطة الحكم الذاتي؟

إذا تتبعت الموقف الإسباني من قضية الصحراء خلال السنوات الأخيرة، ستجد أن المؤشرات الأولى لتغيير الموقف الإسباني، تعود إلى سنة 2008، حيث بمجرد فوزه بولاية ثانية تلك السنة، كلف "خوسيه لويس ثباتيرو" وزير خارجيته، موراتينوس، بالبحث عن حلول جديدة، ورغم أنه لم يُصرح آنذاك رسمياً بدعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي المغربي، فإن السياسة الحكومية كانت تسير في هذا الاتجاه. وحتى لما وصل الحزب الشعبي للحكم، فإن موقف هذا الحزب كان مع طرح الحكم الذاتي، والدليل أن مجلس الوزراء في حكومة راخوي، صادق على التقرير الذي أنجزه المعهد الملكي الكانو، بمشاركة مائتي خبير، وأربعة وزراء خارجية سابقين، من مختلف الأحزاب، وكان ذلك التقرير يرى بأن الحل الوحيد الممكن، هو مقترح الحكم الذاتي.

بالنسبة للشق الثاني من سؤالك، والمتعلق بإمكانية تغيير الموقف الإسباني إذا ما جاءت حكومة جديدة، فهذا أمر مستبعد، لأن قطبي التناوب السياسي في إسبانيا منذ عودة الديمقراطية هما الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، وكلاهما مع مقترح الحكم الذاتي. بكلمة واحدة، نحن إزاء موقف دولة وليس موقف حكومات.

برأيكم هل موقف الحكومة الإسبانية المتمثل بالاعتراف بخطة الحكم الذاتي، تأثير على الانتخابات الإسبانية المقبلة؟ وما هي تداعيات ذلك على ملف الصحراء المغربية؟

على امتداد سنوات طويلة، تقمص البوليساريو في إسبانيا دور الضحية، ونال تعاطف قطاعات من المجتمع، وقد ركبت على هذا الموقف بعض الأحزاب الشعبوية والقومية، وكانت تستعمله كمطية لكسب بعض الأصوات، لكن الوضع هو في طريق التغيير، فحزب بوديموس، الذي يدعم البوليساريو هو في تراجع مستمر، لأن الناس وعوا أن برنامجه الانتخابي غير قابل للتطبيق، لأن فيه أشياء بعيدة عن الواقع، من ضمنها ما يطالب به بخصوص قضية الصحراء، وهكذا ففي الوقت الذي يتعامل الحزب الاشتراكي والشعبي مع ملف الصحراء بواقعية، يجعلها حزب بوديموس، في سياق غير واقعي. والناس في إسبانيا يعون بذلك، لذا فملف الصحراء لن يكون له أي تأثير على سير الانتخابات المقبلة.

فيما يخص ملفَ الهجرة ظل المغرب لعقود طويلة بلدًا مصدرًا للمهاجرين، وقد تغيرت هذه الوضعية أخيرًا بعدما أضحى بلدًا مستقطبًا، برأيكم كيف يمكن التعامل مع هذا الملف على ضوء مستجدات العلاقة بين المغرب وإسبانيا؟

أظن أن أهم معطى يجب التوقف عنده، هو التحول الحاصل في ملف الهجرة خلال العقود الأخيرة، والذي يقتضي وضع مقاربة جديدة. ملف الهجرة في العلاقات المغربية الإسبانية، لازال خاضعاً لاتفاقية 1992، وهذه الاتفاقية مرت عليها اليوم ثلاثين سنة. ونأخذ كمثال قضية الإعادة، فهذه الاتفاقية تقول بان إسبانيا تعيد إلى المغرب مهاجرين بلدان ثالثة، دخلوا إلى إسبانيا عن طريق المغرب. في التسعينات كان أعداد هؤلاء المهاجرين بالعشرات وفي أحسن الحالات بالمئات، اليوم أصبحت  بالآلاف. بما أن موضوع الهجرة دائم التحرك، فأظن أنه يجب أن يحظى بالأولوية والاستمرارية، من طرف اللجنة الثنائية رفيعة المستوى، التي تبحث عن الحلول الطارئة والبنيوية للعلاقات المغربية الإسبانية.

ماهي الركائز التي ستحكم العلاقات المغربية الإسبانية الجديدة؟ وماهي أبرز الملفات التي يجب تطويرها؟

هناك خمس ركائز تحكم العلاقات المغربية الإسبانية هي:

1ـ الملف الاقتصادي: حجم التبادل التجاري بين البلدين، يصل اليوم إلى مستويات مهمة، هناك على سبيل المثال حوالي 20 ألف شركة إسبانية تُصَدر للمغرب، وإسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب، وهناك أعداد مهمة من المقاولات الإسبانية التي فتحت مقراتها ببلادنا، يعني أن الاقتصاد لم يعد مقتصراً على التجارة، وإنما الاستثمار. كما أن الصادرات المغربية إلى إسبانيا، عرفت ارتفاعاً وتطوراً مهماً في المدة الأخيرة، بحيث لم تعد مقتصرة على المنتوجات الفلاحية أو السمكية.

2ـ الملف الاجتماعي: قضية الجالية المغربية في إسبانيا، هي على رأس القضايا ذات الطبيعة الاجتماعية التي تفرض التعاون بين البلدين، لتسهيل اندماج هذه الجالية من الناحية الثقافية والتربوية، إضافة إلى الحقل الديني. هذه الجالية تتميز بدينامية كبيرة، فنحن أمام الجيل الثاني والثالث، وهؤلاء لهم مطالب وانشغالات مختلفة عن تلك التي كانت لدى الجيل الأول.

3ـ الملف الثقافي: يجب أن ننبه في هذا الإطار أن المغرب يحتضن واحدة من أقدم البعثات الثقافية الإسبانية في الخارج، حيث بعض المدارس الإسبانية مثل مدرسة تطوان والناظور تعود إلى فجر الحماية. وهذا يبن تجذر الثقافة الإسبانية في المغرب، وبالتالي التعاون الثقافي، بفرض الحفاظ على هذا الإرث. زد على ذلك أن المغرب هو ثاني بلد بعد البرازيل من حيث عدد معاهد سرفانتيس، وهو المعهد الذي يعتبر أحد أهم أولوياته، نشر اللغة والثقافة الإسبانية. ولا ننسى أن اللغة الإسبانية تحتل مرتبة متقدمة من بين اللغات الأجنبية التي تدرس في التعليم الخصوصي والعام بالمغرب، سواء في التعليم الثانوي أو العالي. وكل هذا يقتضي دعم التعاون الثقافي.

4ـ الملف الأمني: هو كذلك ملف هام ومتشابك ويفرض التعاون المكثف، وعندما نقول الملف الأمني، فذلك يقتضي التعاون المستمر، لمحاربة الهجرة السرية، والمخدرات، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وقد بينت التجربة نجاعة التعاون في هذا الملف بين البلدين. واسبانيا تعترف بذلك، وهي ما فتئت ترسل رسائل الشكر والامتنان للمغرب، بطرق مختلفة، وذلك  لما يقوم به من دور فعال في هذا الإطار.

5ـ ملف الصحراء المغربية: هي ترمومتر العلاقات المغربية الإسبانية؛ جميع الملفات الأخرى تقاس حرارتها بما يجري في هذا الملف، وأظن أنه وبالموقف الذي تم الوصول عليه في أبريل الماضي بخصوص ملف الصحراء، فإن الملفات الأربعة الأخرى، أخذت طريقها الصحيح، الذي يضمن استمرارية العلاقات المغربية الإسبانية بشكل طبيعي وإيجابي، ودون تخوف من حالة الصعود والنزول التي كانت العلاقات المغربية الإسبانية عرضة لها في الماضي.  

              
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار