Quantcast
2025 نوفمبر 24 - تم تعديله في [التاريخ]

عودة صنصال إلى الجزائر هل هو تحد أم محاكمة للنظام؟


عودة صنصال إلى الجزائر هل هو تحد أم محاكمة للنظام؟

*العلم الإلكترونية: بقلم // ذ. عبده حقي*

لم يكن أحد يتوقع أن يقلب بوعلام صنصال الطاولة بهذه السلاسة في العودة . الرجل، الذي خرج قبل أسابيع قليلة فقط من السجن، جلس أمس أمام ميكروفونات فرانس إنتر، ثم ظهر مساءً على شاشة فرانس 2. بدا وكأنه يعود من رحلة قصيرة وليس من تجربة كان يُفترض أنها قاسية ومؤلمة. لقد تحدث برصانة، بابتسامة خفيفة، وبذلك القدر من الهدوء الذي يجعل المشاهد يتساءل: أهذا هو الكاتب «المريض» الذي قيل إنه على حافة الموت؟!

قالها صنصال دون التفاف: يريد العودة إلى الجزائر خلال الأسبوع المقبل. ليس بدافع الحنين فقط، بل لأنّ الشعور بالظلم يخلق حاجة إلى مواجهة أصحابه. قال إنه لم يختلف يومًا مع بلده، بل مع النظام الذي استباح حياته، وصادر حريته، ثم حاول تغليف قصته بورق السيلوفان الإنساني المزيّف.

المثير أن الرجل لم يعطِ أي فرصة لتلك الرواية الرسمية التي وُزّعت على الجزائريين كحبة دواء مُرّة. قال بوضوح إنه كان يُعالج جيدًا، وإن الأطباء في المستشفى كانوا لطفاء معه، ونسج معهم علاقة إنسانية. أي أنّ الحديث عن «إفراج إنساني» كان مجرد ديكور لتهدئة غضب الداخل وتبرير الإحراج أمام الخارج.

ثم جاءت ضربته الأكثر إيلامًا: "لا أعترف بالخطوط الحمراء."

جملة واحدة كانت كافية لإعادة ترتيب المشهد كله. الخطوط الحمراء التي يلوّح بها النظام منذ سنوات، قفز فوقها صنصال بسهولة من يتكلم عن شيء لم يعد يخيفه.

الآن، ما الذي بقي للنظام للرد عليه ؟ لقد أطلقوا الرجل تحت ضغط ألماني مباشر. كان ذلك واضحًا. وبعد أن أصبح حرًا، صار من المستحيل ـ قانونيًا وأخلاقيًا ـ منعه من العودة. ليس اسمه فريدريش أو هاينز كي يستطيعوا معاملته كأجنبي. هو جزائري، من اللحم والدم، يحمل جنسية بلده الأولى، وله بيت وعائلة وجذور. والأدهى من كل ذلك أنّ الرجل لم يطلب تعويضًا ماليًا ولا محاكمة جديدة. قال فقط:

"التعويض الحقيقي أن أدخل بلدي وأخرج منه مثل أي مواطن."

وهذا بالضبط ما يجعل الأمر مهينًا للنظام. لأنه يضعه أمام صورته الحقيقية: سلطة ضخمة تخشاها كل المؤسسات، تُهزم أمام جملة بسيطة لرجل مسنّ، يكتب روايات ويعيش أغلب وقته بين رفوف الكتب.

لقد تحول صنصال، فجأة، إلى شخصية عالمية. نجوم الأدب وقفوا إلى جانبه، وصحف كبرى كتبت عنه، والرأي العام الأوروبي تابع قصته كما لو أنّه بطل رواية سياسية مكتملة. وبدل أن يخرج النظام منتصرًا، وجد نفسه في قلب فضيحة دولية.

صار على الرئيس نفسه ـ الذي لم يتوقف عن وصف الرجل بـ"الخائن" و"العميل" ـ أن يواجه حقيقة مُرّة: بوعلام سيعود، وسيمشي في شوارع العاصمة الجزائر علنًا، وسيجبر الدولة على حمايته لا على اعتقاله.

إذ كيف يمكن اعتقال رجل لم يقل شيئًا يمسّ بالوحدة الترابية، ولم دع إلى العنف، ولا حثّ على الانقسام؟ كل ما فعله أنه قال: "النظام دكتاتوري." وهذه عبارة يقولها عشرات المثقفين يوميًا.

المعادلة الآن محرجة إلى حدّ السخرية:

– إن اعتقلوه مرة أخرى، فسيخونون التزامهم أمام ألمانيا، وسينفجر الملف دبلوماسيًا.

– وإن طردوه من بلده، فسيبدون كمن يطرد مواطنًا من بيته.

– وإن تركوه يدخل ويخرج بحرية، فستنهار صورة «الخطر الوجودي» التي رسموها له طوال عام.

أما الرجل نفسه، فقد صار في موقع لا يخشى فيه شيئًا. ثمانون عامًا، مرض مزمن، شهرة عالمية، تضامن دولي، وكتاب قادم سيحكي فيه كل ما جرى… وهذا وحده كفيل بأن يضمن له «خلودًا أدبيًا» لم يكن ليحلم به قبل هذه الأزمة.

النظام ـ بقوّته وأجهزته ومؤسساته ـ خلق من حيث لا يريد «أسطورة». وربما، إذا عاد صنصال الأسبوع المقبل، سنعيش المشهد الأكثر رمزية: كاتب يمشي بين الناس، بينما السلطة التي نعته بالخيانة لا تستطيع أن تلمس شعرة من رأسه.

وفي تلك اللحظة، ستتضح الحقيقة التي حاولت السلطة إخفاءها: لم يكن الرجل خطرًا.

كان الخطر هو طريقة التعامل معه.

              



في نفس الركن
< >

الاثنين 24 نوفمبر 2025 - 14:48 حكاية حذائين..!
















MyMeteo




Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار