طارق القاسمي الكاتب العام للمجلس الجهوي لعدول استئنافية سطات سابقا
العلم - طارق القاسمي
إذا كان مشروع القانون المنظم لمهنة العدول المصادق عليه بالمجلس الحكومي يوم الخميس 20 نونبر 2025، قد أثار الجدل والنقاش لدى الرأي العام مؤخرا أثناء طرح سؤال شفوي بالبرلمان بسبب التراجعات التي عرفها هذا المشروع حسب ما جاء في السؤال المطروح، فإن الجدل سيتواصل أثناء مسطرة التشريع- مع الاشارة إلى أن أصوات عديدة رفضت المشروع وتنادي بسحبه- من خلال مكامن الخلل التي يتضمنها هذا المشروع، والتي تفرض ضرورة عرضه على المحكمة الدستورية للحسم في هذا الجدل من جهة، واحتراما لتراتبية القواعد الدستورية من جهة أخرى، سنحاول الوقوف على بعضها في هذا المقال:
إذا كان مشروع القانون المنظم لمهنة العدول المصادق عليه بالمجلس الحكومي يوم الخميس 20 نونبر 2025، قد أثار الجدل والنقاش لدى الرأي العام مؤخرا أثناء طرح سؤال شفوي بالبرلمان بسبب التراجعات التي عرفها هذا المشروع حسب ما جاء في السؤال المطروح، فإن الجدل سيتواصل أثناء مسطرة التشريع- مع الاشارة إلى أن أصوات عديدة رفضت المشروع وتنادي بسحبه- من خلال مكامن الخلل التي يتضمنها هذا المشروع، والتي تفرض ضرورة عرضه على المحكمة الدستورية للحسم في هذا الجدل من جهة، واحتراما لتراتبية القواعد الدستورية من جهة أخرى، سنحاول الوقوف على بعضها في هذا المقال:
أولا، نسجل بكل أسف غياب المقاربة التشاركية الفعلية "تشاركية انتقائية"، عدم إشراك التنظيمات الموازية للهيئة الوطنية للعدول مما يفهم منه أن المشروع ملك خالص لواضع المشروع يشرك من يشاء ويمنع من يشاء...، عدم إشراك التنظيم النسائي على سبيل المثال لا الحصر مع الاشارة ان دستور 2011 واضح في هذا الباب.
ثانيا: تثبيت نظارات شمسية " سوداء" من طرف واضع المشروع على العديد من المقتضيات الدستورية، 20/29/31/118...، اثناء صياغته للمشروع، وكأن دستور المملكة صيغت قواعده على سبيل الترف الفكري، وليس اعتبارا لتراتبيتها كأسمى قاعدة يجب الانضباط إليها قدر الإمكان.
ثالثا: عدم احترام المشروع للحقوق المكتسبة، وهي قاعدة معروفة عند معظم صناع القاعدة القانونية في العالم سواء تعلق الأمر بالمدرسة الفرنكوفونية او الأنكلوساكسونية، فلماذا صاحب المشروع مثلا قام بحذف ديباجة القانون وهي تاج القوانين...،وحذف كناش التصاريح...، وحذف المادة 32 من القانون الحالي، ونسخ المادة 09 من المرسوم التطبيقي للقانون الحالي(تأهيل العدل المتمرن لممارسة مهنة التوثيق).؟
رابعا: امتناع واضع المشروع عن تسمية قانون المهنة بقانون التوثيق العدلي، وهو يعلم علم اليقين أن وظيفة السيدات والسادة العدول هي توثيق الحقوق بكافة أنواعها، وهي مناسبة لأحيل من سهر على صياغته للرجوع فقط إلى مقتطف من الفقرة الأولى من ديباجة القانون الحالي على سبيل المثال لا الحصر نصه: "..وقد كان لها طيلة قرون دور فعال فيما يتعلق بتوثيق بيعة الملوك والسلاطين في علاقتهم مع رعاياهم، وفيما يتعلق بتوثيق جلسات القضاء وضبط الأحكام وحفظها وتدوينها."
خامسا: غياب مقتضيات قانونية تحمي حقوق المرأة العدل التي ولجت بتعليمات ملكية سامية؟ رغم إحداثه 118 مادة جديدة، مكتفيا بتكريس طابعه الذكوري الزجري والتأديبي، مع إحداث باب بعناوين مرعبة، الباب العاشر: المراقبة والبحث والتفتيش والتأديب، ما يقارب 29 مادة من الترهيب والقهر والعنف النفسي من المادة 101 الى المادة 130 من المشروع، بزيادة عددية كبيرة ومبالغ فيها لأفعال الوجوب والتقييد والإلزام سواء في هذا الباب أو باقي الأبواب، مما خلق انعدام التوازن بين الحقوق والواجبات!!!!
سادسا: إسقاط المادة 39 من الصيغة الأولى للمشروع، خلق منتوجا تشريعيا مشوها.
إذا افترضنا وقبلنا بهذا البعد الزجري الردعي الصارم للعدل حماية لمرفق التوثيق والمرتفقين حماية لأموالهم، فكيف يعطي واضع المشروع لنفسه الحق في إقصاء العدل من حقه في وسائل العمل آلية الايداع على سبيل المثال؟ أي الحق في ايداع ثمن البيع لدى جهة مؤهلة قانونا للاحتفاظ بها إلى حين ان تمر عملية البيع في أمن وأمان"، والتي تعتبر أساسا حقا لأطراف العقد في حماية وتأمين عملياتهم العقارية الذين اختاروا طواعية ابرامها أمام العدول!!!
ألم يضع المشرع ترسانة زجرية هائلة؟
أليس من حق المرتفق الذي اختار العدل لتوثيق معاملته أن يستفيد من خدمات صندوق الإيداع باعتباره مؤسسة عمومية؟
وهنا نطرح السؤال لماذا وضع صاحب المشروع نظارات سوداء اثناء صياغته للمشروع دون تكليف نفسه عناء الاطلاع على نص قانوني يعتبر مرجعا وطنيا بصريح النص، قانون بمثابة ميثاق للمرافق العمومية الذي نشر بالجريدة الرسمية عدد 7006 ، بتاريخ 22 يوليو 2021، تطبيقا لأحكام الفصل 157 من دستور المملكة، ونص في فقرته الأولى من مادته الثالثة على مايلي:
"تعتبر أحكام هذا الميثاق إطارا مرجعيا وطنيا لمبادئ وقواعد الحكامة الجيدة، يجب على السلطات الحكومية وجميع مسؤولي المرافق العمومية، كل في ما يخصه، التقيد بمضامينه والعمل على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذه."
ولأهمية هذا القانون الدستورية، فهو منشور أيضا باللغة الفرنسية، جريدة رسمية عدد 7106 ، بتاريخ 7/7/2022.
سابعا: لماذا المشرع تعامل مع مفهوم رسمية العقد بسكيزوفرينية مذلة لمؤسسة العدل؟ اعترف للعدل برسمية العقد في القانون الجنائي بإقراره لعقوبات جنائية ثقيلة، المادة 352/353/354 من مجموعة القانون الجنائي، وأقصاه من إضفاء الرسمية عليها.
فمثلا بالرجوع إلى المادة46 من مشروع القانون رقم 16.22 المنظم لمهنة العدول_ مع تحفظنا على تسمية المشروع_نجده قد نص على مايلي:
يختص العدل، وفقا لمقتضيات هذا القانون، بتلقي وتحرير العقود والشهادات التي يفرض القانون إضفاء الصبغة الرسمية عليها، أو تلك التي يرغب الأطراف في اضفاء هذه الصبغة عليها، وكذلك تلك التي يسند له القانون اختصاص تلقيها وتحريرها."
مما يوحي للقارئ أن العدل مختص بإضفاء الرسمية على العقد، خاصة مع طريقة التلقي الجديدة التي جاء بها المشروع والفريدة من نوعها_ أسلوب طبق الأصل لطريقة اعداد الوثيقة عند الموثق_ لكن مختلفة الأثار والنتائج، ففي المشروع الرسمية تكتسبها الوثيقة ليس بتوقيع أطراف العلاقة التعاقدية أمام العدلين، بل تكتسبها بعد خطاب القاضي المكلف بالتوثيق المادة، 76/77/78 من المشروع المصادق عليه.
فيكون واضع المشروع قد وقع في وضع متناقض، فهو من جهة في باب الاختصاص يمنح العدل هذا الحق، الحق في اضفاء الرسمية، الباب الخامس الذي ينظم: الاختصاص واجراءات تلقي وتحرير العقود والشهادات، لكن سرعان ما يتراجع عنه في الباب السابع المعنون بالخطاب على العقود والشهادات، ويسنده صراحة لمؤسسة القاضي المكلف بالتوثيق، وهو بهذا التبويب الغريب يكون قد خلق نوعا من الارتباك والتشويش في ذهن الباحثين ورجال القانون من حيث الشكل، فمادام المشرع لازال مصرا على بقاء مؤسسة القاضي كإجراء شكلي، فكان عليه أن يتجرد من أنانيته وأن يسلك ما سلكه المشرع في القانون الحالي بإدراج خطاب القاضي ضمن إجراءات تحرير الشهادة، الباب الثاني، تحرير الشهادة، المادة 35 منه، تتحدث عن خطاب القاضي كإجراء شكلي!!! وهو الصواب.
كما خلق أيضا تشويشا من حيث الموضوع فهو مختص بإضفاء الرسمية في الباب الخامس، وغير مختص في الباب السابع.
هذه أمثلة بسيطة عن تناقضات المشروع المصادق عليه، أما عن تناقض المشرع المغربي في قوانين أخرى، فنجده يتعامل مع العقد الرسمي بازدواجية المعايير، فالمحافظ العقاري يتحقق من العقد الرسمي شكلا وموضوعا ويضفي رقابته عليه المادة 72،من ظهير التحفيظ العقاري، إضافة إلى رقابة القاضي المكلف بالتوثيق، فهي إذن رقابة مزدوجة على العقد الرسمي العدلي، في حين العقد الرسمي في قانون آخر لا يخضع لهذه الازدواجية في الرقابة!!!
مما سبق، ومن خلال هذه الأمثلة المختصرة لمكامن الخلل في هذا المشروع، يمكننا القول أن هذا المشروع المصادق عليه يتضمن عوارا وثقبا كبيرا، ومجموعة من الاختلالات الشكلية والموضوعية حاولنا الوقوف على بعضها، ولا يمكن تقبله أو قبوله على حالته إلا بسحبه إن أمكن كخيار أول، أو التريث في مناقشته، و محاولة ترميمه قدر المستطاع كخيار ثاني، وضرورة عرضه على المحكمة الدستورية إجباريا للحسم في النقط الخلافية، إحقاقا للحق وتحقيقا للأمن القانوني والتوثيقي المنشود، واحتراما لتراتبية القواعد الدستورية دون تمييز او إقصاء، أو تغليب فئة مهنية على أخرى.
رئيسية 








الرئيسية 






