2025 نونبر 17 - تم تعديله في [التاريخ]

ملفات‭ ‬سرية‭ ‬وامتيازات‭ ‬اقتصادية‭: ‬مدريد‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬أرشيف‭ ‬الصحراء‭ ‬والمغرب‭ ‬يرفع‭ ‬سقف‭ ‬شروطه


 
العلم: أنس الشعرة
 
في لحظة سياسية دقيقة يستعيد فيها المغرب زخما دوليا لافتًا بعد صدور قرار مجلس الأمن 2797 الذي يدعو صراحة إلى مفاوضات على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، بدأت تتكشّف تحركات إقليمية تُظهر أن الرباط أصبحت مركز الثقل في أي مقاربة دولية تخص الصحراء. وفي مقدمة المتحركين تأتي إسبانيا، التي شرعت فجأة في نبش صفحات منسية من اتفاق مدريد الثلاثي لسنة 1975، وكأن الرياح الجديدة في المنطقة ذكّرتها بما تعتبره «حقوقا اقتصادية» تعود لعقود خلت.

وكالة الأنباء الإسبانية «أوروبا بريس» نشرت، تقريرا مطولا أعادت فيه إحياء النقاش حول الوثيقة التي وُقعت بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا يوم 14 نونبر 1975، بعد أيام قليلة من انطلاق المسيرة الخضراء التي قادت لخروج مدريد من الصحراء سنة 1976. التقرير قدّم قراءة مغايرة للاتفاق، مركّزا بالأساس على ما سمّاه «الملحقات السرية» التي -بحسب الرواية الإسبانية- منحت مدريد امتيازات واسعة في مجالي الصيد البحري والمعادن.

وبحسب الوكالة، فإن الاتفاق الذي بموجبه أنهت إسبانيا وجودها الاستعماري في الصحراء، تضمن أربعة ملحقات بقيت طي السرية في البداية، قبل أن تتسرّب أجزاء منها بعد نشرها في مجلة «إنترفيو» سنة 1978. هذه الملحقات، وفق الرواية المنشورة، كانت محورها الأساسي المصالح الاقتصادية، وخاصة حقوق الصيد البحري التي تعتبرها إسبانيا إلى اليوم إحدى أهم أدوات نفوذها في علاقاتها المتقلبة مع المغرب.

وتفيد الوثائق نفسها بأن المغرب وموريتانيا اعترفا لإسبانيا بحقوق الصيد في مياه الصحراء لصالح 800 سفينة لمدة 20 سنة، مع إعفاء كامل من الرسوم خلال السنوات الخمس الأولى، ثم رسوم «تفضيلية» طيلة الخمس عشرة سنة اللاحقة، يحددها لاحقا جهاز مشترك بين الدول الثلاث. كما تحدثت الملحقات عن اتفاقات منفصلة للصيد في المياه الإقليمية لكل من المغرب وموريتانيا، تسمح لـ600 سفينة إسبانية بالعمل في السواحل الأطلسية للصحراء و200 سفينة في البحر المتوسط، إضافة إلى 200 سفينة أخرى في المياه الموريتانية.

الشق المتعلق بالقطاع المعدني لم يقل إثارة، إذ أوردت «أوروبا بريس» أن اتفاقا ثنائيا وُقع بين الرباط ومدريد يقضي بإنشاء شركات للتنقيب على أن تتمتع إسبانيا بحصة تصل إلى 35 في المائة، في حين ينص الملحق الرابع على اقتناء المغرب 65 في المائة من رأسمال شركة «فوس بوكراع» بمدينة العيون، وفق تقييم مالي يعود إلى 31 دجنبر 1975.

إعادة إحياء هذا الملف من طرف وسيلة إعلامية غير رسمية لكنها قريبة من دوائر القرار في مدريد، يأتي -وفق مراقبين- متزامنا مع متغيرين اثنين: أولهما القرار الأممي الأخير الذي عزز الموقف المغربي، وثانيهما استعداد الاتحاد الأوروبي لفتح مفاوضات جديدة مع الرباط حول اتفاقية الصيد البحري التي ألحقت خسائر واضحة بمهنيي الأندلس وغاليسيا والكناري منذ توقفها.

وبينما تؤكد الرباط أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل جميع المياه المغربية دون استثناء، كشف المفوض الأوروبي لشؤون الصيد والمحيطات، كوستاس كاديس، خلال عرضه أمام لجان البرلمان الإسباني الأسبوع، الماضي، أن بروكسيل بصدد إعداد مقترح جديد للتفاوض مع المغرب، من دون الكشف عن مضمونه.

تعيد هذه التطورات إلى الواجهة التحول الجوهري الذي أحدثه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في 18 مارس 2022 عندما اعترف في رسالة رسمية إلى الملك محمد السادس بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل «الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية»، وهو الموقف الذي فتح الباب لمرحلة جديدة من التعاون الثنائي وساهم في إعادة صياغة جزء مهم من هندسة العلاقات الأورومتوسطية.
 



في نفس الركن