2023 شتنبر 4 - تم تعديله في [التاريخ]

مستقبل إفريقيا يُصْنَع في الخارج ولا يُبْنَى في الداخل


الافـتتاحية‭

* العلم
تعود‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسَة‭ ‬للأزمات‭ ‬المركبة‭ ‬والمتتالية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية،‭ ‬إلى‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬بلدانها،‭ ‬وتعرقل،‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬وسابق‭ ‬إصرار،‭ ‬جهودَ‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتُبقي‭ ‬غالبيةَ‭ ‬الشعوب‭ ‬الأفريقية‭ ‬غارقةً‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬التخلف‭ ‬والهشاشة،‭ ‬فتضيع‭ ‬كل‭ ‬فرص‭ ‬التغيير‭ ‬نحو‭ ‬الأحسن‭ ‬والأفضل،‭ ‬لتبقى‭ ‬القارة‭ ‬تتخبط‭ ‬في‭ ‬مشاكل‭ ‬بنيوية،‭ ‬بعضها‭ ‬ميؤوس‭ ‬من‭ ‬حلها‭ ‬ومعالجتها،‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭ ‬القوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬تنفخ‭ ‬فيها،‭ ‬لضمان‭ ‬استمرارها‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الاستنزاف‭ ‬للثروات‭ ‬الأفريقية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬السنين‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬القادرة،‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬كبرى،‭ ‬تمارس‭ ‬سياسة‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية،‭ ‬بشتى‭ ‬وسائل‭ ‬الإغراء‭ ‬والجذب‭ ‬والتأثير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأزمات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬شاملة‭ ‬وعامة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأقطار‭ ‬الأفريقية،‭ ‬لاتزداد‭ ‬إلا‭ ‬تفاقماً‭ ‬وحدَّةً‭ ‬وعنفواناً،‭ ‬بينما‭ ‬المنطق‭ ‬السياسي‭ ‬وطبائع‭ ‬الأشياء،‭ ‬تقضي‭ ‬بتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ ‬الضيقة‭ ‬وللدخول‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬النمو‭ ‬المتوازن‭ ‬و‭‬المتكامل‭ ‬والقائم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬سليمة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬أخذ‭ ‬يصنف‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية،‭ ‬أو‭ ‬بعبارةٍ‭ ‬أدق‭ ‬وأكثر‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬أقطاراً‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬أفريقيا،‭ ‬ضمن‭ ‬المناطق‭ ‬المرشحة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬والقلاقل،‭ ‬نتيجةً‭ ‬لعوامل‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬تفاحشُ‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأجنبية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬واستعصاء‭ ‬المشاكل‭ ‬المتفشية‭ ‬على‭ ‬التسوية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬القائمة‭.

‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬المديرة‭ ‬العامة‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬كريستالينا‭ ‬جورجييفا،‭ ‬إلى‭ ‬التصريح‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬قناة‭ ‬ "سي‭.‬إن‭.‬إن‭ ‬الأمريكية"،‭ ‬بأن‭ ‬أفريقيا‭ ‬ستكون‭ ‬إحدى‭ ‬نقط‭ ‬التركيز‭ ‬الرئيسَة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إنعاش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ومجموعة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬المقرر‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬المقبل‭.‬ 

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعني،‭ ‬وبالوضوح‭ ‬الكامل،‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بدأ‭ ‬يعي‭ ‬مسؤوليته‭ ‬الكاملة‭ ‬إزاء‭ ‬تزايد‭ ‬سوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬مما‭ ‬يتراكم‭ ‬مع‭ ‬التقلبات‭ ‬غير‭ ‬الدستورية‭ ‬والتوترات‭ ‬السياسية‭ ‬الناتجة‭ ‬عنها،‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬دول‭ ‬أفريقية‭ ‬بات‭ ‬يجمع‭ ‬بينها‭ ‬اليوم،‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع‭ ‬والأوبئة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اضطراب‭ ‬الأوضاع‭ ‬وانحلال‭ ‬عناصر‭ ‬الدولة‭ ‬وفقدان‭ ‬مقومات‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭‬الوئام‭ ‬الأهلي‭.‬

لقد‭ ‬شهدت‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬مبادرات‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬نافذة‭ ‬لفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمامها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الأفريقي،‭ ‬فعقدت‭ ‬مؤتمرات‭ ‬القمة‭ ‬للقادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬النفوذ‭ ‬الواسع،‭ ‬اتخذت‭ ‬فيها‭ ‬قرارات‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والأمني‭ ‬والسياسي،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭.‬

ولكن‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الأربع‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬كله‭.‬ بل‭ ‬تدهورت‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة،‭ ‬ووصل‭ ‬الحال‭ ‬ببعض‭ ‬الشعوب‭ ‬الأفريقية‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬حاملة‭ ‬راية‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية‭ ‬لها‭ ‬مطامع‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬تدعوها‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬لتحل‭ ‬محل‭ ‬دولة‭ ‬استعمارية‭ ‬قديمة‭.‬ وهذه‭ ‬حالة‭ ‬نادرة‭ ‬تؤكد‭ ‬مستوى‭ ‬الاندحار‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬أقطار‭ ‬أفريقية‭ ‬صارت‭ ‬عنواناً‭ ‬للبؤس‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يخيم‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭.‬

إن‭ ‬مكمن‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬أوضاع‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬أفريقيا‭ ‬يُصنع‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ولا‭ ‬يبنى‭ ‬في‭ ‬الداخل‭.‬ وهو‭ ‬خلل‭ ‬بنيوي‭ ‬ومركب‭‬، ‬أدركت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬خطورته‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬فقرر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ومجموعة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يبحثا‭ ‬الأزمات‭ ‬الأفريقية‭ ‬في‭ ‬اجتماعاتهما‭ ‬القادمة‭ ‬بمراكش،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬أفريقيا‭  ‬إحدى‭ ‬نقط‭ ‬التركيز‭ ‬الرئيسة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إنعاش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬مراكش‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬إنقاذ‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬الأمام‭ ،‬شددت‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬دائماً‭ ‬و‭‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية‭ ‬مشاكلها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التعاون‭ ‬الأفريقي‭-‬الأفريقي،‭ ‬وتصنع‭ ‬حاضرها‭ ‬ومستقبلها‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مقدراتها‭ ‬وإمكاناتها‭ ‬ومقوماتها‭ ‬والسياسات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬كل‭ ‬دولة،‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬الزاحفة‭ ‬إلى‭ ‬بسط‭ ‬نفوذها‭ ‬وفرض‭ ‬هيمنتها‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬النهج‭ ‬القويم‭ ‬الذي‭ ‬ينقذ‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬والاندحار،‭ ‬ويضيء‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬التنمية‭ ‬والأمن‭ ‬والسلم‭ ‬والاستقرار‭ .‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تلتزم‭ ‬به‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬و‭‬تتبعه،‭ ‬وتنصح‭ ‬الأشقاء‭ ‬الأفارقة‭ ‬بانتهاجه‭ ‬و‭‬الاقتداء‭ ‬به،‭ ‬و‭‬تبشر‭ ‬به‭ ‬وتدعو‭ ‬إليه‭ ‬و‭‬تشدد‭ ‬عليه‭.‬




في نفس الركن