اعداد: محمد ااورضي
تتجه أنظار القارة الإفريقية، ومعها المتابعون عبر العالم، مساء يوم الأحد 21 دجنبر 2025 نحو المغرب الذي يحتضن افتتاح النسخة الخامسة والثلاثين من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم. حدث لا يختزل في مباراة افتتاحية أو منافسة رياضية، بل يشكل لحظة رمزية قوية تؤكد مكانة المملكة كفاعل محوري في المشهد الرياضي الإفريقي في الوقت الراهن، باعتباره راكم تجربة تنظيمية جعلته في صدارة الدول القادرة على احتضان أكبر التظاهرات القارية والدولية.
- _من 1988 إلى 2025: مسار ثقة وتراكم..
حين نظم المغرب كأس أمم إفريقيا سنة 1988، كانت القارة تعيش مرحلة مختلفة على مستوى البنيات التحتية والاحتراف الرياضي. ورغم محدودية الإمكانيات آنذاك، نجح المغرب في تنظيم نسخة تركت انطباعا إيجابيا لدى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، والمنتخبات المشاركة، والجماهير. تلك التجربة لم تكن محطة عابرة، بل شكلت اللبنة الأولى لمسار طويل من الحضور المغربي داخل المنظومة الكروية الإفريقية، سواء من خلال التنظيم أو المشاركة أو المساهمة في تطوير اللعبة.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يعود المغرب لتنظيم كأس أمم إفريقيا في سياق مختلف تماما، عنوانه التراكم والخبرة والرؤية الاستراتيجية، حيث أصبحت الرياضة جزءا من مشروع تنموي شامل، وليس مجرد نشاط ترفيهي أو تنافسي.
- مغرب الكرة.. إنجازات عالمية..
يدخل المغرب غمار تنظيم نسخة 2025 وهو يعيش واحدة من أنجح فتراته الكروية. فالمنتخب الوطني الأول أعاد كتابة التاريخ بوصوله إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، في إنجاز غير مسبوق عربيا وإفريقيا، أعاد الاعتبار للكرة الإفريقية على الساحة العالمية. هذا الإنجاز لم يكن معزولا، بل جاء نتيجة سياسة رياضية واضحة، ارتكزت على التكوين القاعدي، وتأهيل الأطر، وربط الاحتراف المحلي بالاحتراف الخارجي.
كما واصلت الأندية الوطنية حضورها القوي قاريا، من خلال التتويج بدوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية، في وقت واصلت فيه المنتخبات السنية حصد الألقاب القارية، ما يؤكد عمق المشروع الرياضي المغربي واستمراريته.
- بنية تحتية بمعايير دولية ورؤية مستقبلية..
التحضيرات لكأس أمم إفريقيا 2025 كشفت عن حجم الاستثمار المغربي في البنية التحتية الرياضية واللوجستية. فقد تم تشييد وتحديث ملاعب تستجيب لأعلى المعايير الدولية، إلى جانب مراكز تدريب حديثة، وتجهيزات تقنية تواكب متطلبات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم
وتتكامل هذه البنية الرياضية مع شبكة نقل متطورة، تشمل الطرق السيارة، السكك الحديدية، القطار فائق السرعة، والمطارات الدولية، ما يضمن سهولة تنقل المنتخبات والجماهير بين المدن المستضيفة، ويعكس رؤية متكاملة تجعل من الحدث الرياضي مدخلا لتطوير المجال الترابي.
- كأس إفريقيا رافعة سياحية وتنموية..
يمثل تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 فرصة استراتيجية لتكريس المغرب كوجهة سياحية إفريقية وعالمية. فالمملكة تتوفر على طاقة فندقية مهمة، وخبرة تنظيمية راكمتها من خلال احتضان تظاهرات كبرى، إضافة إلى تنوع جغرافي وثقافي يمنح الزائر تجربة متكاملة.
فالمدن المستضيفة، بما تحمله من تاريخ وحضارة وتنوع ثقافي، تجعل من البطولة مناسبة لاكتشاف مغرب متعدد الوجوه، حيث تمتزج الرياضة بالثقافة، والسياحة بالاقتصاد، في صورة تعكس العمق الحضاري للمملكة.
- المغرب… قبلة إفريقيا التنظيمية..
لم يعد المغرب مجرد بلد منظم للتظاهرات الرياضية، بل أصبح قبلة إفريقية في مجال التنظيم والاحتراف. فقد نجح في كسب ثقة الهيئات الدولية والقارية، بفضل التزامه بالمعايير، وقدرته على الوفاء بتعهداته، وانخراطه الجاد في تطوير الرياضة كأداة للتقارب بين الشعوب.
واحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 يندرج ضمن رؤية أوسع، تجعل من المغرب جسرا بين إفريقيا والعالم، ومن الرياضة لغة جامعة تعكس قيم التضامن والوحدة والتعاون جنوب جنوب.
- تعبئة وطنية شاملة وإعلام حاضر بقوة..
أثبتت التجارب السابقة أن نجاح التظاهرات الكبرى بالمغرب لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تعبئة وطنية شاملة. مؤسسات رسمية، جماعات ترابية، قطاع خاص، مجتمع مدني، وإعلام وطني، كلها مكونات تشتغل بتناغم لإنجاح الموعد القاري.
فالإعلام الوطني يلعب دورا محوريا في نقل صورة الحدث، وتسويق النموذج المغربي، ومواكبة البطولة بمهنية تعكس نضج التجربة الإعلامية المغربية.
- رسالة إلى إفريقيا والعالم..
إن كأس أمم إفريقيا المغرب 2025 ليست مجرد بطولة كرة قدم، بل رسالة واضحة مفادها أن المغرب، بتاريخه في التنظيم، بالاظافة إلى إنجازاته الرياضية، وبنيته التحتية المتطورة، وانخراطه المجتمعي، جاهز لاحتضان إفريقيا وصناعة نسخة استثنائية تظل راسخة في الذاكرة الكروية القارية، وتشكل خطوة جديدة في مسار قارة تتطلع إلى مستقبل أكثر إشعاعا ووحدة، تكون فيها كرة القدم السبيل نحو تقدم القارة..