2025 يونيو/جوان 13 - تم تعديله في [التاريخ]

كراء الموت


العلم الإلكترونية - بقلم هشام الدرايدي 
 
طفت في الآونة الأخيرة ظاهرة تجارية مثيرة للقلق، لا نعلم كيف اندلعت شرارتها في المدن المغربية، ولا كيف تم الترخيص لها، ولا ما هو دفتر التحملات الذي يُفترض أن يُنظمها، إنها بالفعل ظاهرة تمكن شبابنا، خاصة المراهقين منهم، بما يشبه السلاح الفتاك، يُستخدم في إزعاج وبلبلة المجتمع، وقد ينتهي به المطاف إلى الموت المحقق، أو التسبب في مقتل أبرياء آخرين، أو في أفضل الحالات إرسالهم إلى المستشفيات مع إصابتهم بعاهات مستديمة.
 
الحديث هنا عن "سلاح ناري من نوع آخر"، دراجة نارية سريعة وقوية، غزت الأحياء والمدن المغربية، تُكترى بمبلغ زهيد لا يتجاوز 100 درهم في اليوم، فيستقلها شاب مراهق أو قاصر، ويطلق العنان لتصرفاته الطائشة، مستعرضا نفسه أمام المارة وفي الشوارع، غير آبه بخطورة ما هو مقدم عليه، ولا مدرك إلى أين قد ينتهي به الأمر، حتى يُفاجأ بنفسه ملقى على سرير سيارة إسعاف، مضرجا في دمائه، ثم تنطفئ الصورة وتُظلم عيناه، راحلا إلى عالم قد لا يعود منه أبدا.
 
هذه المشاهد باتت تتكرر بشكل كبير ومتواتر، ليلا ونهارا، خلال الأشهر القليلة الماضية، وتجاوزت حدود المعقول، فقد أصبحت هذه المحلات التي تكتري الدراجات تثير الكثير من الأسئلة حول قانونيتها، بعدما أتاحت لكل فئات الشباب فرصة امتلاك دراجة نارية ولو ليوم واحد فقط، ففي السابق، كانت هذه المعضلة تقتصر على أبناء العائلات الميسورة، وكانت تسجّل على الأكثر تقديرا وفاة واحدة في الأسبوع، أما اليوم، فقد بتنا نسمع عن مقتل أو إصابة العشرات في أسبوع واحد!...
 
كنا نعيب على الأسر الغنية سابقا تلبيتها نزوات أبنائها بشراء دراجات الموت، لكن اليوم لم تعد هذه الفئة وحدها في مرمى سهام الانتقادات، إذ بمبلغ 100 درهم فقط، صار بإمكان أي مراهق أن يتحول إلى سائق متهور، يزرع الخوف في الشوارع ويزعج الساكنة، في مشاهد بهلوانية خطيرة غالبا ما تنتهي بكارثة.
 
ورغم تدخل السلطات الأمنية بين الفينة والأخرى عبر حملات تمشيطية لمحاصرة هذه الظاهرة والحد منها، إلا أن هذه الحلول الجزئية لم تعد تجدي نفعا ما دام الخلل لم يُعالج من جذوره، وما دامت هذه التجارة لا تزال تُمارس بلا ضوابط حقيقية. 
 
لقد أصبحنا نألف أرقام القتلى والمصابين التي نسمع عنها كل يوم، والتي تنتشر في صفوف الشباب اليافعين بسرعة مقلقة. فمن يتحمّل مسؤولية هذا العبث؟ ومن يوقف هذا النزيف اليومي؟ ومن يُلزم هذه المحلات بتطبيق معايير السلامة القانونية؟ أليس من واجب السلطات الوصية سن قوانين واضحة تمنع كراء الدراجات النارية للقاصرين، أو على الأقل إخضاع هذه العملية لضوابط مشددة ومراقبة صارمة؟ إن هذا التساهل لم يعد مقبولا، فحياة شبابنا ليست سلعة تُكتَرى وتُستهلَك ثم تُرمى في ممرات المستشفيات أو تُدفن في مقابر الصمت، ولهذا فإن المسؤولية من رأيي تقع على عاتقنا كآباء وأسر، لضبط ومراقبة شبابنا، وكسلطات وصية لزجر المخالفين ومحاربة محلات الكراء غير القانونية، وضبط المحلات التي تحصلت على تراخيص لذلك، وحتى مراجعتها في صيغ الكراء ونوعية المكترين ودواعي كراء الدراجات النارية، حتى لا تتحول إلى دراجات الموت.
 



في نفس الركن