2025 دجنبر 26 - تم تعديله في [التاريخ]

لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 25 دجنبر 2025


العلم - محمد بشكار

لا أترك يدي مكتوفة القلم، عند كل كرةٍ تتطاير فرحا في بلدي، فما أكثر ما تسبقني الحماسة لتسجِّل هدفا في الفؤاد، لكنني لست أخْلط في كل كتابة أخُطُّها تعبيرا عن فرحتي، بين الشّعب والعُشب الممتد أخضر في الملعب، ومع ذلك، لن أعكِّر ببعض التفاصيل حيث يكمن الشيطان، غبطتنا اليوم باحتضان (الكان)، وسيييير على بركة الله إلى المونديال غدا بعد سنوات، لن أقول إن الاكتفاء في الجيب يدفِّئ القلب، وإلا لَما تخلّف الجمهور قيد قافلة، وما ترك الملاعب الفخمة، فارغة في أكثر مِن مقابلة
!

هل أبالغ إذا قلت إنه لا فرق بين اللعب بالكلمة وصنوتها الكرة، بين التقنيات الفنية في التمرير والتعبير، وَلِم لا ما دام هدف اللاعب أو الكاتب، هو الوصول بالمتلقي أو الجمهور، إلى تلكم النشوة التي تُسمى في كل عمل فني الذروة، ومع ذلك فأنا لا أخلط بين الشعب والعُشب، لا أتخذ من أيقونتها وثناً للعبادة يجعلني أفكر بالقَدَم، فما أكثر ما يتجاوز بعض التفكير الكرة إلى الناس رَكْلا، فينقلب اللعب إلى ندم!

ألم أقل غير ما مرّة إنني أحب الكُرة، ولكنني لا أخلط بين الشعب والعُشب، ويُحزنني أن لا أجد مكاناً في مقهاي الأثير، ذلك الذي أجد في ركنه القصي نفسي، فأعجب للسِّحر الذي تبُثُّه هذه المنفوخة ببعض الهواء، في أنفُس جماهير بعرض البحر، حتى ليغدو المقهى ملْعَباً آخر، ولكن بعشب أسود على الرؤوس، يا لفرحة الحَلاّق برزقه المؤجّلْ !

من ينكر على الكُرة سحرها الذي لا يحتاج لرُقْيةٍ أو حجاب، هي الإيديولوجيا الوحيدة التي لم يضعها فوكوياما في خانة النهايات، تستطيع أن تشل بلداً وتسجن الأفراد طواعية في الكراسي، ولو كانت مخصصة للإعدام، تكفي كرة لتطفئ دون تدخُّل عسكري الشرارة !

لا أخلط في كل الكرة بين الشعب والعُشب، فكم يؤلمني أن تُحاكيها الرؤوس، ليس فقط في استدارتها، بل حتّى في طبيعتها التي لا تعرف سوى الطُّفُو في كل السطوح، ماءً كانت أو برّاً وجوّاً، أحب كرة القدم حين تُراوغني من مسافة الفُرجة، بحركات فنية ذكية يُوَقِّعُها اللاعب مثلما يوقع كاتب بضربة قلم، فكرة لا تخطُر على خيال، تهزني من مكاني وأنا لا أبرح مكاني، دون أن تَمَسَّني بجنون تنقل هيسْترياه لغيري، فما أكثر من يفقد بالكرة الوعي، فيقذف الناس بيد من هنا ورِجْلٍ من هناك كما لو قَصَفَتْهُ مِدْفعيةٌ، مما يجعلني أقتفي بالطباشير حدود حُرِّيتي، يا لهول الكرة وهوسها الحامي الوطيس، فقد تجعل الفرد يتقمص شخصية القرد، يقفز فوق الأكتاف يحسبها أشجارا  في غابة،  وما على المرء قبل الانصراف من الملعب، إلا أن يراجع جسده هل ما زال صحيحاً فصيحا ، مَنْ يدري فقد يعود للبيت ناقصاً من أحد الأطراف!

لا أخلط في كل كرة ألعبها بين الشعب والعُشب، أحبها اليوم وغدا، في بلد يعيش اجتماعيا واقتصاديا رغَدا، أحبها متضافرةً في تقدمها مع كل النُّظُم الحضارية للمجتمع، التعليم والصحة والعيش الكريم، أريد أن نلعب كرة القدم في الاتجاه الصحيح، ذاك الذي يعلو بكل ترتيباتنا المتأخرة، ويجعلنا في الصفوف المتقدِّمة للأمم

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 25 دجنبر 2025




في نفس الركن