العلم نهيلة البرهومي
تتمثل أولوية مشروع قانون المالية لسنة2026 في مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى والحفاظ على توازنات المالية العمومية، وفي هذا الإطار، وتفعيلًا للتوجيهات الملكية السامية، أكدت الحكومة على مواصلة التدابير الرامية إلى تأمين التزويد بالماء الشروب في المناطق التي تعاني من العجز المائي، وهو ما خُصص له مجموع اعتمادات يقدر بـ 16,4 مليار درهم في إطار هذا المشروع. وسيتم في هذا الصدد، مواصلة تنزيل برنامج بناء السدود (16 سدًا كبيرًا، وبرمجة أشغال بناء سدين كبيرين جديدين)، وتسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية (خصوصًا من حوض واد لو واللوكوس إلى حوض أم الربيع مرورًا بأحواض سبو وأبي رقراق)، ومواصلة تفعيل خارطة الطريق لمشاريع تحلية مياه البحر، بهدف تأمين تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويًا، إضافة إلى تعزيز التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي، وذلك بالموازاة مع تدبير الطلب على الماء واقتصاده وتثمينه.
وستعمل الحكومة، على توطيد مسار التحول نحو استعمال الطاقات الخضراء، عبر تسريع تطوير الطاقات المتجددة، التي صارت تشكل أزيد من 45 في المائة من المزيج الكهربائي الوطني، موازاة مع تفعيل عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر. هذا إلى جانب تطوير استعمال الغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة عبر الشروع في إنجاز أول محطة للغاز الطبيعي المسال بميناء الناظور غرب المتوسط، إضافة إلى إنشاء وحدتين لإنتاج الطاقة بتاهدارت باستعمال الغاز الطبيعي، مع تحويل المحطة الحالية بتاهدارت ومحطتي القنيطرة والمحمدية لمحطات تستعمل الغاز الطبيعي عوض الفيول والفحم.
وعن تخصيص 16.4 مليار درهم لتأمين التزويد بالماء الشروب في المناطق التي تعاني من العجز المائي، أكد عيماد بوعزيز، مهندس في القطاع العمومي وخبير في مجال الماء، أنه قبل 2020 (أي قبل الجفاف وندرة التساقطات المطرية)، كانت الميزانية المرصودة لإنتاج الماء الصالح للشرب لا تتعدى 800 إلى 900 مليون درهم سنويا، وكانت موجهة بشكل خاص إلى تعميم الماء الشروب بالمناطق النائية.
وحسب بوعزيز، فإن الانتقال من الميزانية المرصودة سابقا إلى 16.4 مليار درهم بمثابة تحد في ظل التغيرات المناخية وسلبياتها، خاصة وأن المغرب كان يعرف تساقطات تبلغ 22 مليار متر مكعب، على شكل تساقطات مطرية أو ثلجية.
وأوضح بوعزيز في حديثه مع «العلم»، أن الإشكال الحقيقي اليوم يكمن في نقص التساقطات وتفاوتاتها المجالية، مما جعل المغرب يستهلك من «رأسمال» المياه الجوفية اي المخزون الاستراتيجي المتواجد تحت الأرض.
واعتبر المتحدث، أن الحل الذي كان أمام المغرب هو اللجوء إلى محطات تحلية المياه، والتي يشترط وجودها على السواحل فقط، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا «ماذا عن المناطق الداخلية»، هنا اعتبر بوعزيز أن 16.4 مليار درهم جاءت لتلبي هذه الحاجيات، وإحداث مشاريع مهمة من قبيل الربط بين الأحواض المائية، إضافة إلى بناء السدود..
وفي الشق المتعلق بتوطيد مسار التحول نحو استعمال الطاقات الخضراء، يرى مصطفى العيسات، خبير في المجال الطاقي، أن الحكومة لم يعد لديها خيار غير التسريع في الانتقال الطاقي، نظرا لارتفاع كلفة الطاقة عالميا والذي يؤثر بدوره على ميزان الأداء بشكل كبير.
وأوضح العيسات في تصريح لـ»العلم»، أن حوالي 80 إلى 85 في المائة من الطاقات مستوردة بالعملة الصعبة، وبالتالي سقف2030 للوصول إلى 52 في المائة من إنتاج الطاقات النظيفة وجب تنزيله على مستوى قانون المالية بإجراءات عملية، لتحفيز الاستثمار في المجال الطاقي.
وحسب الخبير، فكل هذه القطاعات المذكورة في حاجة ماسة إلى التمويلات التي تذهب إلى استيراد الطاقة (الوقود الأحفوري). منبها في الوقت نفسه إلى أن مشروع الانتقال الطاقي، بمثابة مشروع ملكي بامتياز.
ونبه إلى أن الهدف من التسريع هو وصول المغرب إلى إنتاج 52 في المائة من الطاقات المتجددة، ولهذا تتجه بلادنا للاستثمار في الطاقات الريحية، والهيدروجين الأخضر. مشددا على أن الغاية الأسمى هي أن يصبح المغرب من الدول المصدرة للهيدروجين الأخضر، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وبذلك ضمان ما يعرف بـ»السيادة الطاقية».
من جهته، سجل أمين بنونة، الخبير في المجال الطاقي، أنه ومنذ تفعيل سنتي 2023 و2024 مولدات ريحية وشمسية بالداخلة، ولحدود 2025 لم تكن هناك أي خطوات مماثلة في هذا الاتجاه، وهو ما يعكس التأخر الحاصل والذي كان سببا في حث مشروع قانون المالية لسنة 2026 على مصطلح التسريع.
وأكد بنونة، في تصريح لـ»العلم»، أن الهيدروجين الأخضر لم يكن منتظرا استعماله في مجال الطاقة، بل موجها للمكتب الشريف للفوسفاط بما يصل إلى 200 ألف طن للهدروجين قصد إنتاج مليون طن من الآمونيا الخضراء. وأن خطة التسريع لسنة 2026 المتعلقة بالاستثمار في الهيدروجين الأخضر، لن تكون بهدف إنتاج الطاقة وإنما للاستعمالات الصناعية. وأرجع الخبير السبب في ذلك إلى التكلفة الحالية التي لا تسمح لاستعمالات الهدروجين الأخضر في المجالات الطاقية.