Quantcast
2023 يناير 8 - تم تعديله في [التاريخ]

مستحيل هذا الذي تفعله الرياضة


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي

ما الذي يفسر خروج حشود هائلة من الجماهير في مختلف أرجاء الوطن العربي والبلاد الإسلامية إلى الشوارع وإلى الفضاءات العامة فيما يشبه هستيريا، للتعبير عن الفرح بالنتائج الباهرة التي حققها المنتخب المغربي لكرة القدم في نهائيات كأس العالم ؟

وما الذي يبرر انتشال هذه الجماهير من ثنايا أزماتهم الاجتماعية والاقتصادية في لحظات معينة ونسيان معاناتهم من حدة ما يترتب عن هذه الأزمات ليعوضوها بزمن فرح وسعادة ؟

الأكيد أن هذه التعبيرات وغيرها كثير لا يمكن حصر أسبابها ودواعيها في الجانب الرياضي الصرف، بل لا بد من تفسيرات وقراءات أخرى تساعد على فهم واستيعاب هذا الذي حدث. والتعويل على إنجازها على المتخصصين في علوم الاجتماع والنفس والسلوكيات .

الواضح أن ثمة قناعات وحقائق لم تعد متجلية في الحياة العامة في الخريطة العربية والإسلامية، لكنها  لا تزال حية في دواخل الناس وفي أعماقهم، وهي فقط في حاجة إلى عوامل تخرجها من العمق وتبرزها بشكل واضح في الواقع اليومي المعيش. هذا ما يؤشر على اقتناع الجماهير العربية بفكرة الوحدة وبالانتماء المشترك. لذلك شعر كل مواطن عربي في لحظة من اللحظات أن المنتخب المغربي لكرة القدم، يمثله في تظاهرة رياضية دولية، وأنه ليس ملك قطري لفئة معينة ولا الشعب دون سواه من الشعوب العربية. وأن الانتصارات التي حققها كانت بالنسبة إليه تمثل انتصارات للمشترك بين الشعوب العربية. وحينما نتابع ونعاين التفاعلات النفسية القوية التي تعاملت معها الجماهير العربية مع كل ثانية من عمر كل مباراة خاضها المنتخب المغربي في مسار النهائيات، إلى درجة استحال معها التمييز بين جنسيات المتفاعلين، نتأكد أن الجماهير العربية كانت متعطشة إلى تحقيق انتصارات على الآخر بغض النظر عن جنسية اللاعبين الذين كانوا بصدد تحقيق الانتصارات المتتالية. ولذلك ارتدى ملايين من المواطنين على امتداد الخريطة العربية قمصان المنتخب المغربي، ورفعوا الرايات والأعلام المغربية ترفرف في كل مكان، ليس لأن القمصان ولا الأعلام مغربية فقط، بل كانت تمثلا حقيقيا لمشاعر الجماهير، وإنما كانت التعبير الذي أخرج الشعور بالوحدة، كنا نعتقد أنها دفنت في أعماق الخيبات والأزمات العربية المكثفة والكثيرة التي ترتب عنها اقصاء نفسي ووجداني من الواقع المرير السائد والمعيش. وهكذا فإن الانتصارات المبهرة كانت في سياق ردود الفعل التي تابعناها بكثير من الاهتمام بمثابة رد اعتبار للإنسان العربي .

ثم وكأن لاعبي المنتخب الكروي المغربي، لم يكتفوا في إطار استعداداتهم لهذه النهائيات، بالتمرس على الخطط والتكتيكات التي من شأنها ترجيح كفتهم في المواجهات الرياضية، مع أعتى المنتخبات الكروية في العالم، ولا على دراسة المنتخبات التي تنافسوا معها، بل الغريب حقا، أن نلاحظ وكأن هؤلاء اللاعبين حضروا خططا مدروسة، لا علاقة لها بالمنافسة داخل رقعة الملعب. و لذلك يحق لنا أن نتساءل اليوم، عما إذا كانت المشاهد الحميمية التي جمعت اللاعبين بأسرهم، خصوصا بأمهاتهم، تلقائية؟ وعما إذا كان سجودهم الجماعي بعد كل انتصار، وحتى في لحظات الهزيمة ،تلقائيا؟ و عما إذا كان رفع العلم الفلسطيني في محفل رياضي عالمي يتابعه مئات الملايين من الأشخاص في مختلف أرجاء العالم تصرفا تلقائيا أو فرديا ؟

لا ندعي امتلاك الحقيقة المطلقة في هذا الصدد  ولكن الأرجح أن الأمر يتعلق برسائل بالغة القوة و التأثير والدلالة، حرص لاعبو وأطقم الفريق المغربي على أن تكون ملاعب نهائيات كأس العالم منصات لإطلاقها في سماء مفتوحة، لا يمكن لأي أحدٍ تطويقها و محاصرتها بهدف الحيلولة دون نفاذها إلى مشاعر شعوب العالم .

مشاهد الأمومة والتدين والتضامن اندحرت في الحضارة الغربية المعاصرة، ولذلك لم يعد مخجلا الرمي بالأمهات في الملاجئ ودور العجزة، بما يفسر تفكك الشعور الإنساني الطبيعي، ولا غريبا تحويل الطبيعة الإنسانية التي وجد عليها الكون أول مرة، من رجل ومرأة، وأن بناء الأسرة يتأسس ويرتكز على هذا التنوع البيولوجي الضروري، إلى سلوكات بشرية تنقل الإنسان من طبيعته الإنسانية إلى هوية حيوانية، تفتقد إلى أية معايير للتزاوج والإنجاب، بما يعني تفسخا كاملا ومطلقا لمفهوم الأسرة الواحدة. وهكذا يمكن ان يكون للطفل الواحد أكثر من أب واحد. طبعا لا ننكر طبيعة الأمراض الجسدية والنفسية التي يبقى كل إنسان معرضا لها، لكن الأمراض تبقى أمراضا في حاجة إلى علاج . ولكن من الخطورة بمكان بناء مجتمعات حديثة على أساس هذه الأمراض والعلل. لذلك رسالة لاعبي المنتخب المغربي قالت، بما يجب من وضوح نحن لسنا أبناء ألوان، بل أبناء شرعيون بررة للطبيعة الإنسانية، وأننا أبناء حضارة وأديان. ونرفض رفضا مطلقا أن نتحول إلى لقطاء نبحث لنا عن هويات وعن أنساب .

لذلك بقدر ما نتفهم درجة الغل التي وصل إليها البعض، بسبب هذه الرسائل القوية، والتي وصلت حد تشبيه اللاعبين المغاربة بالقردة ووصفهم بالإرهابيين وإطلاق العنان لجميع عبارات السب والقذف والتعابير الحاطة من الكرامة، بما يكشف عن فضائح أخلاقية إعلامية مكتظة بالتمييز والتحريض على الكراهية والعنف، فإننا أيضا أنصتنا باهتمام وتركيز إلى من خالف هذا التوجس بل التوحش، من اعتبر أن (العلاقات الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية، التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية، واندثار مفهوم الأسرة) ولنا أن نسجل أن رسائل المنتخب المغربي حققت غاياتها بأن طرحت من جديد وبحدة في الأوساط الغربية، أزمة القيم التي تتوغل وتتغول فيها الحضارة الغربية المعاصرة .

              



في نفس الركن
< >

الاحد 21 أبريل 2024 - 12:32 البحر المتوسط المحاصر بخطر كبير

الاثنين 15 أبريل 2024 - 11:27 العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار