العلم - محمد بشكار
لِتلُوح في مُحيّاك بالأنوار دون أن تمْسَسْك نار، عليكَ أن تُغمِّس بكل ما أوتيت من ظمأ، في زيت زيتون تاونات، ذاك الذي اقتطفتهُ حبّاتٍ من زمُرُّد واعْتَصَرتْها، أيادي الرجال الحقيقيين في أعالي الجبال، عليك وأنت تُطارد بيتا شِعْريا في الخيال كمن يتحرّش بمعشوقة، أن ترقص في شماريخ تاونات على إيقاع الطقطوقة، أن تُدفِّئ القلب قبل المعدة، بوجبة بيصارة طافية بزيت الزيتون، مُتبّلة بعاصفة من غبار الحارِّ والكَمُّون !
تاونات الصغيرة الرَّابِضة بين جبالٍ مبْثُوثة بالأغراس، على بُعد وردتين من ربيع الشعر لمُؤسِّسه المُقتدر أحمد مُفدي بفاس، تاونات المعشوقة كقصيدة على إيقاع الطقطوقة، لم تُعِد الحياة فقط لشاعر ديوان "السوانح" إدريس الجاي، بل والحق يُقال دون زيادة في المثقال، استعاد كل من هبَّ مع الهواء إلى طقْسها الشّتوي، حياةً جديدة ليس كالتي تبقى حبيسة الورق في قصيدة، أوَ ليس مما يُضاعف العُمر إلى الأبد، أن يلتئم في مهرجان شعري أصدقاءٌ طال عن لقائهم الأمَد، يا أ الله ما أروع هذه اليد البيضاء، تلك التي ردمت بحكمة في الأنفس، هوة اتسعت بين أدبائنا بسوء الفهم، انظُر كيف انقلبت الألغام، إلى إهداءات تكتبها الأعين بأهدابها قبل الأقلام !
الأغنية التي في البال، لم تكُن سوى صوت خفيت للصديق الشاعر عبد السلام المساوي، كان ذلك حين رنّ الهاتف ذات مساء، مُنادياً شيئا مني لأقوله في مهرجان الشعر المغربي الأول بتاونات، رأيتني قريبا أمسك سقفا من "سقوف المجاز"، وهو عنوان أحد أجمل دواوين المساوي، قلت أنا الذي اعتذرت لكثير من المهرجانات في السنوات الأخيرة، مع عرّاب مهرجان الفيلم التربوي بفاس يا حسرة على الأيام، ستكون الطريق مُعبّدة مهما ابتعدت الشُّقة بين الرباط وتاونات، ولن أحتاج مع بعض التخييل، إلا إلى فرْكة جناح لأصِل هناك دون وعْثاءٍ أو عكاز، ألَمْ أقُل إنّ الشاعر المساوي يدٌ بيضاء بسِعة الأفق، لا تتحرّك إلا لتكتب الشِّعر أو تُجمِّع ما تفرَّق، فها هو الرباوي ينخرط في أحاديث شجية مع العاصمي على مائدة واحدة، لكأنهما يكتبان أجمل قصيدة، وذلك شأن الكِبار، وها صالح لبريني أول من ألتقيه حين لفظني القطار في مقهى بفاس، لنستأنف رحلة الديوان في سيارة المساوي بعد احتساء فنجان، وها نجيب خداري يرثي شَعْري الأسود، وهو لا يدري أنني لا أريد أن أتركه بشَعْره الأبيض، وحيدا كالغيم في السماء، وها إدريس الوالي رئيس منتدى كفاءات مُنظِّم المهرجان، يضبط المواعيد ويُغطّي بحضوره كل الأنشطة بحدْس الإعلامي النبيه، وها الخصار يعانق بشكار، ويوبخ مسافة السفر التي جعلت ليلته بيضاء، وها القادري رجع إلى سلا وترك بيت الشِّعر في تاونات مفتوحا للجميع، غير قابل للكراء أو الشراء، وها البوكيلي يتسلْطنُ مُستعيداً أمجاده الإذاعية، في جلسة دافئة بحضور عائلة وزملاء المرحوم إدريس الجاي، وها أنا لمْ يبْق مني إلا أنا بعْد أنْ انفض المهرجان، عبثا أحاول تذكر كل الأسماء، ولكن يبدو أنّ أعزّها انتبذ من القلب مكاناً قصِيّاً، وستبزغ مع أوّل قمرٍ ذات كتابةٍ في المساء !
لِتلُوح في مُحيّاك بالأنوار دون أن تمْسَسْك نار، عليكَ أن تُغمِّس بكل ما أوتيت من ظمأ، في زيت زيتون تاونات، ذاك الذي اقتطفتهُ حبّاتٍ من زمُرُّد واعْتَصَرتْها، أيادي الرجال الحقيقيين في أعالي الجبال، عليك وأنت تُطارد بيتا شِعْريا في الخيال كمن يتحرّش بمعشوقة، أن ترقص في شماريخ تاونات على إيقاع الطقطوقة، أن تُدفِّئ القلب قبل المعدة، بوجبة بيصارة طافية بزيت الزيتون، مُتبّلة بعاصفة من غبار الحارِّ والكَمُّون !
تاونات الصغيرة الرَّابِضة بين جبالٍ مبْثُوثة بالأغراس، على بُعد وردتين من ربيع الشعر لمُؤسِّسه المُقتدر أحمد مُفدي بفاس، تاونات المعشوقة كقصيدة على إيقاع الطقطوقة، لم تُعِد الحياة فقط لشاعر ديوان "السوانح" إدريس الجاي، بل والحق يُقال دون زيادة في المثقال، استعاد كل من هبَّ مع الهواء إلى طقْسها الشّتوي، حياةً جديدة ليس كالتي تبقى حبيسة الورق في قصيدة، أوَ ليس مما يُضاعف العُمر إلى الأبد، أن يلتئم في مهرجان شعري أصدقاءٌ طال عن لقائهم الأمَد، يا أ الله ما أروع هذه اليد البيضاء، تلك التي ردمت بحكمة في الأنفس، هوة اتسعت بين أدبائنا بسوء الفهم، انظُر كيف انقلبت الألغام، إلى إهداءات تكتبها الأعين بأهدابها قبل الأقلام !
الأغنية التي في البال، لم تكُن سوى صوت خفيت للصديق الشاعر عبد السلام المساوي، كان ذلك حين رنّ الهاتف ذات مساء، مُنادياً شيئا مني لأقوله في مهرجان الشعر المغربي الأول بتاونات، رأيتني قريبا أمسك سقفا من "سقوف المجاز"، وهو عنوان أحد أجمل دواوين المساوي، قلت أنا الذي اعتذرت لكثير من المهرجانات في السنوات الأخيرة، مع عرّاب مهرجان الفيلم التربوي بفاس يا حسرة على الأيام، ستكون الطريق مُعبّدة مهما ابتعدت الشُّقة بين الرباط وتاونات، ولن أحتاج مع بعض التخييل، إلا إلى فرْكة جناح لأصِل هناك دون وعْثاءٍ أو عكاز، ألَمْ أقُل إنّ الشاعر المساوي يدٌ بيضاء بسِعة الأفق، لا تتحرّك إلا لتكتب الشِّعر أو تُجمِّع ما تفرَّق، فها هو الرباوي ينخرط في أحاديث شجية مع العاصمي على مائدة واحدة، لكأنهما يكتبان أجمل قصيدة، وذلك شأن الكِبار، وها صالح لبريني أول من ألتقيه حين لفظني القطار في مقهى بفاس، لنستأنف رحلة الديوان في سيارة المساوي بعد احتساء فنجان، وها نجيب خداري يرثي شَعْري الأسود، وهو لا يدري أنني لا أريد أن أتركه بشَعْره الأبيض، وحيدا كالغيم في السماء، وها إدريس الوالي رئيس منتدى كفاءات مُنظِّم المهرجان، يضبط المواعيد ويُغطّي بحضوره كل الأنشطة بحدْس الإعلامي النبيه، وها الخصار يعانق بشكار، ويوبخ مسافة السفر التي جعلت ليلته بيضاء، وها القادري رجع إلى سلا وترك بيت الشِّعر في تاونات مفتوحا للجميع، غير قابل للكراء أو الشراء، وها البوكيلي يتسلْطنُ مُستعيداً أمجاده الإذاعية، في جلسة دافئة بحضور عائلة وزملاء المرحوم إدريس الجاي، وها أنا لمْ يبْق مني إلا أنا بعْد أنْ انفض المهرجان، عبثا أحاول تذكر كل الأسماء، ولكن يبدو أنّ أعزّها انتبذ من القلب مكاناً قصِيّاً، وستبزغ مع أوّل قمرٍ ذات كتابةٍ في المساء !