العلم
استوعب الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس ، حفظه الله وأيده ، في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ، كتلة الأسباب والعوامل والعناصر التي تعرقل مسار التنمية الشاملة المستدامة في المغرب ، بدعوة الجميع ، كل من موقعه ، إلى محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد و الإمكانات ، و إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد و إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية ، التي هي ، كما جاء في الخطاب الملكي ، من القضايا الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني ، في موازاة مع أربع أولويات ، هي تشجيع المبادرات والأنشطة الاقتصادية ، وتوفير فرص الشغل للشباب ، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة ، وتأهيل المجال الترابي . وهي مخارج من الأزمة التي تعرفها بلادنا خلال المرحلة الراهنة ، تترافق مع التركيز على حزمة من القضايا التي دعا الخطاب السامي إليها ، والتي تشكل الإطار العام لخريطة الطريق نحو التغيير الشامل والعميق والإيجابي للنهوض بالمغرب من النواحي كافة .
ويأتي في مقدمة هذه القضايا ، إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة ، وخاصة مناطق الجبال و الواحات التي تغطي مساحة 30 في المئة من التراب الوطني ، من أجل تحقيق تنمية ترابية منسجمة ، في إطار تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات . أما ثانية هذه القضايا ، فهي التفعيل الأمثل والجدي لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية ، بما في ذلك القانون المتعلق بالساحل والمخطط الوطني للساحل ، بما يساهم في تحقيق التوازن الضروري بين التنمية المتسارعة لهذه الفضاءات ومتطلبات حمايتها وتثمين مؤهلاتها الكبيرة ، ضمن اقتصاد بحري وطني يخلق الثروة وفرص الشغل .
وتتعلق القضية الثالثة من جملة هذه القضايا ، بتوسيع نطاق المراكز القروية باعتبارها فضاءات ملائمة لتدبير التوسع الحضري ، والحد من آثاره السلبية ، على أن تشكل هذه المراكز الناشئة ، حلقة فعالة في تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية من المواطنين في العالم القروي .
ومن أجل التجاوب والتكامل والانسجام مع هذه الأولويات الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية ، فإن الأمر يتطلب اليوم ، كما أكد الخطاب الملكي ، تعبئة جميع الطاقات، انطلاقاً من الحقيقة الثابتة ، وهي أن التحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقول جلالة الملك وفقه الله ، يقتضي تغييرا ملموساً في العقليات وفي طرق العمل ، وترسيخاً حقيقياً لثقافة النتائج ، بناء على معطيات ميدانية دقيقة ، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.
وعلى أساس هذا التأصيل العميق للمفاهيم الجديدة ، وللرؤى الشفافة التي استند إليها الخطاب الملكي السامي ، فإن مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن الذي نعمل جميعاً على ترسيخ أركانه . كما جاء في خطاب جلالة الملك ، نصره الله .
وفي ضوء هذا التأصيل المرتكز على أسس علمية ، فليست العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية مجرد شعار فارغ ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف ، و إنما يعدهما ، الخطاب الملكي ، توجهاً استراتيجياً يجب على جميع الفاعلين الالتزام به ، ورهاناً مصيرياً ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية .
ونظراً للحاجة الشديدة إلى ترجمة التوجهات الملكية إلى ممارسات فعلية على الأرض ، تكرر ( التسريع ) مرتين في الخطاب الملكي الذي جاء فيه ( ننتظر وتيرة أسرع وأثراً أقوى من الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية في إطار علاقة رابح/ رابح بين المجالات الحضرية والقروية ) . ولذلك كان العنوان الأبرز لخطاب جلالة الملك محمد السادس ، أعز الله أمره ، هو تسريع مسيرة المغرب الصاعد ، وهو المغرب الذي تجاوز مرحلة النمو ودخل في طور الإقلاع ، حتى صار اليوم في مرحلة الصعود . وتلك مؤشرات للتقدم حري بجميع المواطنين قراءتها والتمعن فيه واستحضارها حينما ينظرون إلى يجري على الأرض في هذه الفترة ، التي دعانا الخطاب الملكي السامي إلى عبورها ، راسماً لنا معالم طريق العبور .