2023 أغسطس/أوت 18 - تم تعديله في [التاريخ]

قانون الحق في الحصول على المعلومة بالمغرب.. بين فعلية النصوص وبطء الممارسة


العلم الإلكترونية - بقلم عبد العالي أورشيح

"الحق في المعلومة" أو "الولوج إلى المعلومة" أو "النفاذ إلى المعلومة" تختلف التسميات، التي تطلق على هذا الحق الكوني حسب المرجعيات، إلا أنها جميعا تؤكد على غاية واحدة وهي حرية التمتع بحق من حقوق الإنسان المنصوص عليها في كل المواثيق الدولية، خصوصا  المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 

خطا المغرب خطوات مهمة، في سبيل الاعتراف بهذا الحق وممارسته، وانطلقت النقاشات الفعلية، في شأن هذا القانون منذ عام 2007، بعد إقرار المغرب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ليتوج المسار بإقرار هذا الحق الدستوري عام 2011، إذ نجد الفصل 27 من الوثيقة الدستورية ينص على ما يلي: 

”للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”.
 
وهكذا أصبح الوصول إلى المعلومة حقا مدنيًا، من حقوق المواطنين والمقيمين القانونيين، في المغرب، وذلك بعد ترافع مجموعة من هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وعدد من النشطاء في مجال حقوق الإنسان، وكذا بعض الفاعلين الإعلاميين، الذين كانوا ينظرون إلى هذا الحق بصفته ركيزة أساس لتخليق الحياة العامة، وشرطا من شروط تحقيق النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. 

سياق إقرار القانون 31.13 بالمغرب..
 
انخرط المغرب في مسلسل الانضمام إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة (OGP)، وتهدف هذه المبادرة بالأساس، إلى دفع الدول المنخرطة في المبادرة إلى دعم الديمقراطية التشاركية، بوضع المواطن في صلب اهتماماتها عبر تعزيز الشفافية والحصول على المعلومة، والنزاهة ومحاربة الفساد واستغلال التكنولوجيات الحديثة.

وفي سياق استكمال شروط الانضمام لهذه المبادرة، بذل المغرب جهودا كبيرة لتوفير شروط الانضمام إليها، حيث تم إعداد وتنفيذ عدة مشاريع ذات الصلة، لاسيما تلك المتعلقة بشفافية الميزانية، والحصول على المعلومات، والنزاهة، والمشاركة المواطنة. وقد تكللت هذه الجهود بإصدار القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 مارس 2018، بعد سنوات من السجال والمعارك التشريعية. وكان من المقرر أن يدخل القانون، حيّز التنفيذ بعد عام من نشره  في الجريدة الرسمية في مارس 2019. ولكن القانون 31.13 لم يصبح نافذا بصورة رسمية إلا بعد عام من ذلك، في مارس 2020، بسبب العوائق اللوجستية والمسائل المتعلقة بالتنفيذ. وبهذا يكون قد استكمل شروط الانضمام لهذه المبادرة، وبتاريخ 26 أبريل 2018 أصبح المغرب العضو 76 في مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة.

وحسب ما ورد في بوابة الحكومة المنفتحة بالمغرب فإن الإدارات والمؤسسات العمومية عملت على مباشرة عمليات تفعيل هذا القانون، بعد دخوله حيز التنفيذ كلية؛ حيث تم تعيين الأشخاص المكلفين بالحصول على المعلومة والذي بلغ عددهم أكثر من 1850 شخصا لتلقي الطلبات والرد عليها.

وفي السياق نفسه، تم تنظيم دورات تكوينية لفائدة هؤلاء الأشخاص عبر مكونين مختصين سبق تكوينهم لهذا الغرض، كما تم إحداث بوابة إلكترونية للحصول على المعلومات بهدف تيسير عملية إيداع الطلبات واستخراج الإحصائيات المرتبطة بها. إلا أنه بالرغم من هذه التدابير والجهود المبذولة، لا تزال نسبة التفاعل مع طلبات الحصول على المعلومات المقدمة من طرف المرتفقين غير كافية كما وكيفا، وذلك راجع لعدة أسباب من أهمها:
 
·       غياب آلية دائمة لدعم وتقوية قدرات الأشخاص المكلفين بالمعلومات؛
·       قصور على مستوى نشر المعلومات ولاسيما تلك المنصوص عليها في المادة 10 من القانون 31.13 المتعلقة بالنشر الاستباقي للمعلومات.
 
ولأجل تفادي هذه الإشكاليات والعراقيل، التي قد تَحول دون التنزيل السليم للقانون 31.13 ، تم إحداث  لجنة الحق في الحصول على المعلومات، بموجب القانون ذاته. التي تسهر على ضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومة، كما تعمل على تقديم الاستشارة والخبرة للمؤسسات أو الهيئات المعنية حول آليات تطبيق أحكام هذا القانون وكذا النشر الاستباقي للمعلومات التي في حوزتها،  إلى جانب تقديم اقتراحات للحكومة من أجل ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع مبدأ الحق في الحصول على المعلومات، علاوة على تلقي الشكايات المقدمة من طالبي الحصول على المعلومات، والقيام بكل ما يلزم للبت فيها، بما في ذلك البحث والتحري وإصدار توصيات بشأنها.
 
أربع سنوات من تنزيل القانون 31.13  .. ماذا بعد؟
 
بعد مرور أربع سنوات على دخول القانون 31.13، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة حيز التنفيذ، تبين من خلال الممارسة أن هناك عدة عوائق تحول دون التنزيل السليم لهذا القانون؛ إذ غالبا ما يشار إلى أن العائق الأكبر أمام تنزيل هذا القانون يتمثل في عدم توافر القدر الكافي من الموارد البشرية والمالية، إلى جانب صعوبة تغيير الثقافة المجتمعية والمؤسسية التي تتمثل في الاحتفاظ بالمعلومات وعدم مشاركتها، مما يشكل تحديا حقيقيا في الممارسة.
 
مما يستوجب العمل على ترسيخ ثقافة سياسية قوامها الشفافية والتشاركية، حيث إن عددا من المؤسسات العمومية والمنتخبة، لا تعمل على النشر الاستباقي للمعلومات والمعطيات، تفاديا لأن تتضمن أدلة على سوء الإدارة، أو سوء استعمال الموارد العمومية، إلى جانب ضعف تفعيل هذا القانون من قبل المواطنين من خلال طلب المعطيات من المؤسسات المعنية.
 
وفي هذا الإطار قال الباحث في الإعلام والتواصل محمد كريم بوخصاص، إن "التفسير الوحيد لعدم نشر عدد من المؤسسات للمعطيات هو ربما أنها تخشى أن يعرف المواطن الحقيقة، علاوة على أن هناك بيروقراطية وكذا تخوف من نشر المعلومة، وهذا عنصر سلبي جدا للإدارة، بحيث أي تراجع عن هذا الحق الذي تكفله مختلف القوانين الدولية والوطنية، يعد تقييما سلبيا للمؤسسات، وتفسيره يعود إما للخوف أو ربما الكسل في التعاطي مع طلبات المعلومات، بالإضافة إلى أن عددا كبيرا من المؤسسات لا تتوفر على  مسؤولين للتواصل مع الصحفيين فبالأحرى؛ التجاوب مع طلبات المواطنين المتعلقة بالمعلومات". 
 
وارتباطا بالموضوع، جاء في اجتماع لجنة الحق في الحصول على المعلومات في مارس المنصرم، وجوب مراجعة القانون رقم 31.13 وتطوير مقتضياته للتجاوب موضوعيا، مع متطلبات الإتاحة الكمية والنوعية للمعلومات لسائر المعنيين، ومواجهة انتشار المعلومات الزائفة، التي تشوش على تدبير الشأن العام، الناتج عن الشح الملموس في المعلومات المتاحة من لدن المؤسسات، والهيئات المعنية بهذا القانون، بخصوص القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام. وقد خلصت اللجنة إلى ضرورة تعديل القانون، نظرا لما يعتريه من نقائصَ على المستويات التالية:

·       تطبيق الحق في الحصول على المعلومات؛
·       طالبي المعلومات وذلك بالعمل على توسيع نطاق طالبي المعلومات؛
·       صلاحيات اللجنة ومهامها ومجالات تدخلها وطبيعة التوصيات الصادرة عنها.

وقد أكدت عدة وثائق وطنية من بينها تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، والتقرير الذي أعدته الحكومة حول التقييم الذاتي، لمشاريع الحكومة المنفتحة الصادر في يوليوز 2022، تعثرا واضحا في إنجاز المشاريع ذات الصلة، بالحصول على المعلومات، وعدم كفاية نسبة تفاعل المؤسسات والهيئات المعنية مع طلبات الحصول على المعلومات.

كما أن للإعلام دورا هاما في تنزيل وتجويد هذا القانون، وهذا ما أكده الباحث بوخصاص في حوار أجريناه معه، على أن للجسم الصحفي دورا مهما في "الترافع باحترام عن حق الصحفي في الحصول على المعلومة كباقي المواطنين، مع العلم أنه حق دستوري ومنصوص عليه في قانون الصحافة والنشر، إلا أن الإشكال المطروح للصحافيين بعد مرور 4 سنوات من إقرار القانون 31.13، هو أن الترتيبات القانونية لتنزيله، لازالت متعثرة إلى اليوم، بالتالي؛ فإن الصحفيين مطالبين بالترافع على تفعيل هذا القانون. كما يحتاج من الفاعل السياسي أن يتحمل مسؤوليته في تفعيله، إضافة إلى صعوبة العمل بمنصة تقديم طلبات الحصول على المعلومة ، وهذا عن تجربة زملاء قدموا طلبات للحصول على المعلومات، ولم يتوصلوا بأي معطيات، وقد تبين لهم وجود مشاكل تقنية في هذه المنصة بعد تحقيق صحفي عنها؛ بحيث الطلبات لا يتم تحويلها للمؤسسات المعنية، وكل هذه مشاكل يمكن تجاوزها ولا تحتاج إلا إرادة من قبل الفاعلين".
 
وإلى هنا فإن التنزيل السليم لكل الضمانات المرتبطة، بهذا الحق و التخفيف من القيود، والاستثناءات الواردة عليه، من شأنه أن يعزز الثقة بين كل مكونات المجتمع المغربي ومؤسساته، وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة ودعم الديمقراطية التشاركية، بوضع المواطن في صلب الأولويات، وذلك بغية تحقيق المصلحة الفضلى، والالتحاق بمصاف الدول الرائدة.

طالب باحث في التواصل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال




في نفس الركن