2025 أكتوبر 30 - تم تعديله في [التاريخ]

مجلس وزاري برؤية ملكية جديدة: من ضبط المالية إلى إعادة هندسة الدولة الاجتماعية:

لماذا يستحق هذا المجلس الوزاري التأمل العميق؟


العلم - بقلم دة. إلهام الوادي

في لحظة سياسية واقتصادية دقيقة، ترأس جلالة الملك محمد السادس، الأحد 19 أكتوبر 2025، بالقصر الملكي بالرباط، مجلسا وزاريا خصص للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، إلى جانب المصادقة على مشاريع قوانين تنظيمية، ومرسومين عسكريين، و عدد من الاتفاقيات الدولية، و لائحة تعيينات في مناصب عليا. هذا المجلس لم يكن مجرد توقيع بروتوكولي، أو مجرد إجراء روتيني بل هو خارطة طريق للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب، إنه محطة سياسية ودستورية تحمل في طياتها مؤشرات على أولويات المرحلة المقبلة، التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، ومكانة الملكية في صياغة السياسات الكبرى.

إن هذا المجلس الوزاري محطة مهمة في مسار الإصلاح المغربي، حيث تبلورت فيه ملامح مغرب جديد يصعد بثقة نحو التنمية الشاملة والمتوازنة.

بلاغ الديوان الملكي لم يكن مجرد سرد لإجراءات تقنية، بل كان خريطة طريق سياسية واقتصادية واجتماعية تترجم تحولا نوعيا في فلسفة الدولة الحديثة التي يقودها الملك.

إذا أردنا الغوص أعمق، فعلينا قراءة مضامين ما وراء البلاغ لفهم السياق، واستشراف التحديات المقبلة، فيما يلي تحليل أعمق لما حمله هذا المجلس الوزاري من إضاءات ودلالات.

1-الملك يضبط البوصلة الاقتصادية

المؤشرات التي عرضتها وزيرة الاقتصاد والمالية أمام جلالته تكشف أن المغرب، رغم الظرفية الدولية المعقدة، يتجه نحو نمو متوازن بنسبة 4.8% مع تضخم لا يتجاوز 1.1%.

هذه الأرقام ليست تقنية فحسب، بل تحمل دلالة رمزية: أن السيادة الاقتصادية باتت جزءاً من الأمن الوطني.

فالتوجيهات الملكية نحو تسريع تنفيذ "ميثاق الاستثمار" و"عرض الهيدروجين الأخضر" تبرز إرادة الدولة في التحول من اقتصاد تابع إلى اقتصاد مُبدع ومنتج للفرص.
 
2-التنمية المجالية: من العدالة الاجتماعية إلى الإنصاف الترابي:

الجيل الجديد من البرامج المجالية يعكس تحولاً في التفكير التنموي من المركز إلى الهامش.

الاهتمام بالمناطق الجبلية والواحات والسواحل ليس تفصيلا، بل تصحيح تاريخي لاختلالات مجالية عمرها عقود.

وهنا تتجلى فلسفة "المغرب الصاعد": أن لا صعود بدون عدالة ترابية.
 
3-الدولة الاجتماعية… من شعار إلى ممارسة:

ترسيخ ورش الحماية الاجتماعية ورفع إعانات الأطفال، وتوسيع الاستفادة من برامج الدعم المباشر، كلها مؤشرات على تحول اجتماعي حقيقي.

الملك يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة عبر الكرامة والإنصاف والتمكين.

وميزانية 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة وخلق 27 ألف منصب مالي تؤكد أن الرهان الاجتماعي لم يعد ترفا بل أولوية سيادية.
 
4-إصلاح المؤسسات... وتحصين المسار الديمقراطي:

القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بمجلس النواب والأحزاب السياسية تعيد ترتيب المشهد الحزبي على أسس الكفاءة والنزاهة.

تحصين الولوج إلى المؤسسة التشريعية من ذوي السوابق، وتشجيع الشباب والنساء بتحفيزات مالية، هي رسالة ملكية واضحة: "تجديد النخب لم يعد خيارا، بل ضرورة لبناء مغرب الغد.
 
5-إعادة هندسة الدولة الأمنية والعسكرية والعلمية:

إقرار نظام خاص بموظفي المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، وإنشاء "مجلس البحث العلمي العسكري"، يعكسان دمج الأمن السيبراني والعلمي في صلب الرؤية الملكية للأمن الشامل.

هذا التحول يؤكد أن الأمن لم يعد فقط حدوديا أو عسكريا، بل أصبح رقميا ومعرفيا.
  
6-الديبلوماسية الاقتصادية وتوسيع الحضور الإفريقي:

المصادقة على 14 اتفاقية دولية، منها اتفاقيات إفريقية متعددة الأطراف، تكرس مكانة المغرب كفاعل قاري، يعتمد القوة الهادئة والدبلوماسية الذكية لتعزيز الشراكات جنوب-جنوب.

الملك هنا يوجّه الحكومة نحو ممارسة الواقعية الاستراتيجية لا الدبلوماسية البروتوكولية.

7- خريطة النقاط التنفيذية "خارطة طريق 2026"
  المجال الإجراءات المحددة الأثر المنتظر الاقتصاد تسريع تنزيل ميثاق الاستثمار، دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة خلق مناصب شغل جديدة وتحفيز القطاع الخاص العدالة الاجتماعية تعميم الحماية الاجتماعية والدعم المباشر للأسر خفض الفوارق الاجتماعية والمجالية التعليم والصحة غلاف مالي بـ140 مليار درهم، بناء مراكز استشفائية جديدة تحسين جودة الخدمات الاجتماعية الحكامة إصلاح القوانين التنظيمية للبرلمان والأحزاب تخليق الحياة السياسية الأمن السيبراني والعسكري إحداث نظام خاص لأمن نظم المعلومات ومجلس البحث العلمي حماية الأمن الوطني في العصر الرقمي العلاقات الخارجية توقيع اتفاقيات دولية جديدة توسيع النفوذ الاقتصادي والديبلوماسي للمغرب

مجلس وزاري استثنائي برؤية ملكية متجددة من الاقتصاد إلى العدالة الاجتماعية، ومن الاستثمار إلى الحماية الاجتماعية، يرسم الملك محمد السادس ملامح "المغرب الصاعد" الذي يوازن بين الكفاءة الاقتصادية والإنصاف الترابي.

الأرقام ليست مجرد مؤشرات مالية، بل دروس في الحكامة والرؤية الاستباقية.

المغرب يثبت من جديد أن القيادة الاستراتيجية هي أساس الثقة في المستقبل.

لهذا يعد المجلس الوزاري محطة مهمة، لأنه يشكل لحظة سياسية تجمع فيها الطموح، والتوجيه الملكي، والتحدي التنفيذي في قانون مالية جديد، فإذا نجحت الحكومة في ترجمة هذه التوجهات إلى واقع ملموس في الصحة والتعليم والتشغيل والتنمية المجالية، فسيشكل هذا المجلس نقطة انطلاق نحو التغيير في مسار تجديد جذري لمنظومة التدبير الوطني، في أفق نهضة مؤسساتية شاملة تعيد الثقة للمواطن ، نحو انتقال نوعي لرسم ملامح الدولة الحديثة، ونقطة تحول استراتيجي باتجاه دينامية إصلاحية غير مسبوقة في عمقها ومداها،  لإعادة هندسة شاملة للسياسات العمومية نحو إصلاح جوهري يترجم الإرادة الملكية في التغيير.

المراجع الرسمية: بلاغ الديوان الملكي – وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP) بتاريخ 19 أكتوبر 2025. مشروع قانون المالية 2026 – وزارة الاقتصاد والمالية. الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2025. الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2025.



في نفس الركن