2023 ماي 8 - تم تعديله في [التاريخ]

قرعة أمريكا.. الوجه الآخر للبطالة ببلادنا!


العلم الإلكترونية - بقلم أنس الشعرة

كان المغاربة، يوم السبت الماضي 06 ماي، على موعد مع  نتائج "اللوتري" القرعة العشوائية الأمريكية 2023/2024، وهو موعد سنوي، بات قطاع عريض من المغاربة ينتظرهُ بفارغ الصبر، ولوهلة قد يبدو الأمر حدثًا عاديا، لا يحمل أي جديد أو على الأقل لا يلفتُ الانتباه، نظرًا لطبيعة الحدث ذاته، إلا أنه بزيارة  لمنصة "فيسبوك"، سنكتشف بسرعة البرق، أن الحدث ليسَ عاديًا تمامًا، أساتذة وموظفون وغيرهم، يترقبونَ بشوق وبشغف نتائج القرعة العشوائية، وفي هذا الصدد، نتساءل عن السبب الذي يدفعُ المغاربة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الاجتماعية إلى الرغبة في الهجرة؟
 
يشير مؤشر المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الصادر في بداية هذا العام، إلى أن 34 بالمائة من المستجوبين المغاربة يرغبونَ في الهجرة، وبحسب المؤشر ذاته، فإن سبب الهجرة الرئيس يعودُ إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية، وعندما نتحدث عن الأسباب، التي تدفعُ الناس إلى الهجرة، نجد أهمها: انخفاض معدلات التوظيف، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع الأسعار وغيرها من الأسباب ذات الصلة، وبمناسبة ذكر البطالة فإنها قفزت إلى 12.9 بالمائة في الربع الأول من هذا العام على المستوى الوطني، بعدما سجلت انخفاضًا طفيفًا وصل إلى 12.1 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية في الفترة ذاتها، بحسب المذكرة التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط بداية الشهر الجاري.

وبلغة الأرقام، فإن تشخيص أسباب الهجرة كميًا، هو منطق حسير وغير فعال، في مثل هذه الموضوعات، لأنه مثل الشجرة التي تخفي وراءها أجمة كبيرة، ذلك أنه لا يفسر داء العطب، بقدر ما يجعلنا نسقط في فخ المقارنات والأرقام ليسَ إلاّ، أما علل الداء فنجدها في مجالات أخرى.

ولنلقي نظرة على معطيات المذكرة ذاتها، التي تؤكد على أن أعلى نسبة للبطالة نجدها في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، بنسبة 35.3 بالمائة، بارتفاع عن السنة الماضية بـ 11 بالمائة، وارتفاع في حجم العاطلين يقدر بـ 83 ألف شخص، وانخفاض في حجم الشغل بـ280 ألف منصب، نتيجة فقدان 229 ألف منصب بالوسط القروي و51 ألف بالوسط الحضري.

وكما أشرنا مسبقا، فهي لغة أرقام تتأرجح بينَ الانخفاض والارتفاع، ولا تشيرُ إلى الأسباب والمسببات، ولفهم ذلك علينا النظر في الاقتصاد، ثم لنرجع البصرَ كرةً أخرى إلى السياسة، لتفسير هذه الأرقام والمعطيات.

ولمحاولة تفسير ما يجري، نأخذ السياسات العمومية في مجال التشغيل، مثالاً لذلك، نجد أن البرامج المعتمدة لتشغيل الشباب وحاملي الشهادات، مثل برنامج "إدماج"، وبرنامج "تحفيز"، و"أوراش"، وغيرها منَ البرامج التي مضت مع الحكومتين السابقتين،  لم تؤتِ أكلها في سياسات التشغيل، والتي لا زالت في طور الإنجاز، تمضي على نفس النهج، والسبب أنها برامج مؤقتة وغير مستدامة، ولا تؤمن الحماية الاجتماعية الكافية والشاملة، ما يؤكد على مستوى التفسير، أن أزمة البطالة في المغرب هي أزمة هيكلية وليست ظرفية، عللها تكمنُ في السياسات العمومية المعدة للتشغيل، وبالتحديد في المجال الاقتصادي والسياسي، حيث يتم هيكلة المشاريع ووضع المخططات بحسب الأولوية، والأولوية في سياسات التشغيل، للمقاولة أي لمجال الاستثمار، هذا ما صرحَ به وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى وتشغيل الكفاءات في مقابلة تلفزيونية، على قناة "فرانس 24"، العام الماضي، قائلا إن "الحل الأمثل بالنسبة للتشغيل هو الاستثمار"، مضيفا، أن "ثُلثي الاستثمار تقوم به الدولة، وثلث فقط يقوم بهِ الخواص، والدولة الآن تحاول أن تعكس هذه المعادلة"، هذا هو توجه الدولة في خلق فرص الشغل، أي توجيه برامج السياسات العمومية نحوَ منطق المقاولة وخلق السيولة المادية من خلال منظور الاستثمار، ما يطرح أمامنا العديد من الأسئلة إحداها: كيفَ يمكنُ التوفيق بينَ توجه يقول بتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية وتوجه يؤكد أن السياسات العمومية في التشغيل ترتكزُ على الاستثمار واستثمار الخواص أساسًا؟ ألا يشكل ذلك تناقضًا بين المنطلقات والغايات؟

ولنستحضر كل هذا، ونعيدُ وصله بأسباب فشل سياسات التشغيل ببلادنا، نقول إن إحداها تكمن في مفارقة مُلاَءمة التكوين معَ متطلبات سوق الشغل، وهي أزمة بنيوية كبرى تؤخر التحاقَ الشباب بسوقِ الشغل.

ولمزيد منَ الفهمِ للأزمة فقط، تسعى السياسات العمومية المتعلقة بالتشغيل إلى تشجيع مناخ الاستثمار كآلية لخلق برامجَ مندمجة ومتكاملة، ودعم وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، إلا أن هذا التوجه يعملُ على تكريس الأزمة وإعادة إنتاجها بالاستراتيجية ذاتها، فالأزمة تعود إلى بنية الفساد التي وجدت بيئة ملائمة وتتنامى بشكل مطرد، كما أقر ذلك تقرير سابق صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (2013)، وهو ما يجعل هذه السياسات الموجهة نحو الشباب في مهبّ الريح، بسبب تفشي الفساد، وطبيعة البرامج الموجهة التي لا تتلاءم، مع حاجيات سوق الشغل والتكوين، كما أشرنا سلفا.
 
وبالمختصر، فإن السياسات العمومية في مجال التشغيل، تفتقد إلى حكامة استراتيجية للتشغيل، تقاربُ البنيات المجتمعية وتستوعبُ مفارقتها، من منطلقات بنيوية أي من رصد مكامن الخلل التي تؤكدها تقارير رسمية وتدق من خلالها ناقوس الخطر حول أزمة البطالة واستفحالها، في ظل ارتفاع مهول لتكاليف الحياة اليومية، وغياب حلول مستندة على نتائج ملموسة ومستدامة، وتلكَ هي الحلقة التي تفتقدها السياسات العمومية في مجال التشغيل وهي استدامة الأوراش والمشاريع.



في نفس الركن