2025 أكتوبر 16 - تم تعديله في [التاريخ]

في‭ ‬تقرير‭ ‬رسمي‭ ‬للمندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط

65‭ ‬ألف‭ ‬حالة‭ ‬طلاق‭ ‬و19‭ % ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬ترأسها‭ ‬نساء


 
العلم
 
عرف‭ ‬المغرب‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬تحولات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عميقة‭ ‬أعادت‭ ‬تشكيل‭ ‬بنية‭ ‬الأسرة،‭ ‬وغيرت‭ ‬موازين‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭. ‬فبحسب‭ ‬معطيات‭ ‬حديثة‭ ‬أصدرتها‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬المعنون‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المرأة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬أرقام‮»‬،‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬انتقالا‭ ‬لافتا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الزواج،‭ ‬والطلاق،‭ ‬وتوزيع‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الأسرية،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬التغيرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭.‬
 
التقرير‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مؤشرات‭ ‬دقيقة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬فاعلاً‭ ‬مركزياً‭ ‬في‭ ‬دينامية‭ ‬التحول‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موقعها‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة،‭ ‬حيث‭ ‬تزايد‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬الإعالة‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬مقابل‭ ‬تراجع‭ ‬أنماط‭ ‬الزواج‭ ‬التقليدية‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬العزوبة‭ ‬والطلاق‭.‬
 
وفقا‭ ‬لتقرير‭ ‬المندوبية،‭ ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬المغرب‭ ‬انخفاضا‭ ‬ملحوظا‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬زواج‭ ‬القاصرات‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭. ‬فقد‭ ‬تراجعت‭ ‬نسبة‭ ‬الشابات‭ ‬اللواتي‭ ‬تزوجن‭ ‬قبل‭ ‬سن‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬15‭.‬9‭% ‬سنة‭ ‬2004‭ ‬إلى‭ ‬8‭.‬4‭% ‬سنة‭ ‬2024‭. ‬كما‭ ‬سجل‭ ‬زواج‭ ‬الفتيات‭ ‬دون‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬تراجعا‭ ‬شبه‭ ‬كامل،‭ ‬إذ‭ ‬هبط‭ ‬من‭ ‬2‭.‬5‭% ‬إلى‭ ‬0‭.‬2‭% ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬مؤشرا‭ ‬إيجابيا‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬محاربة‭ ‬الزواج‭ ‬المبكر‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬القانوني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بحقوق‭ ‬الفتيات‭.‬
 
في‭ ‬المقابل،‭ ‬عرف‭ ‬معدل‭ ‬العزوبة‭ ‬عند‭ ‬سن‭ ‬الخمسين‭ ‬ارتفاعا‭ ‬واضحا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬القروي،‭ ‬حيث‭ ‬انتقلت‭ ‬النسبة‭ ‬من‭ ‬3.9%‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬إلى‭ ‬11‭.‬1‭% ‬عام‭ ‬2024‭. ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬يعكس‭ ‬تغيرا‭ ‬تدريجيا‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج،‭ ‬ويدل‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تفضل‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬والاستقلال‭ ‬المادي‭ ‬قبل‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬بدلا‭ ‬عنه‭.‬
 
كما‭ ‬كشف‭ ‬التقرير‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق،‭ ‬حيث‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬44‭ ‬ألفا‭ ‬و408‭ ‬حالات‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬67‭ ‬ألفاو556‭ ‬حالة‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬ثم‭ ‬65‭ ‬ألفا‭ ‬و475‭ ‬حالة‭ ‬سنة‭ ‬2024‭.‬
 
ولم‭ ‬يعد‭ ‬الطلاق‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالخصومة‭ ‬والنزاع‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬الطلاق‭ ‬الاتفاقي‭ ‬الشكل‭ ‬المهيمن‭ ‬لإنهاء‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية،‭ ‬بعدما‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبته‭ ‬من‭ ‬63‭.‬1‭% ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬89.3%‭ ‬سنة‭ ‬2024‭.‬
 
هذا‭ ‬التطور‭ ‬يعكس‭ ‬وعيا‭ ‬جديدا‭ ‬بثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬وحل‭ ‬الخلافات‭ ‬الأسرية‭ ‬بطرق‭ ‬ودية،‭ ‬كما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬الأزواج‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬العلاقات‭ ‬بعد‭ ‬الانفصال،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بوجود‭ ‬أطفال‭.‬
 
ومن‭ ‬المؤشرات‭ ‬اللافتة‭ ‬التي‭ ‬سجلها‭ ‬التقرير،‭ ‬التحول‭ ‬الديموغرافي‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬المطلقين‭ ‬بين‭ ‬45‭ ‬و49‭ ‬سنة،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬الرجال‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬20‭.‬9‭% ‬سنة‭ ‬2004‭ ‬إلى‭ ‬32‭% ‬سنة‭ ‬2024‭.‬
ورغم‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬ما‭ ‬زلن‭ ‬يشكلن‭ ‬الأغلبية‭ ‬بين‭ ‬المطلقين،‭ ‬فإن‭ ‬نسبتهن‭ ‬تراجعت‭ ‬من‭ ‬79‭.‬1‭% ‬إلى‭ ‬68‭% ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬كخيار‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬فشل‭ ‬العلاقة‭.‬
 
من‭ ‬أبرز‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬رصدها‭ ‬التقرير،‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬تعيلها‭ ‬نساء‭. ‬فقد‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬ترأسها‭ ‬نساء‭ ‬إلى‭ ‬19‭.‬2‭% ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬16.2%‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬خمس‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬تقريبا‭.‬
 
وتتجلى‭ ‬الظاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الحضري‭ ‬بنسبة‭ ‬21‭.‬6‭%‬،‭ ‬مقابل‭ ‬14.5%‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬الطابع‭ ‬الحضري‭ ‬للتحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتمكين‭ ‬النسائي‭.‬
 
تزايدت‭ ‬كذلك‭ ‬نسبة‭ ‬الأسر‭ ‬أحادية‭ ‬الوالدين،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬أحد‭ ‬الأبوين‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬غير‭ ‬متزوجين‭. ‬وتشير‭ ‬الأرقام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬يشكلن‭ ‬39‭.‬7‭% ‬من‭ ‬أرباب‭ ‬هذه‭ ‬الأسر،‭ ‬مقابل‭ ‬1‭.‬2‭% ‬فقط‭ ‬للرجال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تصاعد‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬كمصدر‭ ‬رئيسي‭ ‬للإعالة‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭.‬
 
كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬يعشن‭ ‬بمفردهن‭ ‬إلى‭ ‬28‭.‬9‭% ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬16‭.‬3‭% ‬سنة‭ ‬2004،‭ ‬وهو‭ ‬مؤشر‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬اتساع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاستقلال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمعيشي‭ ‬لدى‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭.‬
 
وتظهر‭ ‬الأرقام‭ ‬أن‭ ‬الأرامل‭ ‬يمثلن‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬المعيلات‭ ‬بنسبة‭ ‬54‭.‬7‭%‬،‭ ‬تليهن‭ ‬المتزوجات‭ ‬بنسبة‭ ‬36‭.‬2‭% ‬في‭ ‬القرى‭ ‬مقابل‭ ‬19‭.‬2‭% ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬ثم‭ ‬المطلقات‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭.‬1‭% ‬في‭ ‬المدن‭ ‬و5‭.‬7‭% ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬بينما‭ ‬العازبات‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبتهن‭ ‬من‭ ‬7‭% ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬9‭.‬5‭% ‬سنة‭ ‬2024‭.‬
 
تكشف‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬مجتمعة‭ ‬عن‭ ‬تحول‭ ‬بنيوي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬قوامه‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬أدوار‭ ‬المرأة‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭. ‬فبينما‭ ‬تتراجع‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬التقليدية‭ ‬مثل‭ ‬الزواج‭ ‬المبكر،‭ ‬تبرز‭ ‬ملامح‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬أكثر‭ ‬استقلالاً‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الإعالة‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار‭.‬
 
إنها‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تعكس‭ ‬نضجا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬وتضع‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬دينامية‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬البلاد،‭ ‬بين‭ ‬قيم‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وبين‭ ‬الطموح‭ ‬الشخصي‭ ‬والمسؤولية‭ ‬الأسرية‭.‬

 



في نفس الركن